في قاعة حقات باعوا وبايعوا وباركوا وبركوا

القرار الذي اتخذه عدد من النشطاء والسياسيين الجنوبيين في قاعة فلسطين بالعاصمة عدن يوم الاثنين 24أغسطس الجاري, والقاضي بالموافقة على دمج المقاومة الجنوبية ضمن الجيش اليمني المسمى بالجيش الوطني قرار بحاجة الى توضيح من قبل متخذيه حتى لا يساء فهمهم بانهم وضعوا سيفين في غمد واحد, كونه قرارا يحمل في طيه الكثير من الغرابة والحيرة والريبة معا سيما وانه قد أتى باسم كل الجنوب وليس بأسماء شخوص الحضور الكريمة.

 

وجه الدهشة الأكبر في هذا القرار ليس الجانب العسكري منه, فقد يقول اصحاب هذه القرار انه قرارا تكتيكيا فرضته الضرورة و أملته الحاجة والظروف التي يعيشها الجنوب أو انه قرارا مؤقتا الى ان يقوى عود الجنوب وتصلب شكيمته ويستطيع ان يقف على قدميه. لكن تيار الاستغراب الذي يصعق المتابع لهذا القرار انه لم يأتِ من قبل قيادات عسكرية منخرطة بالثورة الجنوبية حتى نقول ان لهذا القرار ما يبرره وانه قرارا عسكريا محض أتُـخذ بمعزلٍ عن القرار السياسي المصيري دون ان يشرعن لوضع احتلالي جديد,لكن ان يتبنى هذا القرار ساسة ورموز سياسية جنوبية بارزة في مضمار الثورة الجنوبية , فهذا يعطي القرار بُـعداً سياسيا وتنازل سياسي معيب يثبت بكل أسى ومرارة اننا لم نزل نراوح مرحلة العدمية ومربع فقدان الوزن السياسي, لأن مثل هكذا قرار لن يفهمه العالم إلا انه قبولا جنوبيا صريحا بالانخراط باليمن الاتحادي الجديد الذي يتشكل اليوم, ويظهؤ المجتمعين بقاعة حقات على انهم في مراسيم مبايعة لقوى الاحتلال الجديد وبيع الجنوب في بازار السياسة والدساسة, وتقديم ولاء الطاعة على مذبح الشرعية الدستورية اليمنية وقبولا لا لبس فيه بترتيبات الأقلمة القادمة التي يتم التهيئة لها سواء من صنعاء أو من خارج الحدود بمشاركة معظم القوى اليمنية بمن فيها علي عبدالله صالح وربما الحوثيين أيضا ناهيك عن الاصلاح وقوى الاحتلال الأخرى. فكان حريا بهؤلاء المجتمعين خلسة بقاعة فلسطين- وهي بالمناسبة القاعة التي أقيم فيها مساء 22مايو1990م حفل إعلان الوحدة الاندماجية-.

 

ان يعهدوا بخطوة الدمج الجديدة تلك لقيادات عسكرية بحتة يرافقها ممثلين عن المقاومة الجنوبية حتى لا تظهر الخطوة بشكل تنازل سياسي مجاني للخصوم وخصوصا في هذه المرحلة المفصلية التي تعتبر فيها المعركة السياسية أكثر حساسية وأشد ضراوة من المعركة العسكرية وحتى لا يبدو هؤلاء المتهالكون على موائد الشرعية اليمنية في قاعة حقات كالتي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا وهم يباركون خطوة الدمج ويبركون على عتبات الاحتلال ويصغرون على أبوابه, فضلا عن ظهورهم من خلال هذا القرار وكأنهم يكشفون كل أوراقهم على الطاولة من الدقيقة الاولى للعبة, ويتنازلون طواعية عن أهم أهدافهم والاحتفاء والبهجة العارمة التي ظهرت بها وسائل الإعلام اليمينة حيال ذلك القرار يثبت صدق ما نقوله, فالأشياء تعرف بأضدادها ان تاهت على الواحد منا بوصلته الوطنية وتشابكت عليه ألوان السياسية. ومع ذلك دعونا نعتبر هذه الخطوة من باب التكتيك,- ومسكينة كلمة (التكتيك) كم من جرائم بيع وشراء تتم باسمها في سوق نخاسة الاوطان-.

 

نقول دعونا نعتبرها خطوة تكتيكية الى ان يتضح الخيط الأبيض من الأسود من هذه العتمة المدلهمة التي نحن فيها, ونحسن الظن بالجميع, مع ان الأمر يبلغ مداه من التناقض بين القول والفعل. (ان البلاء موكلٌ بالمنطقِ) كما قالت العرب, ففي الوقت الذي نقول فيه اننا تحررنا من الاحتلال اليمني نعلن في الوقت نفسه انخراطنا ضمن جيشه وقواته الأمنية!. وفي الوقت الذي نعلن عن خروج آخر جندي يمني قبل أسابيع من حاضرة الجنوب عدن نرى البعض من الجنوبيين يتحرقون شوقا لليوم الذي سوف تصل فيه الحكومة اليمنية الى عاصمة الجنوب ليكون الموقف بالأحضان, وهذه الحكومة لمن قد تشوشت عليه الرؤية هي حكومة الدولة التي تحررنا منها أو المفترض اننا قد تحررنا منها.!!

 

أعدل الشهود التجارب , فتلاشي الخط الفاصل بين مهام السياسي و مهام الثائر هي المأساة التي أوصلت الجنوب منذ عام 1967م الى هذا الوضع الكارثي., فالثائر العسكري كما عودنا عليه التاريخ المعاصر هو بتاع كله, فهو بطل الحرب وصانع السلام, هو الثورة والدولة ,هو نفسه الذي يتخذ التكتيك العسكري يتخذ التكتيك السياسي, فالمشهد بكل تقاسميه القاسية سيعيد نفسه اليوم وسيظل الجنوبيون على الهامش أشبه ببقر الجنة لا رماحة ولا نطاحة ان لم يسترشدوا بالعقل ويتسلحوا بالتجارب.

 

نعود الى موضوعنا الرئيس في هذه التناولة وهو وجهة نظرنا المتحفظة على قرار المجتمعين بقاعة فلسطين بالعاصمة عدن بالموافقة على إدماج المقاومة الجنوبية بالجيش اليمني المسمى بالوطني. فهذا التحفظ لدينا نابع من استشعارنا بخطورة القرارات المرتجلة التي يتخذها البعض على طريقة الوجبات السريعة (تيك أوي), ومنها قرار حقات ,مصحوبة بهذا التساؤلات:

 

-من يستطيع ان ينكر حقيقة ان القرار الجمهوري الذي أعلنه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بإنشاء الجيش الوطني هو قرار يخص الجيش اليمني بمن فيه الجيش الذي أمعن بالجنوبيين قتلا وتنكيلا طلية ربع قرن من الزمن, وسفك قبل ايام دماء أهلنا في دار سعد والضالع وأبين ومكيراس وسيئون ؟.

 

-ثم من يستطيع ان ينكر ان اللجان الشعبية التي قرر هادي دمجها بذلك الجيش المزمع تجميعه قصد بها اللجان الشعبية اليمنية ولم يقل المقاومة الجنوبية بل لم يذكرها أصلا, وهذا يعني فيما يعنيه ان الشمال بمن فيه جيش علي عبدالله صالح وجماعة الحوثيين وقوات حزب الاصلاح وكل شركاء حرب 2015م و1994م سيكونون ضمن قوامه ان ارادوا, فالقرار لم يغلق الباب أمام أحد ولم يستثن أحد, بل أنه توسل الجميع الانخراط فيه ؟. وبالمجمل نقول ان الضابط الجنوبي الذي قبل بالانخراط بذلك الجيش اليمني لا يمتلك الحق في الاعتراض ان وجد نفسه واقفا بالطابور الصباحي جنبا الى جنب مع العميد ضبعان أو العميد قيران, فالكل وفقا لقرار انشاء ذلك الجيش أبناء وطن واحد وجيش واحد.!

 

- وماذا لو أتى الشيخ حمود المخلافي بجيش مقاومة جرار أوله بالعند وآخر بالجحملية ليضمهم الى جيش هادي الوطني, من ذا من الجنوبيين يقدر ان يمنعه وخصوصا الجنوبيين الموافقين على عملية الدمج؟, فأبواب ذلك الجيش مشرعة امام كل اليمنيين, ومصارعه مفتوحة للكل؟ وبالتالي فمن يقبل من الجنوبيين بعملية الدمج والذوبان في اطار ذلك الجيش عليه ان لا يفتح فمه ببنت شفة حيال الكثافة العددية التي سيعمد إليها الشمال كما دأب دوما حينما يتعلق الأمر بمعادلة الجنوب والشمال والمواقف المصيرية.

 

جيش يقف على رأسه اللواء المقدشي هو جيش احتلال بثوب جديد وبحيلة فريدة ,فمن السخف والخزي ان ينضوي تحته جنوبي شريف يؤمن بقضية شعبه ويتحدث عن الاستقلال وعن دماء الشهداء. وقوات أمنية يقودها اللص الشهير اللواء الحذيفي الذي امتص ثروات عدن حتى جعلها عجوزا شمطاء هي قوات نهب وقتل أمني مركزي جديد يتم سمكرتها بطريقة مخملية وطلاؤها بلون وحدوي جديد يسر الناظرين للنفاذ من خلالها الى طروادة الجنوب (عدن) !.

 

فمن المهين للجنوب بعد كل هذه التضحيات وبعد كل هذا المشاور النضالي المرير ان يحتشد البعض الى قاعة مغلقة ليعلنوا باسم كل الجنوب ولو بطريقة غير مباشرة عن وحدة اندماجية جديدة مع اليمن, وحدة دمج جديدة للمرة الثانية وكأن تجارب الماضي ذرتها رياح الخماسين. مع ثقتي ان الاغلبية ممن حضروا كان من باب الحرص على الجنوب ومستقبله أو على طريقة ( مع الخيل يا شقرا) ببراءة الاطفال دون ان يعلموا بهذا الفخ الخطير الذي نسج لهم على غفلة ومن على بُــعد, ولولا معرفتي بوطنية واخلاص الكثير منهم لظننتُ بهم ظن السوء.

مقالات الكاتب