مليشيا الحوثي تنهب 23.5 مليار دولار من 3 قطاعات حيوية (تقرير)

المدنية أونلاين/توفيق الحاج:

على مدى عقد من الزمن، ومنذ انقلابها على الدولة اليمنية في العام 2014م، عملت مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، على تأسيس وترسيخ اقتصاد موازٍ ضخم، أو ما يمكن تسميته “اقتصاد الظل”، هذا الاقتصاد لا يعمل خارج سيطرة الدولة والحكومة الشرعية فحسب، بل يتغذى على مؤسساتها ومواردها، محولاً ثروات الشعب اليمني إلى آلة حرب فتاكة تقتل أبناءه، ومصدر إثراء فاحش لقيادات مليشيا الحوثي ومشرفيها، بينما يغرق ملايين اليمنيين في أتون فقر مدقع ومجاعة غير مسبوقة.

خلال عشر سنوات تحولت مليشيا الحوثي الارهابية من جماعة متمردة وانقلابية على الدولة وشرعية اليمنيين إلى كيان مافيوي كبير ومعقد، يدير شبكة واسعة من عمليات النهب الممنهج والفساد المنظم، مستهدفةً كل القطاعات الحيوية التي كانت يومًا ما تشكل عصب الاقتصاد الوطني وتضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة للمواطنين.

إن سيطرة مليشيا الحوثي على قطاعات اقتصادية وايرادية ضخمة يجعلها ترفض أي فرصة للسلام أو الاستقرار، وتفرض واقعًا مريرًا على اليمنيين لأن أموال الشعب وموارده السيادية تذهب مباشرة دون مساءلة ولا حساب إلى جيوب قادة المليشيا لتمويل مشروعهم التوسعي، بينما يُحرم الموظفون من رواتبهم منذ سنوات، ويُدمر القطاعان الخاص والعام بشكل ممنهج، ويحرم المواطنون من كل مقومات الحياة وحقهم في التعليم والصحة والكهرباء والماء والطرق.

شرايين الاقتصاد

تُظهر البيانات والأرقام الصادرة عن الحكومة الشرعية وتحديدا ما نشره وزير الاعلام في كتاباته وتصريحاته وكذلك ما نشرته تقارير اعلامية حجم الكارثة الاقتصادية التي أحدثتها مليشيا الحوثي الارهابية، ففي قطاع المشتقات النفطية وهو قطاع هام يمس حياة كل مواطن، بنت المليشيا إمبراطورية مالية تدر عليها ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار سنويًا، فمن خلال سيطرتها على ميناء الحديدة، احتكرت عمليات استيراد الوقود، وفرضت رسومًا جمركية وضريبية باهظة، حيث كشف تقرير لمبادرة “استعادة” أن المليشيا حصلت على نحو 789 مليون دولار من هذه الرسوم وحدها خلال عام واحد فقط (مايو 2023 – يونيو 2024).

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تحصل مليشيا الحوثي على شحنات نفط وغاز مجانية من إيران، تقدر بنحو 50% من إجمالي الواردات، وتقوم ببيعها في السوق المحلية بأسعار مضاعفة، فعلى سبيل المثال، يصل سعر صفيحة البنزين (20 لترًا) في مناطق سيطرتها إلى 18.7 دولارًا، مقارنة بـ 10.3 دولارات في المناطق المحررة، بينما تباع أسطوانة الغاز المنزلي بـ13 دولارًا مقابل 3.4 دولارات فقط في المناطق المحررة، هذه الفوارق السعرية الهائلة، بالإضافة إلى افتعال الأزمات المستمر لخلق سوق سوداء، تدر على المليشيا أرباحًا خيالية، وتستخدمها مباشرة في تمويل مجهودها الحربي وشراء الأسلحة وتجنيد الأطفال وإثراء قياداتها، بينما تسببت في إغلاق المصانع والمزارع ورفع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات كارثية.

التبغ 5 مليارات دولار

قطاع آخر وقع فريسة لفساد الحوثيين هو قطاع التبغ وهو من الموارد السيادية الهامة للدولة، تحول إلى أحد أعمدة اقتصاد المليشيا الموازي، ويدر عليها إيرادات سنوية مباشرة تصل إلى نصف مليار دولار، بإجمالي يقدر بنحو 5 مليارات دولار منذ الانقلاب، لقد وضعت المليشيا يدها على كبرى الشركات الوطنية، مثل شركة “كمران”، وفرضت قيادات حوثية في مجالس إدارتها، وأجبرت الشركاء الأجانب على مغادرة السوق، وفي الوقت نفسه، أنشأت شركات استيراد موازية يديرها موالون لها، وأغرقت السوق بمنتجات مزورة ومهربة، مثل سجائر “شملان”، مع فرض قيود وضرائب باهظة على المنافسين تصل إلى 200%، مما أتاح لها احتكار السوق بالكامل.

الاتصالات نصف مليار دولار

أما قطاع الاتصالات الذي يمثل حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد تم تحويله بالكامل إلى خزان تمويل رئيسي وجهاز قمعي تستحوذ المليشيا على إيرادات القطاع التي تقارب نصف مليار دولار سنويًا، من خلال سيطرتها على شركات الاتصالات الحكومية والخاصة، والبوابة الدولية للإنترنت، هذه السيطرة لم تحرم الدولة من مليارات الدولارات التي كان يمكن أن تُستخدم لدفع الرواتب وتحسين الخدمات فحسب، بل مكنت المليشيا من التجسس على المواطنين وانتهاك خصوصياتهم، واستخدام خدمة الإنترنت كأداة للمراقبة والابتزاز.

القطاع الخاص 1.5 مليار دولار

لم تكتفِ مليشيا الحوثي الارهابية بنهب موارد الدولة والقطاعات السيادية، بل انتهجت سياسة ممنهجة لتدمير القطاع الخاص وتحويله إلى بقرة حلوب لتمويل حربها، حيث استهدفت المليشيا كبار التجار والمستثمرين بفرض جبايات غير قانونية ورسوم مضاعفة تحت مسميات مختلفة مثل “المجهود الحربي”، مستخدمةً أجهزة عسكرية وأمنية واقتصادية وقضائية انشأتها كأداة للإرهاب الاقتصادي، هذه الممارسات لم تقتصر على الشركات الكبرى، بل طالت أصحاب المشاريع الصغيرة والباعة المتجولين، الذين يُجبرون على دفع إتاوات يومية لمشرفي المليشيا.

وتشير التقديرات إلى أن المليشيا تجني ما بين 1 إلى 1.5 مليار دولار سنويًا من الضرائب والرسوم الباهضة المفروضة على الشركات والمصانع، كما قامت بنهب مئات الشركات عبر ما يسمى بـ “الحارس القضائي”، حيث وثقت منظمة “سام” استيلاء المليشيا على أصول وأموال تتجاوز 3.7 مليار دولار. هذه السياسات أدت إلى إفلاس ومغادرة مئات الشركات، وفقدان آلاف فرص العمل، وتدمير الطبقة الوسطى، مما فاقم من الأزمة الاقتصادية والمعيشية ومغادرة رؤس الأموال.

نهب المساعدات

وحتى المساعدات الإنسانية الدولية لم تسلم من النهب لقد حولت المليشيا المساعدات إلى أحد روافد اقتصادها الحربي، حيث تشير التقارير إلى أن اليمن تلقت مساعدات تفوق 23 مليار دولار منذ عام 2015، ذهب 75% منها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ووفقًا لمبادرة “استعادة”، فإن أكثر من 80% من هذه المساعدات الموجهة لمناطق الحوثيين، والتي تقدر بـ13.5 مليار دولار، قد تم نهبها.

لقد أنشأت المليشيا كيانًا يُدعى “المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية” (SCMCHA)، وربطته بأجهزتها الأمنية، ليتحول إلى أداة لابتزاز المنظمات الدولية والتحكم في توزيع المساعدات، ومن خلال هذا الكيان، تفرض المليشيا منظمات تابعة لها كشركاء تنفيذ، وتتلاعب بقوائم المستفيدين لتحويل الدعم إلى مقاتليها وأسر قتلاها، وتستولي مباشرة على الغذاء والدواء لبيعه في السوق السوداء، هذا النهب المنظم لم يفاقم الكارثة الإنسانية فحسب، بل قوض ثقة المانحين وأدى إلى تراجع حجم التمويل الدولي المخصص لليمن.

دعوة للانتفاضة

إن ما تعرض له اليمنيون من نهب وفساد ليست مجرد جريمة اقتصادية، بل هي استراتيجية حرب متكاملة تهدف إلى إفقار المجتمع وتجويعه وإخضاعه، لضمان استمرار سيطرة المليشيا وتمويل مشروعها المدمر، إن الأموال المنهوبة من النفط والاتصالات والضرائب والمساعدات، والتي تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، هي نفسها الأموال التي كان يجب أن تُدفع كرواتب للموظفين، وتُستخدم لبناء المستشفيات والمدارس، وتوفير الكهرباء والمياه، وخلق فرص عمل للشباب.

أمام هذا الواقع الكارثي، حيث تزداد قيادات المليشيا ثراءً فاحشًا بينما يزداد الشعب فقرًا وجوعًا، لم يعد هناك مجال للصمت أو الانتظار، فالمسؤولية التاريخية تقع اليوم على عاتق جماهير الشعب اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، الذين يعانون من الظلم والجوع والحرمان، يجب عليهم أن يدركوا أن حقوقهم لن تُمنح لهم، بل يجب أن ينتزعوها.

إن الانتفاضة والثورة والمطالبة بالحقوق ليست خيارًا، بل ضرورة حتمية لاستعادة الكرامة الإنسانية يجب على اليمنيين أن يخرجوا إلى الشوارع للمطالبة برواتبهم المقطوعة، وبحقهم في الحصول على خدمات معيشية تليق بالإنسان، وبوضع حد لهذا العبث المنظم بمقدرات وطنهم، إن تجفيف منابع تمويل هذه المليشيا الإرهابية يبدأ من الداخل، من خلال رفض سياسات الجباية والنهب، والوقوف صفًا واحدًا ضد هذا الظلم والارهاب، إنها دعوة مفتوحة لكل يمني حر وشريف للثورة من أجل لقمة العيش والكرامة، ومن أجل استعادة الدولة وإنهاء هذه الحقبة المظلمة من تاريخ اليمن.

*سبتمبرنت