اليمن «وطن غني بالموارد... فقير بالقيادة» المعادلة التي انتجها التحالف العربي في اليمن

عندما اعلن التحالف العربي بقيادة السعودية تدخله في اليمن عام 2015 كان الهدف المعلن واضحا ومشروعا وهو اسقاط الانقلاب واستعادة الدولة وتحرير صنعاء من المليشيات الحوثية لكن بعد مرور اكثر من عقد من الزمن تحولت تلك الاهداف الى واقع مغاير تماما قوامها الفوضى وتدهور الخدمات وتمزيق مؤسسات الدولة واضعاف الشرعية وتقوية المليشيات وتقسيم الجيش الى ولاءات متعددة بينما ضاع الولاء للوطن في زحمة الحسابات الضيقة والمصالح المتداخلة.

التحالف الذي جاء تحت شعار “إنقاذ اليمن” انتج واقعا اكثر ماساوية من الذي جاء ليعالجه فبدلا من ان يوحد الصف الوطني ساهم في تفكيكه عبر دعم قوى متصارعة على النفوذ داخل المناطق المحررة وتحويل بعض المحافظات الى ساحات تنافس اقليمي مفتوح تدار فيها الصراعات بالوكالة لا بالوطنية.

تحت هذه المعادلة تحولت الشرعية الى كيان هش بلا قرار مستقل واصبح المجلس الرئاسي وحكومات ما بعد الحرب رهينة التمويل والتوجيه الخارجي في ظل غياب رؤية وطنية واضحة لادارة الدولة او اعادة الاعمار او حتى ضبط الامن والخدمات، اما الشعب اليمني فقد دفع الثمن الاغلى ففي بلد يمتلك سبعة موانئ بحرية على شريط ساحلي يزيد عن 2500 كيلومتر واحتياطي نفطي يقدر بـ 3 مليارات برميل واحتياطي غاز يصل إلى 16 تريليون قدم مكعب ويحتل المرتبة الثالثة عربيا في انتاج الغاز المسال وثروة سمكية تضم أكثر من 450 نوعا بحريا و 186 جزيرة ذات موقع استراتيجي واراضي زراعية خصبة تغذيها أمطار موسمية غزيرة وثروة بشرية شبابية تمثل ثلاثة أرباع السكان وتاريخ عريق وحضارة ضاربة في القدم...

رغم كل ذلك ونتيجة الحرب وماترتب على ذلك صنفت اليمن من افقر دول العالم واصبح شعبها يعيش بلا خدمات ولا كهرباء ولا مياه ولا مرتبات ومشتقات نفطية من اغلى الاسعار ولا امل في غد قريب.

لقد تحولت الحرب من مشروع تحرير إلى مشروع ادارة فوضى ومن شعار “عاصفة الحزم” إلى واقع عاصفة الانقسام فالمليشيات ازدادت قوة وتنظيما بينما الجيش الوطني تفتت إلى تشكيلات مناطقية ومليشياوية والتحالف الذي رفع راية استعادة الدولة بات اليوم شريكا بوعي او دون وعي في تفكيكها واضعافها وكان التحالف قد رسم اهدافا سياسية اخرى غير هدف استعادة الدولة وتحرير صنعاء.

ان ما حدث ويحدث في اليمن هو فشل جماعي تتحمل مسؤوليته جميع الأطراف محلية وإقليمية لكنه ايضا صرخة إنذار بان استمرار هذا النهج يعني ضياع ما تبقى من وطن وانزلاق اليمن نحو نموذج الدول المنهارة تماما ولعل اول الطريق نحو التصحيح يبدا بالاعتراف ان الحل لا ياتي من الخارج بل من الداخل من إرادة يمنية حقيقية لا تخضع لوصاية ولا تنقاد لتمويل بل تعمل لاستعادة الدولة ومؤسساتها على اسس وطنية خالصة.

فاليمن شمالا وجنوبا بكل ما يمتلكه من ثروات وموقع وتاريخ وشعب حي ليس فقيرا بطبيعته بل بفعل سياسات الفساد والتبعية والصراع على النفوذ ومالم يدرك الجميع ان اعادة بناء الدولة تبدا من استعادة القرار الوطني مالم ستبقى المعادلة قائمة “وطن غني بالموارد… فقير بالقيادة”.

مقالات الكاتب