الحوثية.. من فرض الشعارات إلى فرض الشعائر الطائفية

يبدو أن مليشيا الحوثي تستعجل الإنتقال من مرحلة فرض شعاراتها الطائفية إلى مرحلة فرض شعائرها الدينية.

الأمر بات ظاهراً بصورة لا تخلو من تبجح.

في عيد الفطر فرضت المليشيا خطباء وأئمة لتأدية شعائر العيد وفقاً لمرجعياتها المذهبية بهدف إذلال السكان في المحافظات غير الزيدية الخاضعة لسيطرتها.

كما في مرة سابقة قبل عامين، كانت أحد مصليات العيد الكبرى في مدينة إب الكائن خلف مستشفى الثورة، مسرحاً لهذه البلطجة الطائفية، إذ فرضت سلطات المليشيا إماماً وخطيباً من أتباعها يؤدي شعائر العيد تبعاً للمذهب الزيدي.

وفي جانب آخر من المدينة منعت مليشيا الحوثي الشيخ السلفي محمد المهدي من إمامة وخطبة مصلى العيد في استاد المدينة الرياضي كما هو معتاد سنوياً، وفرضت مشرفها على المحافظة خطيباً، وفقاً لموقع المصدر أونلاين.

يستشعر الناس السلوك الطائفي للمليشيا ورغبتها في قهرهم، لذلك غادروا احتجاجاً قبل إكمال شعائر الصلاة والخطبة كما حدث في مصلى مستشفى الثورة.

بالنسبة لمحافظة إب، التي تتعرض لتنكيل حوثي مركز يتمظهر في وقائع بلا عد، لنهب الأراضي والإنتهاكات وتوظيف نفوذ زعماء المليشيا للإنتقام وتصفية حسابات شخصية، فإن المليشيا لا تكف عن استعراض قوتها وقسر الناس للتماهي معها طائفياً.

من جانب، يعكس ذلك إرادة الغطرسة الطائفية الأقلوية المسنودة بالقوة ضد أغلبية السكان، لكنه يشي من جانب آخر بقلق عميق لدى المليشيا مما يغلي تحت ما يبدو أنه رماداً. 

يتجسد هذا في التعبيرات الشعبية الرافضة لوجود مليشيا الحوثي الموالية لإيران في محافظة إب، وكان الإحتفاء الظاهر قبل أسابيع بالذكرى الأولى لاستشهاد المكحل، الشاب الذي عارض المليشيا وقاد احتجاجات صغيرة قبل أن تقضي عليه معذباً في السجن، أحد مظاهرها.

بالتوازي مع المحاولات الحوثية لتطييف شعائر العيد في إب،كان الحوثي يلح في إرسال صورتين ضاجتين بالغطرسة الطائفية : الصورة الأولى من مصلى العيد لقادة المليشيا والثانية مقطع فيديو لهتاف من صحن الجامع الكبير.

في الصورة الأولى، يظهر قادة المليشيا وهم يصلون العيد وأيديهم في حالة إسبال، وهي صيغة الصلاة وفقا للمذهب الزيدي والطائفة الشيعية بصورة عامة. 

في تفاصيل الصورة لا يظهر أي مصلي وهو يضم يديه، بالصيغة التي تجمع عليها المذاهب السنية، وتلك رمزية دالة على من يحكم ويتحكم بسلطة صنعاء، بل تعبيراً عن رفض المعتقدات الأخرى في الصلاة فكيف الأمر إذا تعلق بالحكم؟

أما الصورة الثانية فقد جاءت في مقطع فيديو نشرته حسابات حوثية بصورة موسعة على منصة (x) من باحة الجامع الكبير على هيئة مجاميع تقف في صفوف مرتبة يقودها شاب يردد شعار الولاء للحوثي باعتباره الإمتداد الطبيعي "لعلي ابن أبي طالب"!

يفصح الشعار عن جوهر الحركة بجملته الطائفية المستند إلى نظرية سياسة في الحكم، ويتجسد عبدالملك الحوثي ك"إمام" باعتبار الولاء له جزء من الولاء لله!

لأجل ذلك تقاتل الحركة منذ تشكلها في كهوف صعدة، وتسعى لفرض عقيدتها بالقوة المسلحة على اليمنيين المخالفين لها وتسفك دماء مئات الآلاف منذ سبتمبر 2014.

وهي تقرر أن عليهم الإذعان والخضوع " للسيد" وحمله على ظهورهم كصاحب سلطة دينية مؤيدة من السماء!

كان لافتاً في الصورة تلك الإشارات الرمزية الماثلة في التحية النازية التي ظهرت ضمن طقوس هتاف "الولاء" كما لو كانت تأكيداً إضافياً لانتماء عنصري واحد تتشاركه الجماعة مع النازية.

هنا ربما يتوجب التنويه بأن النازية كانت أيدلوجية تحاول إحياء روح الإعتزاز الآري في الشعب الألماني وليس في عائلة هتلر!

لقد اعتلت الحركة الحوثية في طريقها إلى صنعاء ظهور الكثير من الناقمين والمنتقمين على السلطة حتى أنها اختطفت الحديث عن الدولة المدنية فجرفت معها الكثير من المثقفين والسياسيين.

ومع أنها لم تخف هويتها قبل ذلك بالنظر إلى ما أعلنته في ما سمي بالوثيقة الثقافية والفكرية، لكنها كانت تناور في ميدان النخب، وسلبت بعضهم لبه، قبل أن تسفر عن وجهها الحقيقي كسلطة أمر واقع، لتحيل كل مناسباتها الطائفية إلى مناسبات وطنية إجبارية!

علاوة على السيطرة التامة على صنعاء، ومحاولة تغييرها ومحيطها ديمغرافيا، وإعادة بناء نخبتها الإقتصادية بفئة طفيلية تابعة، تهرول المليشيا مسرعة على حين توهان اليمنيين لتشديد قبضتها وفرض هويتها الطائفية على الناس.

وهي إذ تفعل ذلك فإنها تندفع مخمورة بغطرسة وزهو المنتفش بدعاية "معركة البحر الأحمر" الإيرانية وبروبجندا "مساندة غزة" الوحيدة في مواجهة البطش الصهيوني.

يضاعف هذا التوحش الحوثي، طاولة التفاوض المجانية التي حصلت عليها من قائدة التحالف العربي لفرض شروطها!

وكما استخدمت الجماعة المليشياوية طيلة سنوات الحرب، ما أسمتها الدورات الثقافية لإعادة صياغة وعي الناس صغاراً وكباراً وهندستهتم وفقاً لأيديولوجيتها الطائفية، فعلت ذات الأمر في المخيمات الصيفية كما وظفت المعسكرات والدورات الحربية للتعبئة والحشد الطائفي.

لكن مناسبات دينية عامة أظهرت أن الوجه الحقيقي للمليشيا لم يسفر عن نفسه كاملاً بعد، فقد ضاقت بشعائر المختلفين معها كصلوات التراويح في رمضان حد مهاجمة المساجد بالسلاح كما حدث الشهر الماضي وأسالت الدماء في سبيل ذلك، ثم هاهي تذهب نحو فرض شعائرها الطائفية على مصليات العيد.

هناك ما يشبه الإذن الدولي والإقليمي لاستباحة اليمنيين المخالفين وفرض عقيدة المليشيا الحوثية ، تشجعها حالة الإستلاب التي آلت إليها أحوال البلاد وإذعان القادة للإملاءات الخارجية.

في ذروة هذه التراجيديا، تقف المليشيا وخلفها قصص "ملهمة" بالنسبة لها: تاريخ الأئمة الطويل في استلاب واستباحة المناطق المخالفة لهم طائفياً وتجربة تشييع السنة في إيران في العهد الصفوي ( مابين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر ) إذ كانوا أغلبية السكان.

رغم اختلاف السياقات والخصائص الديمغرافية والثقافية بين اليمن وإيران فضلاً عن الفروق الهائلة بين العصرين، لكن من سوء حظ اليمنيين أن إيران في حالتها الصفوية طائفياً أصبحت طليقة اليد في البلدان العربية، دولياً.

وهي من يقف خلف الحوثي الآن، كما أن الحوثي أصبح إيرانياً أكثر من أي وقت مضى، وصار المحيط العربي أكثر هشاشة وربما أكثر قابلية للتسليم لإيران .. وقبلها لإسرائيل !

*نقلاً عن موقع قناة بلقيس

مقالات الكاتب