الفعل المقاوم بين "نموذجين"
في الذاكرة الوطنية، عبدالرقيب عبدالوهاب، فرد مقاتل، لكنه لم يكن وحيداً، قاتل معه زملاؤه وأفراده مدافعين عن صنعاء وقبل ذلك عن الثورة والجمهورية والدولة ككيان ومؤسسة وليدة، كما كانت في إسنادهم جموع في مدن ومناطق أخرى، احتشدت في المعركة حتى الانتصار.
إلا إن الملاحظ في هذا النموذج بأن النزعة المقاومة لعبدالوهاب ومن معه، كانت في تصاعد، متخطية كل الحواجز والموانع التي وضعت أمامها، لم تكن فرداً أو أفراداً قلائل، بل جموعاً هادرة، فاستمرت وحققت ما سعت إليه، وإن تركت في لحظة ما، مكشوفة سياسياً وعسكرياً بلا حليف أو داعم إلا إن النصر كان في الأخير هو حليفها، مع أن ذلك النصر لم يشفع لها حتى، فكان الخذلان لها والإبعاد فيما بعد، من الصف القريب منها أولاً، حتى قبل الآخر الذي كان مصطفاً مع الطرف المعادي.
أما #صالح_حنتوس كنموذج جديد، وهو الشيخ والمعلم والمدني، لكنه وجد له اليوم مكاناً بشكل أو بآخر في الذاكرة الوطنية، كفرد مقاوم وبطل، تغلب على أدوات القهر، المتمثلة هنا بمليشيا الحوثي، وقبله كان الشاب المكحل في محافظة إب، في نموذج مماثل ومقارب، وإن اختلف معه من خلال وسائل التثوير والمقاومة.
ففي حالتي الرجلين في "ريمة وإب"، نرى أن المقاومة أخذت منحنى آخر، بعد أن كانت جموعاً، تشكلت باكراً في العام 2015 بمحافظات عدن وتعز ومأرب لتتراجع بعدها إلى مكونات قبلية أقل، في البيضاء وعتمة بذمار وصولاً إلى حجور بحجة، ثم كتب لها أن تتوقف، بسبب عوامل عدة، محلية وإقليمية ودولية، أي أنها أصبحت فردية، ورغم أن المستبد يسارع إلى قمعها، قبل أن تستفحل كما يعتقد، في حين أنها غدت تقود المشهد وتتخطى الأمكنة، ونستطيع أن نقول إنها عملت أو تعمل على أن يسعى كل فرد أو يبحث عن وضعه، أو يكتشف إمكانياته وما الذي يمكن أن يعمله ليتخلص من واقعه ووضعه المزري.
صحيح، أن من يراقب المشهد، قبل بروز أي فعل مقاوم، سيقول إنه راكد وهادئ، إلاّ إنه كامن، لذلك سمح ببروز النزعات الفردية، التي تكون في المناطق المقهورة لها حدة ووقع أكبر، وهو ما يعطي دلالة، أن المجتمع المقهور هنا، قد تخطى حاجز الخوف وما يفتقده هو الإسناد، كما له دلالة أخرى أكثر وضوحاً، أن ذلك المجتمع، صغر أو كبر، سينفجر بوجه المستبد في أية لحظة، بل إنه سيعمل بعد أن كان مقهوراً محاصراً مكبلاً، على تقرير مآلات القادم، وسيأتي اليوم الذي سنتذكر فيه أنّ من أشعل أوار كل ذلك، رجال، كحنتوس والمكحل.