الحرب اليمنية تدخل عاماً جديداً وسط تصعيد مستمر

يشهد اليمن منذ أواخر العام 2014 حرباً دامية ضاعفت معاناة البلد الفقير أصلاً، وجعلته يعيش على حافة أسوأ أزمة إنسانية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وفاة نحو 400 ألف شخص بسبب الحرب بنهاية عام 2021، وخسارة الاقتصاد اليمني قرابة 120 مليار دولار..

المدنية أونلاين/فؤاد مسعد:

ومع دخول عام جديد والبلاد لا تزال تعيش دوامة الحرب، فإن الآثار الإنسانية والمادية مرشحة للارتفاع أكثر، خاصة وأن العام المنصرم شهد تصعيداً خطيراً تمثل في الهجوم المستمر من طرف الحوثيين على محافظة مأرب (شمال شرق العاصمة صنعاء)، ومحاولاتهم السيطرة على مناطق جديدة، بالإضافة إلى تكثيف هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيّرة (المفخخة)، التي تستهدف الأراضي اليمنية الخارجة عن سيطرتهم والأراضي السعودية، خصوصا الواقعة جنوب المملكة على الحدود مع اليمن.

من جهة ثانية، بدأ التحالف العربي، الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، تكثيف غاراته الجوية واستهداف مواقع الحوثيين في مختلف المناطق التي يسيطرون عليها، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، بعدما زادت وتيرة استهداف المناطق والمنشآت السعودية من الحوثيين في الأشهر الأخيرة من العام الماضي.

تصعيد غارات التحالف الذي وصل ذروته في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتبره الحوثيون أمراً يقضي على جهود وقف الحرب وإحلال السلام، فيما تنظر الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الداعم لها إلى الهجوم الحوثي على مأرب باعتباره دليلاً قاطعا على رفض الحوثيين أي محاولة لإيقاف الحرب. أي أن الطرفين يتبادلان الاتهامات، وكل طرف يحمل الطرف الآخر مسؤولية استمرار الحرب، وعدم التوصل إلى أي صيغة من التوافق.

تصعيد من جميع الأطراف

وترتبط التطورات الأخيرة في مسار الحرب بمجريات العام الماضي، حينما بدأت جماعة الحوثي هجومها العنيف على مأرب في شهر فبراير/شباط الماضي، بالتزامن مع صدور قرار الخارجية الأمريكية القاضي بإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، في محاولة من الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن للدفع بالحوثيين إلى القبول بالتسوية السياسية وإيقاف الصراع، ما يعني أن الجماعة الحوثية فهمت الرسالة الأمريكية بطريقة مغايرة، إذ اعتبرت القرار الأمريكي دعوة مفتوحة تتضمن الضوء الأخضر لمواصلة الحرب وتصعيد الهجمات سواء في اليمن أو باتجاه الأراضي والمنشآت السعودية.

أما المملكة العربية السعودية، التي تقود تحالف دعم الشرعية، فطرحت في مارس/آذار من العام الماضي مبادرة تتضمن "وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وبدء مشاورات بين الأطراف المختلفة برعاية أممية"، ولكن الحوثيين سارعوا إلى اعلان رفضها، تحت مبرر أنها لم تأت بجديد كما قال ناطق الحوثيين حينها.

وخلال العام الماضي، كما في الأعوام السابقة، استمرت جولات المبعوث الأممي إلى اليمن وزياراته إلى دول المنطقة، بحثاً عن الوصول إلى صيغة مقبولة للتفاوض بين طرفي الحرب، ولكن لا يبدو أي مؤشر لنجاح تلك المحاولات.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي تولى الدبلوماسي السويدي هانس غروندبيرغ مهام منصبه كمبعوث أممي، خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث، ليصبح رابع مبعوث أممي إلى اليمن، دعا المبعوث الجديد مجلس الأمن الدولي في أكثر من مناسبة للقيام بدوره في دعم مهمته التي يصفها بـ"المعقدة"، بسبب وجود فجوة كبيرة بين أطراف الصراع، مشدداً على "ضرورة عقد عملية سياسية شاملة يملكها اليمنيون ويدعمها المجتمع الدولي"، حسب آخر إفادة له أمام المجلس الشهر الماضي.

بُذلت جهود أممية وأخرى أوروبية بهدف تسهيل "المهمة المعقدة" للمبعوث الأممي، من خلال لقاءات وزيارات مكثفة لمسؤولين في الأمم المتحدة ودبلوماسيين أوروبيين، شملت عواصم دول المنطقة بما فيها إيران الداعم الأبرز لجماعة الحوثي، ومع ذلك فلا تزال مهمة المبعوث أكثر تعقيداً، الأمر الذي يعني أن الحرب سوف تستمر في الفترة القادمة، ولا توجد مؤشرات تقول غير ذلك.

هذا الأسبوع، وفي الأيام الأولى من العام الجديد، حصل تطوران جديدان في مسار الحرب، الأول فتح جبهة (بيحان شبوة) من طرف الحكومة الشرعية بإعلان قواتها بدء عملية عسكرية تهدف إلى تحرير مناطق بيحان من سيطرة الحوثيين، وهي ثلاث مناطق تقع شمال غرب محافظة شبوة النفطية الجنوبية، وهو ما يعني توسع رقعة الحرب لتشمل مناطق جديدة.

أما التطور الآخر فيتجلى في حادثة احتجاز الحوثيين سفينة شحن إماراتية أمام السواحل اليمنية في محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، إذ أعلن الحوثيون أنهم احتجزوا سفينة تحمل آليات ومعدات عسكرية فيما قال التحالف العربي إن "السفينة تحمل معدات خاصة بمستشفى ميداني".

وأياً كانت حقيقة السفينة التي احتجزت، فإن ثمة مؤشر سلبي على أن الحرب تسير صوب مآل جديد، سيكون مسرحه المواني والمياه الإقليمية اليمنية والدولية، مع ما سيقود إليه من تطورات وتداعيات كارثية لا تقف عند حدود اليمن وجيرانها، ولكنها تشمل حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية برمتها، إذ إن تعرض السفن في هذه المنطقة القريبة جداً من مضيق باب المندب الواقع جنوب البحر الأحمر، سيؤثر سلباً على حركة التجارة في الممر الذي يعبر منه في الوقت الراهن ما يقارب خمسة ملايين برميل من النفط الخام والمكرر، ما يجعل تصنيف الممر الرابع عالمياً، وفي حال تعرضت الحركة لأي خطر فإن ذلك ستكون له عواقب وخسائر فادحة في الاقتصاد والأمن والسلم الدولي.

بالإضافة إلى التطورين السابقين، لا تزال مؤشرات التصعيد الذي وصم أحداث العام الماضي حاضرة، وتتجلى في تكثيف الغارات الجوية من التحالف العربي، واستمرار الهجوم الحوثي على مأرب.

حرب بالوكالة

ومع أن للصراع في اليمن أسباب وجذور داخلية ينبغي أن توضع بعين الاعتبار في أي جهد يسعى لإحلال السلام، فإن للصراع ارتباطات خارجية لم تعد خافية على أحد، ذلك أن طرفي الحرب الرئيسيين، الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي، يحظى كل منهما بدعم خارجي، فالحكومة يدعمها تحالف تقوده السعودية ويضم دولاً عربية عدة، والثانية تدعمها جمهورية إيران، وهذا يضيف إلى عوامل الصراع الداخلية عوامل أخرى خارجية بالنظر إلى الصراع الدائم بين الرياض وطهران، ما جعل الحرب في اليمن تبدو كما لو كانت حرباً بالوكالة، تخوضها أطراف وقوى يمنية بالنيابة عن الداعمين الخارجيين، السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهة ثانية.

كما أن أي تقارب بين الخصمين اللدودين السعودية وإيران، سوف يساعد في تحقيق تقدم ملموس في مسار تسوية الصراع في اليمن، وقد يكون تأثير ذلك أكبر وأكثر فاعلية من الجهود التي تبذل لدى الأطراف اليمنية بشكل مباشر، لأن ارتباط القوى والأطراف المحلية بالدعم والنفوذ الخارجي، بعد سبع سنوات من الحرب، بات أقوى وأشد مما كان عليه في أي وقت مضى.

ويدل على ذلك أنه في اللقاءات التي جمعت مسؤولين سعوديين وإيرانيين ضمن لقاءات بغداد في الفترة الماضية، حضر الملف اليمني كواحد من أهم الملفات المطروحة على طاولة النقاش، وبطبيعة الحال سيكون موضوع اليمن على رأس الموضوعات التي من المتوقع أن تتأثر إيجاباً إذا تحسنت العلاقات السعودية الإيرانية.