26سبتمبر.. يوم الحرية والكرامة

في صباح يوم السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، انبلج فجرٌ جديد على اليمن، فجرٌ أضاء الطريق نحو الحرية والكرامة، وكسر قيود الماضي المظلم الذي جثم على صدور اليمنيين لقرون طويلة؛ لهذا سبتمبر ليس مجرد شهرٍ يمر في تقويم الأيام، بل هو ذكرى خالدة ونبضٌ متجدد في قلب كل يمني، ولم تكن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر مجرد حدث عسكري، بل كانت انتفاضة شاملة ضد الجهل والتخلف والاستبداد، وانتصارًا لإرادة شعبٍ آمن بحقه في الحياة والحرية.

لقد عاش اليمنيون تحت حكمٍ كهنوتيٍ استبداديٍ أطفأ أنوار العلم، وأغلق الأبواب أمام التطور، وحرم الأجيال من أبسط حقوقها. لكن ثورة سبتمبر جاءت لتُعلن نهاية هذا العهد، وتُطلق شرارة التغيير التي طال انتظارها، وبها فتحت الثورة المدارس للجميع، فخرجت من عتمة الكهوف إلى نور العلم، ومن عزلة الماضي إلى رحابة الحاضر. كما منحت المرأة مكانتها، وأعادت للعمال والفلاحين كرامتهم، وجعلت الوطن ملكًا لكل أبنائه، لا حكرًا على سلالة أو فئة.

لم يكن طريق الثورة مفروشًا بالورود، لقد واجهت تحديات كبيرة، ولكن الشعب اليمني تمسك بمكاسبها. فكل جيلٍ كان يدرك أن الحفاظ على الجمهورية لا يقل أهمية عن إشعال شرارتها الأولى. لقد أثبتت الثورة أن الشعوب قد تتعثر، لكنها لا تموت، وأن إرادة الحياة أقوى من كل محاولات القهر والاستبداد.

واليوم، ونحن نستحضر ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر، لا نحتفل فقط بماضٍ مجيد، بل نجدد عهدنا بالتمسك بمبادئ الثورة. فالحرية والجمهورية ما زالتا بحاجة إلى من يحميهما، والأعداء الذين حاولوا بالأمس إعادة اليمن إلى عصور الظلام ما زالوا يتربصون به اليوم. لكن الشعب الذي أسقطهم بالأمس قادرٌ على أن يواجههم اليوم. لأن هذا اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل هو قدرٌ خالد، وبوصلةٌ تُوجه خطى اليمنيين نحو مستقبلٍ مشرق.

إن إحياء ذكرى الثورة هو عهدٌ متجدد بأن تظل الجمهورية راسخة، وأن يبقى اليمن وطنًا لكل أبنائه، لا مزرعة لسلالة ولا غنيمة لمتسلط. إنها ذكرى تُعلمنا أن كرامة الأمة مرهونة بوعيها وتمسكها بمكتسباتها. فسبتمبر لم يكن بداية النهاية للطغيان فقط، بل كان بداية لغدٍ أفضل، يرى فيه أبناء اليمن أنفسهم أحرارًا وكرماء في وطنٍ تسوده العدالة والمساواة.

مقالات الكاتب