الشعلان.. عن ضابط يمني أوجع إيران وبعثر حلم الحوثي بالسيطرة على مأرب "بروفايل"
في كلية الطيران والدفاع الجوي بمدينة سام بن نوح “صنعاء” تخرج الضابط اليمني “عبدالغني الشعلان” من الكلية التي تعلم منها كيف يكون العسكري وفيًا لبلده، مؤمنًا بشرفه العسكري.. تلك الأيام رسمت ملامح محارب يمني شجاع في بلاد كفرت بالكهنوت في أوج سطوته.
كان العام 2004م نقطة فارقة في حياة “أبو محمد” عندما سار “وكاب” النجاح مُسورًا رأسه، لكن هذا التاريخ كان بسملة البداية لحياة مزروعة بالشوك لا العنب، ما إن تخرج من الكلية عُين ضابط رادار وصواريخ بالقاعدة الجوية فيها ليتنقل بعدها إلى نائب مدير أمن الجوف وأركان عمليات الكتيبة (17) وقائد للسرية الأولى بالكتيبة التاسعة بالفرقة الأولى وحارس أمين لمخازنها، تلك القبلة العسكرية التي وهبت الجمهورية الكثير من الأبطال.
هذه المناصب التي تبوأها “أبو محمد” إلى جانب عمله كاتبًا ماليًا في اللواء (170) دفاع جوي بتعز، فيما شغل نفس المنصب لكن هذه المرة في الحديدة وبقيادة القوات الجوية تحديدًا كان هذا في العام 2009م.. تنقل الرجل في عمله بمحافظات يمنية عدة وهو تبن محافظة حجة فاليمن عند “الرجل” بجبالها وشعابها ووديانها يمنية لا تدين لغيره.
مع بدء الحرب التي شنتها المليشيا الحوثية على اليمنيين وسعيها إلى اقتضام أكبر قدر ممكن من الجغرافيا اليمنية، نزولًا عند أوهام الماضي كفر اليمني بالأمر الواقع كما هو الحال لـ”أبو محمد” وهو الشاب ذو “39” ربيعًا، ومع صراخ الرفض امتشق الرجل بندقيته وبانت شخصيته المتمردة في وجه الماضي وتقلد في العام 2015م مسؤولية الحزام الأمني لكن هذه المرة لمحافظة مأرب حيث النازحون الذي فروا من أماكن عدة إلى جبل يعصمهم من سياط التمرد في “الجفينة” بمأرب.
قاتل “أبو محمد” ببندقية “القردعي” وشكيمة الجمهورية، حيث كان من المستحيل للمليشيات التي تحارب بجميع أنواع الأسلحة وجيش من المُغرر بهم من التقدم صوب مأرب، التي حاربت الكهنوت منذ اللحظة الأولى بقبائلها وأبنائها لتكتب على جدران التاريخ أنها حملت السلاح وأذنت في الناس بالصحراء لتشكل معها مطارح نخلا والسحيل النواة الأولى للرفض.
على تخوم مأرب بالتزامن مع دخول عاصفة الحزم في مارس/ آذار من العام 2015 قاتل “أبو محمد” وهو ابن قرية “شعلان” إحدى قرى مديرية “المحابشة” في محافظة حجة، كان يرى الرجل أن قتال تلك المليشيات دين مضمر في قلبه، كيف لا وهي _أي_ المليشيات تقاتل من أجل استعباد الناس وإذلالهم تماشيًا مع خرافة “الدم المقدس الموصول بالسماء” وشارك إلى جانب الشهيد “الفريق الشدادي” حينها في صرواح _غربي المحافظة، كما قاتل في جبهتي: “الفاو والجفينة” جنوبي المحافظة.
مع تعثر مليشيات الحوثي في اختراق محافظة مأرب، حبكت الجماعة الأساطير لأتباعها في عملية “غسيل دماغ” ساذجة وساقتهم كالأغنام وهي لا تعي أن هذه المحافظة ليست كسواها، وكانت الأخبار تسابق الهدهد وخاضت المليشيا بنعي أفرادها بالمئات في محرقة أنكأت المشروع الكهنوتي لست سنوات على التوالي.
ومع فشل تلك المليشيات إحراز أي نصر يذكر، سارعت المليشيات بتجنيد مئات العسعس “رجالاً ونساء” لتحقيق ما عجزوا عنه في المعركة، لكن لسوء حظ تلك المليشيات بأن “أبو محمد” أضحى حائط الصد ذلك الكابوس الذي يُصف بالرجل الحديدي، فبداية الرجل مع الملف الأمني كان في عام 2016م إبان قيادته لأركان حرب قوات الأمن الخاصة بمحافظة مارب.
من خلال كفاءته العسكرية استطاع الرجل بناء جهاز أمني قوي تكسرت على جدرانه محاولات المليشيات ووأد الخلايا النائمة وقطع دابر تهريب المخدرات ومعها الأسلحة والطيران المسير تلك الأعمال التي أصابتهم في مقتل، ففي نوفمبر من العام 2016 رمى المحافظ سلطان العرادة ثقته في الرجل وقرر تعيينه قائدًا لقوات الأمن الخاصة تلك المهنة التي تقلدها بعد أن شغلها لأشهر مضت كقائم بأعمال.
بالرغم من المؤامرات التي حاكتها المليشيات وسعيها الحثيث لاختراق المحافظة التي تعج بملايين اليمنيين الذين فروا من “الهولوكوست” في محافظات غزتها المليشيات الحوثية كما لو كانت المغول إبان اجتياح بغداد، إلا أنها كانت بردًا وسلامًا على “النازحين” في ظل نظام على سراطه يسير الناس منتعلين الشموخ متساوين في الحقوق، فتأوي مأرب ملايين اليمنيين من صعدة وعمران وحجة والجوف صنعاء.. فتحت المحافظة بقبائلها وتاريخها الضارب لليمن فشكلت “سيمفونية” فريدة من نوعها.
قد لا تجد صورًا للرجل المُكنى بـ”أبو محمد” إذا ما بحثت عنها، سوى القليل فهو قليل الحضور الإعلامي كثير الحضور في الحقل الأمني المُبني على قدر عال من الحرفية، فيرتدي الرجل بردة خضراء عليها “نقاط” سوداء وبيضاء، واللون البُني وهو “زي” القوات الخاصة، فيما كان يدرك الرجل أن قتال تلك المليشيات ليست في الميدان الأمني فقط، فمع تقدم مليشيات الحوثي في نهم والجوف العام الماضي وصولًا إلى السعي بتطويق مأرب، شارك وقواته في الدفاع عن المحافظة خلال الأشهر الماضية.
ومع تقدم مليشيات الحوثي في “جبل البلق” غرب المحافظة، لم يكتف “أبو محمد” بمهامته الأمنية، بل سارع إلى التوجه إلى الجبل بمعية قوة عسكرية كان يقودها وخاضت تلك القوات معارك بطولية منقطعة النظير، لكن الرجل أصيب أثناء الاشتباكات في أجزاء متفرقة من جسده بحسب المصادر العسكرية لـ”سبتمبر نت”، التي أكدت استشهاده في المواجهات لتتمكن تعزيزات للقوات ذاتها من انتشال جثمانه وتأمين نقله إلى مأرب.
كان ختاما “مسكاً” للعميد في القوات الخاصة “عبدالغني الشعلان” صباح الجمعة 26 فبراير من الشهر الجاري بعد أن خاض وأفراده معركة بطولية استمرت منذ مساء الخميس حتى صباح الجمعة، قاتل فيها الرجل في المقدمة وعكس تفاني القيادة وتقدمها للصفوف، استشهد بمعية العقيد “نوفل الحوري” والذي يشغل رئيس عمليات الأمن الخاص والمقدم أمجد الصلوي.
قاتل الرجل حتى استنفدت رصاصات رشاشه، فتلقى جسده الطاهر خمس رصاصات كتبت نهاية رجل شجاع وعسكري مغوار، ورغم كثافة النيران وحشد المليشيات إلا أن إرادة الأبطال حالت دون تمكن المليشيات من السيطرة على جبل “البَلق” ومع هذا الفشل الذريع تسعى المليشيات بإطلاق أكبر قدر ممكن من الصواريخ الباليستية صوب المدينة الآهلة بالسكان لتعويض الانكسارات على أسوارها.
ونجى العميد “الشعلان” خلال الست السنوات الماضية من الموت المُحقق على يد المليشيات ذاتها كان آخرها نجاته من قصف صاروخي للمليشيا نجا منها بأعجوبة فيما وصفته قناة العالم “الإيرانية” المعادية: بأخطر الضباط اليمنيين، ويعد “الشعلان” أباً لأربعة أطفال، ثلاث بنات وولد “محمد” وهو الذي أخذ كنيته، ويُعد أبو “محمد” من مواليد عام 1981م.