
الأغاني الثورية.. سلاح أيقظ الروح الثورية وهزم الإمامة والاستعمار
لم تكن الثورة اليمنية 26 سبتمبر في شمال الوطن و14 أكتوبر في جنوبه مجرد تحولات سياسية أو عسكرية أو شعبية، وإنما كانت ثورة تحول جذري غذّتها قلوب الأحرار وساندتها أصوات الفن والإبداع، ففيما يخص دور الأغنية في تشكيل الوعي الثوري تحولت الأغنية الثورية إلى سلاحٍ مؤثرا كالبندقية، إذ اخترقت الأسماع وأيقظت الوعي الجمعي، لتصبح وقودًا للثوار وبوصلة للأمل، ومرآةً لآلامهم وتطلعاتهم، وصرخةً ضد الاستبداد والإمامة والاستعمار معًا.
فمن القاهرة إلى عدن وصنعاء، انطلقت الأصوات الحرة تحمل رسائل التحرر، فترددت ألحانها في الأحياء والجبال والسهول، لتعلن أن اليمنيين ماضون نحو فجرٍ جديد، إذ برزت أغنية “يا ظالم ليه هذا الظلم كله.. كم نايم في العالم صحا عقله” في أواخر الخمسينيات، من أثير إذاعة صوت العرب؛ للفنان العدني الكبير “إسكندر ثابت” وهي من كلمات والحان الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت؛ إبأن الحكم الكهنوتي للشطر الشمالي؛ والاحتلال الإنجليزي للشطر الجنوبي من الوطن.
لقد كان ثابت من الفنانين السباقين للأغاني الوطنية والذي غنى كثيرًا؛ وكان أحد الأصوات إلى جانب محمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم والذين أذنوا جميعهم لقيام ثورة 26 سبتمبر في صنعاء و14 أكتوبر في عدن والتي غسلت أدران الماضي بماء الخلاص؛ فيما كان لطفي أمان ومحمد سعيد جرادة والأستاذ عبده غانم وغيرهم قيثارة الشعر الثوري؛ حيث كانت حقبة الخمسينات بداية النهاية التي طوت صفحة الكهنوت في شمال الوطن وأيقظت الروح في عدن الذي فجر معه ثورة أكتوبر 1963م.
لم يذعن اليمني لبطش الإمام أحمد بعد فشل ثورة 1948م؛ التي أدت إلى مقتل أبيه؛ فطيلة 14 عامًا واصل الثوار اليمنيون النضال ضد الطاغية الإمام الإبن؛ حيث كانت الأغاني الثورية هي الوقود الذي تحركهم؛ وكانت هذه الأغاني وقودا للثورتين حيث ألفتها مسامعهم ورددتها ألسنتهم وكانت الروح التي يستمدون منها الإلهام.
وفي نهاية خمسينيات القرن الماضي؛ دوت في أذان اليمنيين في شطري اليمن الجنوبي والشمالي أغنية “صرخة المد التليد.. من فم الطود العنيد” لعملاق الأغنية العدنية أحمد بن أحمد قاسم (1938-1998) من على أثير إذاعة صوت العرب من القاهرة؛ تلك الأغنية التي ذاع صيتها في ذلك الحين والتي كان من غير الممكن إذاعتها من عدن وهي من كلمات العملاق لطفي أمان، ولم يقتصر الأمر على هذه الأغنية؛ فثمة أغاني أخرى ترنم بها أحمد قاسم.
ولم يكتف الفنان محمد مرشد ناجي (1929-2013) هو الأخر بالأغاني العاطفية؛ بل غنى للوطن كثيرا وكانت أغانيه بواريد؛ وهو الفنان والملحن وصوت اليمن الجميل؛ عزف الكثير من الأغاني السياسية والوطنية كما هو الحال وطاف بين العواصم العربية كنورس يشدو بصوته المعهود من صنعاء وبغداد وحلب والقدس وليبيا والمغرب في أغنية “يا بلادي كلما أبصرت (شمسان) الأبي.. شاهقا في كبرياء حرةٍ لم تُغلبِ” لعملاق الشعر اليمني لطفي أمان؛ وهي أحد الأغاني الثورية البارزة.
لقد كانت ولاتزال كلمات الشاعر العدني لطفي أمان نياشين في صدر الثورة والثوار؛ والتي ربطت بين شطري اليمن السبتمبري والأكتوبري بوثاق الحب؛ وحاكت له معطفًا يدثره من قسوة كانون الثاني.
في رائعته؛ يصدح الملهم؛ المرشدي “ياطير يارمادي” في مسامع اليمنيين والتي تضمنت: “أنا فدى السلال بكر ينادي.. من الحسن والبدر حرر بلادي”؛ والتي تتحدث عن دور الرئيس عبدالله السلال في تحرير اليمن من الأئمة؛ وترمي هذه الأغنية إلى التعلق الروحي بين الشمال والجنوب بثورتيه سبتمبر وأكتوبر كما يذهب إليه المؤرخ العدني “جبران شمسان”.
ويرجع جبران؛ من خلال “سبتمبر نت”، إلى الدور المصري بالثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر؛ ودوره في دعم الكفاح المسلح في شطري اليمن في ذلك الحين والذي يتمحور في دفع الرواتب والسلاح والتدريب إلى جانب التغطية الإعلامية وغيره.
وشكلت إذاعة صوت العرب من القاهرة من خلال التغطية الإعلامية رافدًا كبيرًا للثوار إلى جانب بث الأغاني الوطنية والتي كانت القشة التي قسمت ظهر بعير الإمامة والإنجليز معًا؛ حيث كانت الأغاني الوطنية سراط الثوار التي يسيرون في شفراتها وكانت فترة الخمسينات نقطة فارقة في جدائل التاريخ اليمني ونكل الثوار اليمنيين إزاءها بالاحتلالين المحلي والأجنبي والتي كانت إيذانًا بالتحرير وإشراق شمس الخلاص في سبتمبر 1962م؛ وأكتوبر 1963م وصولًا إلى الجلاء في 30 نوفمبر 1967م.
كان الفنان العدني “فرسان خليفة” هو الأخر من الفنانين الذين اشتهروا بالأغنية الوطنية شمالًا وجنوبًا؛ وغنى أحمد السنيدار للثوار كما غنى عن ثورة 14 أكتوبر في جنوب الوطن حينها؛ كما غنى الكثير من الفنانين إلى جانب السنيدار والحارثي والأنسي والسما.
حوت هذه الأغاني في مجملها على إذكاء الروح الوطني ومجدت الثورة وتطرقت للمظالم التي كان يعيشها اليمني في الشمال والجنوب وكيف أنه أن الأوان للتحرر من الحكم الإمامي البغيض والاستعمار الأجنبي.