إسرائيل دولة بلا حدود ومشروع هيمنة.. وهكذا نوقفه!

رغم التفوق الإسرائيلي العسكري والدعم الأميركي اللامحدود، لا تزال إمكانية كسر الهيمنة الإسرائيلية قائمة، لكن بشرط أن نفهم قواعد اللعبة كما هي: بلا أوهام، وبلا عواطف وبلا مواقف مسبقة ؛ السياسة متحركة وكذلك المصالح .

رغم نزعة النظام السوري الجديد في دمشق للحياد الإيجابي ، ورغم جنوحه إلى السلام . فان إسرائيل نتنياهو لم تتركه في حاله. لماذا ؟! انها تقصف دمشق لأنها لا تقبل بحياد قوي، ولا بسيادة ولو جزئية، ولا حتى بسلام متكافئ.

ما تريده اسرائل هو: سوريا بلا قرار ، وجيش بلا أنياب ، ونظام خاضع بالكامل أمنيًا وسياسيًا. وعاصمة تُقصف كلما نسيت موقعها في الخارطة الاسرائيلية المتوخاة او المراد فرضها.

وهذا ليس تناقضاً… بل خطة متكاملة لإنتاج نموذج دولة عربية هشة يمكن استنساخها في المنطقة كلها تحت القيادة الاسرائيلية. دولة تلو دولة.

هذا كله بسبب الخلل في موازين القوى الاقليمية ..!

واقعياً إسرائيل لا تتصرف كدولة تبحث عن السلام، بل كقوة إقليمية عدوانية تستثمر في الفوضى ، وتراهن على التفوق والقوة الصلبة. ومتى ما شعرت بفراغ في الجغرافيا أو ضعف مادي ، أو تشتت سياسي عربي، تندفع أكثر بلا رادع. لذلك، الرد يجب أن يكون من ذات المنصة: توازن قوى واقعي لا يعرف المجاملة، ولا يراهن على نوايا. 

لا تُردع إسرائيل إلا إذا أيقنت أن هناك قدرة فعلية على إلحاق الأذى بها في حال تجاوزت خطوط حمراء معينة. هذا لا يعني بالضرورة امتلاك سلاح نووي أو الدخول في مواجهة مباشرة مثلما تفعل ايران . بل بناء منظومات صاروخية دقيقة، وتعزيز القدرات الدفاعية، وخلق محور ردع إقليمي لا يخضع للأجندة الأمريكية والغربية. بل ينسج التحالفات الذكية حتى ولو مع خصوم سابقين كإيران أو تركيا فهي تحالفات الضرورة الإستراتيجية ضمن منطق المصالح لا العواطف. واستكمال هذا مع تطوير شراكات دولية يبنى عليها مستقبلاً في ظل تراجع المصداقية الأمريكية ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم كله ، مثلما هو ينسج الان مع الصين وروسيا.

ولا ينسى قبل ذلك كله: جبهة داخلية متماسكة ، محصنة، ومستقرة، لا تهتز مع أي أزمة، لأن إسرائيل تستثمر دائماً في الانقسام الداخلي وفي الطائفية وفي الانهيار الاقتصادي والتمزق الاجتماعي . 

وفي ظل صعود الحروب الرمادية فإن الواقعية السياسية تبيح استخدام أدوات غير تقليدية ضمن القوة الذكية. لكن كل هذا وحده غير كافٍ. 

النظرية السياسية البنائية تكشف أن قوة إسرائيل الحقيقية لا تكمن فقط في سلاحها، بل في صورتها وروايتها الكبرى : دولة “ديمقراطية”، “صديقة للغرب”، “مظلومة تاريخياً ”. لذلك، لابد من قلب الطاولة فكرياً: كشف زيف الخطاب الإسرائيلي ، وفضح ازدواجيته الأخلاقية، وتفكيك سرديته داخل المجتمع العربي والدولي. هنا يصبح الإعلام والثقافة والهوية أدوات لا تقل خطورة عن الصواريخ والطائرات. المطلوب ليس فقط الرد على إسرائيل عسكرياً، بل نزع الشرعية عنها، وزرع الشك في صورتها حتى داخل مجتمعها المنقسم أصلاً بين ديني وعلماني، بين شرقي وغربي، بين صهيوني معتدل ومتطرف تلمودي. 

 إن الهويات تُصنع ولا تُورّث، وأن شعوباً مهزومة الوعي لن تنتصر مهما امتلكت من سلاح، بينما شعوباً واعية لهويتها وقدرها ومشروعها، قد تهزم أعتى قوة. 

لذلك، المعركة اليوم هي معركة مزدوجة: على الأرض بالقوة الصلبة والموقف القوي، وفي العقول بالرؤية والمعنى والوعي . إسرائيل لن تتراجع طوعاً، ولن تتنازل من تلقاء نفسها. لابد من فرض التراجع عليها واقعياً عبر ميزان قوى جديد ( اقليمي ودولي). وعبر خلق جبهة مقاومة فكرية تعيد للشعب العربي إيمانه بقضيته وحقه في الندية. إنها معركة لا تُخاض في الخنادق فقط، بل في كل مساحة تحمل قيمة وفكرة وهوية وموقف.

مقالات الكاتب