"أنصار الله" وفائض القوة

ما من شك أن جماعة أنصار الله، التي جرى التعارف على تسمية أنصارها وناشطيها  بـ"الحوثيين" تمثل قوة فتية صاعدة لا يمكن تجاهل ما قد تشغله من مكانة في مستقبل الحياة السياسية اليمنية، وقد اكتسبت الجماعة قوتها وفتوتها من عدة عوامل لعل أهمها، المظلومية التاريخية التي تعرضت لها على يد نظام علي عبد الله صالح، والتي تجلت في أبشع صورها، في الطريقة غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي جرت بها تصفية المؤسس حسين بدر الدين الحوثي وما تلى ذلك  من حروب أدت إلى ما أدت إليه من دمار نفسي ومعنوي ومادي في مناطق الحروب، وما أنتجته من مشكلات اجتماعية وإنسانية ومعيشية ليس هذا مجال حصرها, كما أن العامل الثاني لفتوة وقوة الحركة الحوثية هو نجاحها في تقديم نفسها كحركة تدعو إلى الحق وتحارب الظلم والفساد وتستقطب على هذا الأساس كل الطامحين نحو مجتمع أقل ظلما وفسادا وأكثر نزاهة وعدلا وأمنا.

*       *     *

عند ما بدأت كتابة هذه الموضوع لم يكن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء قد قدما استقالتيهما، وهو جزء من التطور الدراماتيكي للأحداث لم يكن مستبعدا، لكنه جاء ليؤكد أن البلد يذهب نحو الهاوية وأن مجاهيل الحياة السياسية اليمنية تزداد وتتشعب بعد أن غدت جماعة أنصار الله وفائض قوتها هما المتحكمان في كل ما تنتجه السياسة في اليمن.

*     *     *

تنامي الحركة الحوثية وازدياد قوتها خلق لديها فائض قوة لم تتقن توظيفه للحفاظ الصورة التي أرادت تقديم نفسها عبرها على إنها داعية الحق والعدل والدولة المدنية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وكان السلوك الذي ظهر به أنصار الحركة الحوثية وقياداتها سلوكا مملوء بالغرور والهمجية والتعالي واحتقار الفكر والحوار والعقل، فقد تجلى في سلوك أكثر أبرز القادة الحوثيين اعتمادا واضحا على القوة والإكراه وعدم الميل إلى المناقشة وتسويق الفكرة وحشد الناس للاقتناع بها وبالتالي الذهاب إلى إقناع السياسيين بأنها تعبر عن السواد الأعظم من السكان، على الأقل في مناطق النفوذ الحوثي، بل لقد صدق الحوثيون أنفسهم بأن أحداث 21 سبتمبر هي ثورة شعبية وهم يعلمون أنها كذبة كبيرة تخفي وراءها تعاون وثيق بين الحوثيين ونظام علي عبد الله صالح، فأي ثورة تلك التي يكون المخططون لها والمنفذون لها هم القتلة والمجرمون والمهربون وناهبو الثروات والأموال العامة، ممن لم يتركوا السلطة (ولو مؤقتا) ألا بعد انتزاع حصانة أبدية تحميهم من المحاسبة على كل ما ارتكبوه من جرائم في حق اليمن واليمنيين، . . إنها قد تكون ثورة لكنها ليست سوى ثورة مضادة، أتت للانتقام من ثورة الشباب السلمية في العام 2011م، التي أزاحت الطاغية علي عبد الله صالح من الحكم، وهو اليوم (على الأقل حتى اللحظة) الحليف القوي للحركة الحوثية.

وبالعودة إلى فائض القوة الحوثية فقد أساء الحوثيون استخدام هذا الفائض وقدموا أنفسهم عبره ليس على إنهم حركة سياسية ذات مشروع وفكرة تحظى باحترام، . . ، فكرة يمتلكون الثقة بأنها ستكون مقبولة من الشعب وقواه السياسية الحية، ولذلك لجأوا إلى فرض مشاريعهم بالقوة والإكراه.

لم يكن اختطاف مدير مكتب رئيس الجمهورية يعبر عن تصرف سياسي بل كان عمل تقوم به عصابة مسلحة تتمتع بالقوة الفائضة لتفرض بواسطتها مواقف سياسية لم يقبلها منها الآخرون بالإقناع والحوار، ومثل ذلك محاصرة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وما يعمله أنصار الحوثيين اليوم من محاصرة منازل الوزراء وفرض الإقامة الإجبارية عليهم وربما اختطاف البعض وإخفاء البعض ولا سمح الله تصفية البعض.

*      *       *

استقالة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كانت عبارة عن تحصيل حاصل بل إن الكثير من المحللين كانوا يتوقعون هذه الاستقالة منذ وقت مبكر، نظرا لأنهما (الرئيس ورئيس الحكومة) أصبحا مجرد موظفين يفرض عليهما الحوثيون ما يشاءون، . . .لقد كان بإمكان الحوثيين أن يقدموا أنفسهم كقوة محترمة يتواضع قادتها في سلوكهم ويحترم أنصارها مشاعر الناس ويجسدون بالفعل ادعاءاتهم بأنهم تلاميذ الحسين وما يعبر عنه من رمزية للتواضع والعلم والمعرفة والورع والعدل والإيمان والتقوى والصدق، لكنهم قدموا أنفسهم بشكل مقرف ومقزز يجعل كل من يتعاطف معهم يشعر بالخجل من تعاطفه، وينفر من حولهم الآلاف ممن أيدوا مواقفهم السابقة قبل احتلالهم صنعاء، إنها صورة تسيء إلى الإمام الحسين والإمام علي رضي الله عنهما.

سنخسر الكثير من النشطاء الرائعين أمثال محمد المقالح وعلي البخيتي وعبد الكريم الخيواني وآخرين ممن بنوا مكانتهم بين الناس بسلوكهم وشجاعتهم ونقاء مواقفهم، وليس بتمسكهم بالوقوف إلى جانب الحوثيين الذي أخسرهم الكثير من هذه المكانة، وسيخسرون أكثر فأكثر إذا ما أصروا على الاستمرار في تأييد الحركة الحوثية بعد كل القبح الذي بدت عليه.

برقيات:

كان الكاتب عبد الناصر المودع يتهم الحزب الاشتراكي اليمني من على قناة الحدث بأنه مناصر للحركة الحوثية، عندما أذاعت القناة في نبأ عاجل محاصرة الحوثيين لمنزل د محمد المخلافي وزير الشؤون القانونية في الحكومة المستقيلة، نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي، وكان هذا ردا كافيا على افتراءات وأكاذيب وفبركات السيد المودع الذي يصر على أن لا يقول حقيقة واحدة إلا ويرفق بها عشرات الأكاذيب والتلفيقات.

قال الشاعر

قالوا  ألا  تصف  الكريم  لنا؟ فقلت  على  البديهْ:     إنّ  الكريم  لكالربيع، تحبّهُ  للحسن  فــــيهْ

وتهشّ  عند لقائه، ويغـــــــــــيب  عنك  فتشتهيهْ     لا يرتضي  أبدا لصاحبهِ  الذي لا يرتــضيهْ

و إذا اللّـــــــــــــــيالي  ساعفته لا يدلّ  ولا يتيهْ     وتراه  يبسم  هازئا في  غمرة  الخطب  الكريهْ

و إذا تحرّق  حاســــدوه  بكى  ورقّ  لحاسديهْ     كالورد ينفحُ  بالشّذى  حتّى  أنوف  لسارقـــــيهْ

مقالات الكاتب