حزمة الاصلاحات الاقتصادية.. تفاؤل بانتعاش المالية العامة وضبط الإيرادات
بعد اجتماعات مكثفة الأسبوع الماضي، اتخذ مجلس القيادة الرئاسي سلسلة من الإجراءات والقرارات الحاسمة لدعم مسار الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، بإقراره حزمة شاملة من الإصلاحات تستهدف معالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في إدارة الموارد العامة وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي.
وقد جاءت هذه الحزمة بعد نقاشات مستفيضة بين المجلس ورئيس وأعضاء الحكومة، أثمرت عن القرار الجمهوري رقم (11) لسنة 2025، الذي يمثل المرحلة الأولى في مسار إصلاح اقتصادي شامل يهدف إلى إنقاذ المالية العامة للدولة واستعادة التوازن المالي والنقدي.
ولاقت هذه الخطوة ترحيباً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية التي رأت فيها مؤشراً على جدية القيادة السياسية في مواجهة الفساد وإعادة ضبط إدارة المال العام، بعد سنوات من الفوضى والتجنيب المالي وتعدد مراكز القرار الاقتصادي. كما أعرب مختصون عن تفاؤلهم بأن هذه الإجراءات، إن نُفذت بحزم، ستسهم في تعزيز موارد الدولة، وتحسين مستوى الخدمات، وتوفير المرتبات المتأخرة لموظفي القطاعين المدني والعسكري.
وأكد خبراء اقتصاديون أن القرار يمثل ترجمة عملية لمضامين النظام المالي والقانون العام للجمهورية اليمنية، مشيرين إلى أن التنفيذ الفعلي على الأرض هو التحدي الأكبر، ما يتطلب من مجلس القيادة متابعة دقيقة ومتواصلة وعدم ترك رئيس الوزراء يواجه لوبيات الفساد والنفوذ منفرداً.
وتكتسب هذه الإصلاحات أهمية خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، حيث تعاني الخزينة العامة شحاً حاداً في الموارد، ما أدى إلى تأخر صرف الرواتب لأشهر عدة، في وقت تستمر بعض المؤسسات الحكومية في الامتناع عن توريد إيراداتها إلى البنك المركزي اليمني بعدن.
ويؤكد مراقبون أن القرار الأخير يضع حداً لهذه الممارسات ويعيد الاعتبار لمبدأ وحدة الموارد العامة تحت إشراف البنك المركزي، باعتباره الجهة السيادية المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية.
وتنص خطة الإصلاحات على إلزام جميع السلطات المحلية والمؤسسات السيادية، بما فيها الجمارك والضرائب والمنافذ البرية والبحرية والجوية، بتوريد الإيرادات بالكامل إلى الحساب المركزي للبنك المركزي في عدن، مع إغلاق أي حسابات موازية في البنوك التجارية أو الصناديق غير القانونية التي ظلت لعقود خارج المنظومة المالية الرسمية. كما تضمنت الإجراءات إغلاق أربعة موانئ محلية مستحدثة (قنا، الشحر، نشطون، رأس العارة) كانت تعمل بصورة مخالفة للقوانين المنظمة وتسببت في تسرب الإيرادات وفقدان الدولة موارد مهمة.
وشدد مجلس القيادة في قراره على ضرورة توحيد موارد الدولة وتعزيز الرقابة على المنافذ، وإلغاء الرسوم غير القانونية التي تفرضها بعض السلطات المحلية، إلى جانب ضبط عمل الميازين وإخضاعها لإشراف صندوق صيانة الطرق. كما أقر المجلس توسيع نطاق الربط الإلكتروني للإيرادات السيادية بهدف تعزيز الشفافية وتحسين كفاءة التحصيل المالي، مع التشديد على تحسين الإنفاق الحكومي وترشيد المصروفات في مختلف القطاعات.
وأكد المجلس دعمه الكامل للحكومة في تنفيذ هذه الإصلاحات، مشيراً إلى أن نجاحها سيسهم في استقرار العملة الوطنية، وتقوية الثقة مع المجتمع الدولي والمانحين، ما يمكّن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ويحد من عجز الموازنة العامة. كما دعا المجلس إلى رفع مستوى التنسيق المؤسسي بين مختلف أجهزة الدولة لتسريع تنفيذ مصفوفة الإصلاحات بصورة عاجلة ومنتظمة، مشيداً بالتحسن النسبي الذي شهدته العملة الوطنية مؤخراً واستقرار أسعار السلع الأساسية.
وتتضمن الحزمة الاقتصادية أيضاً تحرير سعر الدولار الجمركي وفق خطة زمنية محددة، وإلزام الشركات الحكومية المنتجة للنفط والغاز بتوريد كامل العائدات إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إلى جانب إلزام شركة النفط اليمنية بتسويق المنتجات النفطية محلياً وتوريد قيمتها إلى الخزينة العامة. كما تقر الخطة توحيد أسعار المشتقات النفطية في المحافظات المحررة، وإلغاء جميع أشكال التجنيب المالي والصرف خارج النظام المالي الرسمي.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يمثل تحولاً نوعياً في إدارة الدولة، إذ يعيد الاعتبار لدور البنك المركزي كحارس للمالية العامة، ويحد من الفوضى المالية التي استمرت لأكثر من عقد. كما يمنح القرار رئيس الوزراء صلاحيات مباشرة لملاحقة أي جهة أو مسؤول يعرقل تنفيذ الخطة أو يخالف مضامينها، في خطوة تعكس جدية مجلس القيادة في فرض الانضباط المالي ومكافحة الفساد.
وأشار المجلس إلى أن تنفيذ الخطة سيتم تحت رقابة دورية صارمة، إذ يلزم القرار رئيس الوزراء بتقديم تقارير نصف شهرية حول مستوى التقدم في تنفيذ البنود، مع تحديد الجهات الملتزمة والمتقاعسة عن التنفيذ، ورفعها إلى مجلس القيادة لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
ويؤكد مراقبون أن المجتمع الدولي والمانحين أبدوا دعماً واضحاً لهذه الإصلاحات، معتبرين أن نجاحها يمثل شرطاً أساسياً لاستمرار الدعم المالي والاقتصادي لليمن، في ظل الأزمة الإنسانية والمالية الخانقة التي تمر بها البلاد.
ويجمع المراقبون على أن هذه الحزمة الإصلاحية تمثل نقطة تحول حقيقية في مسار استعادة الدولة لمواردها وإعادة بناء مؤسساتها المالية على أسس شفافة ومنظمة، وأن الالتزام بتطبيقها بدقة وصرامة سيعيد الثقة بالاقتصاد الوطني، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعافي والاستقرار المالي، بعد سنوات من الهدر والتجنيب والتراخي الإداري.
*سبتمبرنت
