المركزي يحكم قبضته.. والشارع ينتظر الفاتورة

لا تصدر الحكومات قرارات كبيرة دون رجّة في حياة الناس، ولا تتحرك الدول في عمق الاقتصاد إلا ويترقّب الشارع ما إذا كانت الخطوة جسر إنقاذ.. أم بداية سقوط جديد إلى الهاوية.

هذا ما يحدث اليوم مع القرار رقم (11) لعام 2025، الذي أقرّه مجلس القيادة الرئاسي تحت عنوان: خطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة.

قرار يوصف رسميًا بأنه إصلاحي، لكنه بالنسبة للمواطن العادي يبدو كأنه سؤال يبدأ ولا ينتهي:

هل نحن أمام خطوة جريئة لإعادة بناء الدولة؟

أم أمام عملية مركزية مالية سيدفع ثمنها المواطن قبل أن يرى نتائجها؟

وهنا سأوضح حقيقة ماذا يعني القرار فعليًا؟

القرار ببساطة ليس مجرد توجيه سياسي، بل عملية “استعادة سيطرة” على المال العام بعد سنوات من الفوضى المالية التي جعلت كل محافظة دولة داخل الدولة.

هذا القرار سيوحّد الإيرادات العامة، ويلغي الصناديق الجانبية، ويمنع التجنيب، ويوقف الجبايات غير القانونية، ويلزم الجميع بتحويل الأموال إلى البنك المركزي في عدن.

وبمعنى اوضح فان القرار رسالة من الدولة للمحافظات والنافذين والجهات العسكرية تقول فيها 

"إن المال مال دولة.. وليس مال مشيخات أو سلطات أمر واقع."

وهذه الخطوة لم تحدث منذ 2015، وهي تُعدّ أكبر محاولة لإعادة النظام المالي إلى شكله المؤسسي.

وبالنظر الي الفوائد المحتملة للقرار أؤكد انه إذا نُفذ القرار كما هو من دون التفاف أو صفقات خلف الكواليس فستكون هناك نتائج مباشرة تتمثل في:

▪️تحسين قدرة الحكومة على دفع المرتبات بانتظام لجميع

الموظفين، العسكريين والمدنيين والمتقاعدين، والبعثات في الخارج.

▪️تقوية البنك المركزي ماليًا

من خلال زيادة التدفقات المالية إلى الحساب العام وهذا يعني قدرة أكبر على إدارة السوق والحد من فوضى العملة.

▪️ضرب اقتصاد الجبايات غير القانونية وهي الدولة الموازية التي امتصت جيوب التجار والمواطنين لسنوات.

▪️توحيد بيع المشتقات النفطية وتحديد هامش السعر وهذا يعني إغلاق باب الربح غير المشروع بين محافظة وأخرى.

▪️ إعادة فكرة "الدولة كمرجعية مالية" وليس "المحافظة كمالك للمال"

وهو تصحيح بنيوي لا يمكن تطوير الاقتصاد بدونه.

اما بالنظر الي المخاطر والتحديات المحتملة فإن القرار ليس بلا ثمن. والخطر الأكبر ليس اقتصاديًا فقط بل سياسي واجتماعي أيضًا ومن ابرزها:

▪️قرار تحرير الدولار الجمركي سيرفع الأسعار مباشرة وهذا يعني أن المواطن سيدفع جزءاً من فاتورة الإصلاح قبل أن يلمس نتائجها.

▪️صدام محتمل مع المحافظات النافذة خاصة تلك التي اعتادت إدارة مواردها باعتبارها "سلطة مستقلة".

▪️خطر الانتقال من فوضى مالية محلية.. إلى احتكار مركزي للمال بمعنى: هل توقف الفساد فعلاً؟ أم فقط تغيّر عنوانه؟

▪️توقّع رد فعل غاضب من الشارع إذا لم تنعكس الخطوات على المرتبات والخدمات سريعًا

فالناس لا تحاسب بالنوايا.. بل بالنتائج.

▪️البيئة المؤسسية ضعيفة.. والقرار أكبر من قدرة الأجهزة على التنفيذ السريع فما لم تتوفر أدوات رقابة ومحاسبة حقيقية، كل شيء سيعود إلى المربع الأول.

فإذا نجحت الحكومة في فرض القرار وتوجيه الإيرادات للرواتب والخدمات فإن المواطن هو المستفيد الأول.

اما إذا تحوّل القرار إلى مجرد عملية جباية بلا إصلاح حقيقي فإن المواطن هو الضحية الأولى.

وإذا استُخدم القرار فقط لإرضاء المانحين فإن البلد يدور داخل حلقة "إصلاح شكلي" لا يوقف انهيارًا ولا يبني اقتصادًا.

فالقرار ليس اقتصاديًا فقط، بل اختبار ثقة بين الحكومة والشعب.

اختبار لقدرة الدولة على فرض سلطتها على المال العام،

واختبار لصدق نيتها في إعادة الرواتب والخدمات،

واختبار للشارع أيضًا:

هل يراقب؟ هل يسأل؟ أم يكتفي بالانتظار؟

وخلاصة القول ان القرار في جوهره خطوة شجاعة وضرورية لوضع نهاية لفوضى الإيرادات. لكنه قد يتحول إلى خطر إذا لم يقترن بخطة حماية للمواطن من موجة الأسعار القادمة.

 فالإصلاح لا يُقاس بعدد البنود المكتوبة، بل بعدد الجيوب التي توقفت عن الدفع خارج القانون، وعدد الأسر التي تستلم راتبها آخر الشهر.

فالقرار ليس مجرد وثيقة مالية.

إنه إعلان نوايا:

إما أن تكون الدولة دولة…

أو تبقى الإيرادات موزعة بين مشايخ ومليشيات ومتنفذين.

وحتى اللحظة، الشارع لا يصفّق… بل يراقب.

مقالات الكاتب