الاصلاح واسئلة المصير

سيحتاج التجمع اليمني للإصلاح إلى فترة طويلة ليعيد النظر في أثر "مفاخره" الحزبية على الوحدة الوطنية في اليمن الشمالي واليمن عموما.

يصعب، انسانيا واخلاقيا، مطالبة الإصلاح بمراجعة فورية لمقولاته ومسلماته المتعلقة بسلوكه السياسي خلال العقودالاخيرة. الانكشاف السياسي والانحسار الوطني لهذا الجزب من الخارطة الوطينة (الوطنية بالبداهة) يجعل من التزيد والتشفي "غلافا" لأي مطالب له بالمراجعة أو التراجع، بالنقد وبالتمحيص، بالتشكك في تماسك مقولاته الطائفية والوطنية من شاكلة أنه "وطد الوحدة الوطنية بنشره مذهب "السنة" في المنماطق القبلية الزيدية!

تثير الجماعات الاسلامية المنخرطة في السياسة اشكالات على مستوى التحليل السياسي، حيث تتداخل الأدوار في سلوكها بين الديني (والثقافي بما هو حق فردي أو جماعوي) والسياسي بما هي جماعات سياسية في الصميم مهما تدثرت بالدين.

الإصلاح في ذكرى تأسيسه ال24 يواجه لأول مرة بشكل جدي و"حال" اسئلة المصير. فالحزب ذو السطوة والحظوة والتأثير والنفوذ التقليدي، الحزب الذي تأسس (اسميا) في ذروة الموجة الاسلامية في العالم العربي، الحزب الذي مثل رديفا لنظام صالح بدءا من مطلع التسعينات بعدما كان جهازه التعبوي والايديولوجي طيلة الثمانينات، الحزب الكبير الذي تترصع واجهته بكرادلة من كل صنف، يعيش راهنا مأزقه الوجودي، ويجد نفسه يقتفي أثر حلفائه في المشترك في المناطق الشمالية.

هكذا تتأكد حقيقة موضوعية متعلقة بالنشاط الحزبي اليمني منذ انتخابات 93 وما تلاها من حرب دمرت فرص نمو النشاط السياسي في اليمني على حساب المذهبيات والمناطقيات.

بكلمة أخرى، فالاصلاح الذي بدأ ينحسر من مناطق القبيلة الزيدية بفعل ميكانيزمات "حزب السلطة" السابق الذي صار الممثل الأول للقوى التقليدية المتحالفة مع نظام صالح، ينكشف كليا هذه الأيام بفعل جاذبية حركة إحياء الزيدية لمواجهة قصور "الوطنية اليمنية" في تغطية مناطق يمنية عديدة تجد نفسها_ بفعل سياسات الإحلال في العاصمة_ في مواجهة مفتعلة مع "الوطنية" و"السياسة" وخارج أي تصور للاندماج الوطني من قبل النخب الحزبية والسياسية اليمنية.

يواجه الإصلاح (بمشايخه وجنرالاته الشماليين) حالة غضب (لا ريب في هذا) تأخذ أبعادا عصبوية ووجودية. لقد فقد الإصلاح مبررات انتشاره في الشمال لأنها مبررات ارتبطت بسلطة صالح وبسياق المواجهة مع الحركات اليسارية والقومية في المناطق الزيدية.

ما عاد هناك منافسين انتخابيين بل منافسون وجوديون! والعلاقة بين الإصلاح (المنذر لتغيير المعادلةالمذهبية كما تصور) والحوثيون هي علاقة صفرية، علاقة احلالية كما نلحظ في عديد المنماطق الشمالية التي سيطر عليها الحوثيون خلال العام الأخير.

لماذا؟

لأن الجماعتين تتشابهان في الادوار على ما بينهما من تناقضات حادة، وبصرف النظر عن تصوراتهما لنفسيهما.

كلاهما جماعة فوق حزبية، دون وطنية، مشبعة بالايديولوجية، ومرتبطة بحركات عابرة للقوميات وللوطنيات.

غير أن من الواجب الاستدراك هنا بأن الحوثية في معناها العميق، هي امتداد طبيعي للاصلاح بقدر ما هي رد على تكتيكاته الخرقاء في العاصمة والشمال عموما.

***

يتفذلك الاصلاحيون إذ يقدمون انفسهم باعتبارهم جماعة سياسية مدنية بالقياس الى دينوية الحوثيين وعصبويتهم. ويجهدون عبثا من أجل استدعاء السلفيين كمقابل موضوعي للحوثيين، وبالتالي "داعش"بما هي التعبير المسلح عن السلفية. لكن حسابات السياسة لا توفر غطاء شاملا لهذه المحاولة، فالحقيقة هي في دور هذه الجماعة أو تلك في السياق الاجتماعي وليس ما تقوله عن نفسها.

خلال العقود الأخيرة جثم الاصلاحيون على مناطق الشمال باعتبارهم الأداة السياسية الوحيدة المسموح لها بتسييس ابناء الشمال الزيدي. كان الاخوان المسلمون بمثابة "شيوعيو اسرائيل" في خمسينات وستينات القرن العشرين، الذي كانوا الممر الوحيد المتاح لعرب فلسطين المحتلة للولوج الى السياسة. هكذا فإن ما يراه الاصلاح مآثرة حزبية ومفخرة وطنية لا يعدو كونه ترتيبا تسلطيا بالتفاهم مع صالح والسعودية للسيطرة على الشمال في سياق دور "الدولة الحاجز" الذي تقرر لدولة اليمن الشمالي في السبعينات والثمانينات.

كان الإصلاح جزء من مخطط اقليمي متعلق بقواعد الحرب الباردة في الجظيرة العربية والخليج. لا يبرر هذا القول أي مسعى لنزع اي فضل للإصلاح في الاندماج الوطني في حال صحت فرضية كهذه!

على أن الاحزاب لا تعيد تعريف السكان مذهبيا بقدر ما تنشر قيما سياسية عصرية بينهم. ومشكلة الاصلاحيين في اليمن أنهم لا يريدون التدقيق في احكام ومسلمات متصلة بمحاولتهم هندسة السكان لصالح المذهب لا السياسة.

***

هذه أفكار سريعة اعرضها هنا لغرض المساعدة ( عصف ذهني ان شئتم!) في فهم ما يجري في اليمن في السنوات الأخيرة (منذ عقد على الأقل)، وتحفيز نقاشات تضع الظاهرة الحوثية في سياق وطني موضوعي، سياسي واجتماعي وهوياتي، بدلا من التحليق وراء نظريات مؤامرة أو القعود عن التحليل المتوقد والخلاق والابداعي، بذريعة أن هناك مطامع فارسية في اليمن، وكفى!

من صفحة الكاتب على فيس بك

مقالات الكاتب