المناضل قاسم الهلالي:الدمج القسري بين القومية والتحرير مؤامرة على الثورة..والكفاح المسلح أجبر بريطانيا على الرحيل

حاوره:صلاح سيف

المناضل قاسم بن قاسم الهلالي يعد واحدا من المناضلين الذين انخرطوا في وقت مبكر في  العمل الفدائي أثناء الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني , ورغم تقدمه في السن إلا أنه مازال يمتلك ذاكرة حية ومتقدة ,لذلك تجده ملم بمعظم تفاصيل  الكفاح المسلح والحوارات السياسية التي رافقت  ثورة 14 أكتوبر بين القومية والتحرير برعاية مصرية  فهو قاري ومتابع جيد ولديه  قدره على التفسير والتحليل وقراءة ما وراء الحدث وبمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لعيد الاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار البريطاني من جنوب الوطن في 30 /نوفمبر 1967م فطرحنا عليهعدد من الاسئلة المتعلقة بهذه المناسبة العظيمة فأجاب عليها مشكور فإلى تفاصيل الحوار.

 


س/  ماذا يعني لك يوم 30 نوفمبر باعتبارك واحد المناضلين الذين صنوا هذا اليوم المجيد في تاريخ الشعب اليمني؟

ج/  30 نوفمبر هو يوم تاريخي عميق في التحليل لأنه أحتوى على استقلال وتحرر بلد في الجزيرة العربية وانتزع هذا الاستقلال من سيطرة الإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل العالم وهذا التاريخ لن ينسى حتى ولو كان فيه شوائب بسيطة لكنها كانت نتيجة كفاح مسلح دام أربعة أعوام و 30 نوفمبر  1967 م هو تاج مرحلة الكفاح المسلح التي دامت أربعة اعوام  ولذلك فإن هذا اليوم العظيم   له في عمق التاريخ (مكانة كبيرا في حياة الشعب اليمني) والتاريخ لا يسجل إلا المواقف الجبارة , ومن جانب أخرى فالتاريخ أسود أو ابيض يسجل لمن صنعوه وليس العكس .. فهو لمن يصنعه وليس لمن يكتبه.

 

 

س/  قبل الاستقلال بعدة أشهر سعت مصر عبد الناصر لاحتواء الخلاف بين الجبهة القومية والتحرير من خلال رعاية حوار بين قيادة الجبهتين  لكن وساطتها لم تكلل بالنجاح بسبب مغادرة وفد القومية لمصر متوجها لجنيف للتفاوض مع سلطات الاستعمار لماذا انسحب وفد  القومية قبل التوصل لحل بين مع التحرير؟

ج/ وفد الجبهة القومية رفض الحوار ولم ينسحب إنسحاب.

 

س/ لماذا رفضوا الحوار؟

ج/   لأنهم كانوا يريدوا ضم القيادة كما أراد صلاح نصر رئيس المخابرات المصرية في اليمن فرفض وفد الجبهة القومية ما كان يسعى صلاح نصر تحقيقه للتحرير  على حساب نضال وتضحيات القومية من خلال المفاوضات. 

 فقال لهم قحطان الشعبي  سوف نعمل تناسب ونعطي كل واحد حقه في النضال سواء من جبهة التحرير أو القومية ولكن قبل ما نصل إلى التناسب سوف نذهب للتفاوض مع السلطات البريطانية كي نحصل على استقلالنا وبعد ذلك نعود للحوار ثم غادر وفد القومية إلى جنيف .


س/ ما الذي كان يريد صلاح نصر تحقيقه من مكاسب لجبهة التحرير من خلال مفاوضات ؟ 

لو نعود لحوار " باسندوة" مع صحيفة الأيام سوف نجد ما كان صلاح نصر يسعى في الوصول إليه فقد قال "باسندوة" في إعترافاته للأيام  "صلاح نصر  وعدنا بعد أن نعود إلى تعز وأنه سوف يعطينا القيادة وسينهي الجبهة القومية" وهذا حصل في 13 يناير 1966م عندما فرض على الجبهة القومية الدمج القسري مع التحرير وكان سالم زين وطه مقبل وعلي أحمد السلامي الذين كانوا في القومية قد استجابوا لرغبة الاستخبارات المصرية ووقعوا على الدمج القسري الذي فرض على القومية مع التحرير.

 ولكن قحطان الشعبي الذي كان في القاهرة ارسل رسالة أعترض فيها على الدمج القسري ورفضها وبإمكانكم أن تعودوا لرسالة قحطان الشعبي في هذا الامر وهي موجودة وموثقة مع نجيب قحطان وسوف يطلعكم علي الرسالة إن أردتم معرفة موقف قحطان من هذا الأمر.

وبعد الدمج القسري عقد المؤتمر الثاني للجبهة القومية في جبلة ,وعقد المؤتمر الثالث في "قعطبة"  وفيه اتخذ قرار الانسلاخ او الخروج من الدمج القسري والاعتماد على الجبهة القومية في الداخل .


س/ ما هي أسباب الخلاف بين قيادة الجبهة القومية والمخابرات المصرية في اليمن رغم الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي قدمته مصر لقيادة الجبهة القومية في بداية كفاحها المسلح ضد الاستعمار البريطاني ؟

ج/ بعد زيارة جمال عبد إلى تعز في 23/ ابريل  1963م وقال حينها كلمته المشهورة "على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل من جنوب اليمن " كما أعلن دعمه لحق الشعب في الجنوب في كفاحه المسلح  حتى يحقق الاستقلال , بعد هذه الصرخة المدوية أعطى أمر مباشر لقيادة المخابرات المصرية في اليمن بتقديم الدعم المباشر ماليا وعسكريا ومعنويا هذا بالنسبة لبداية الدعم الذي كانت تقدمه مصر للجبهة القومية.

 


س/ ما الذي حدث بعد ذلك بين المخابرات المصرية وقيادة الجبهة القومية ؟

المتابع الدقيق لما حدث في  13 يناير 66م من عملية دمج قسري للقومية مع التحرير , يدرك حجم المؤامرة التي طبختها المخابرات المصرية ضد نضال الجبهة القومية لمصادرة رصيدها في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني ..  وهذا أمر واضح وكأن بعد قيام ثورة 14                                أكتوبر بثلاث سنوات حدثت ثورة ثانية وقيادة ثانية .. والجميع يدرك أن قيادة منظمة التحرير رفضت خيار الكفاح المسلح منذ البداية وراهنت على النضال السلمي والعمل السياسي , وقد أصدر الأصنج حينها كتيب يوضح رفضه لخيار الكفاح المسلح , وقال "لا يمكن أن أهدم المنزل الذي يسكن ولا يمكن أن أحرق المزرعة التي تزرع " وهذا الكلام موجود في الكتاب  وشاهدا على موقف قيادة منظمة التحرير من الكفاح المسلح .

 واتخذت الرابطة حينها نفس الموقف ووصف ثورة 14 أكتوبر بثورة الدراويش وقد مضى على هذا الكلام( 45) عام ولذا فالثورة او التاريخ لمن يصنعه وليس لمن يكتبه.


س/ يطرح قادة التحرير أن وقوف جيش الاتحاد إلى جانب الجبهة القومية في صراعها مع التحرير كان بإيعاز من السلطات البريطانية كرها في جبهة التحرير الذي أجبرت الاستعمار على الرحيل  ؟

ج/ هذا الكلام مدحوض جملة وتفصيلا بالحقائق على الأرض والواقع وقد دحضه باسندة في مقابلته مع الايام , وهو كلام دعائي الهدف منه تشويه تاريخ القومية النضالي بأنها تأمرت مع بريطانيا مقابل تسليمها السلطة , والواقع نفسه يدحض هذا الكلام إذا عدنا لتاريخ الصراع بين القومية والتحرير الذي بدأ في 13 يناير 1966م  ولم يكن هذا الصراع موجودا من قبل هذا التاريخ , وهذا الصراع هو من صناعة صلاح نصر رئيس المخابرات المصرية في اليمن هو من صنع هذه الفتنة بين القومية والتحرير.

 


س/ ما الذي جعل جيش الاتحاد (اللوي ) ينضم إلى القومية التي خاضت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني على الرغم  من أن جيش الاتحاد كان تابعا للإدارة البريطانية في الجنوب  التي  أنشأت جيش الاتحاد ولم ينضم للتحرير التي رفضت الكفاح المسلح ؟

ج/ السبب في هذا الأمر هو أن الجبهة القومية كانت لديها تنظيم سياسي  كامل داخل إطار جيش الاتحاد المعروف (باللوي) وكان معظمهم من فئة الشباب ومازالوا موجودين وعائشين  إلى اليوم وهم من قطاع الجيش وكانوا يستلمون إعانات من الجبهة القومية التي حكمت الجنوب لاحقا , وبعد الاستقلال اتضحت الامور فقد كان شعار الجبهة القومية الاستقلال دون قيد او شرط .. وهذا الذي يثبت حتى يومنا هذا .. لأن بريطانيا عندما تعطي الاستقلال لدولة أخرى دون كفاح مسلح وعلى سبيل المثال مثلما حدث في الخليج بدولة الكويت والإمارات منحتهم الاستقلال مقابل شرط الحماية .. وهو ما لم يحدث في الجنوب لإن الجبهة القومية انتزعت الاستقلال بالكفاح المسلح وأجبرت بريطانيا على الرحيل.

 


س/  لماذا فرطت الجبهة القومية بالتعويضات التي كانت بريطانيا ستدفعها للجنوب هل حقا بان هناك صفقة كما يطرح خصومها من قادة التحرير عقدت بين قيادة الجبهة القومية وبريطانيا تسليمها السلطة مقابل تنازلها عن التعويضات وهو ما كانت ترفضه قيادة جبهة التحرير حينها ؟

ج/ على العكس من ذلك فالـ(60)مليون " جنية استرليني "  كانت عبارة عن تعويض للجنوب  ستدفعها بريطانيا ولكنها لم تدفعها حتى يومنا هذا , ولو كانت الجبهة القومية تقبل الصفقات فكان شرطها المقابل هو العمالة .. لكنها لم تعقد أي صفقات ورفعت شعار رحيل الاستعمار دون قيد او شرط , وحين خاضت الجبهة القومية الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني , سبقه الكفاح او النضال السلمي وهؤلاء حصلوا على وعد في أغسطس 1965 م من قبل بريطانيا بمنحهم الاستقلال في 1968 م  حضروا مؤتمر لندن الذي قاطعته الجبهة القومية , لكنهم لم يحصلوا عليه وقد شارك في مؤتمر لندن إلى جانب السلاطين والمشايخ حينها كل من باسندوة وعبدالله الأصنج من قيادة التحرير وهذا ليس كلامي أنا ولكن هو قاله الاستاذ محمد سالم باسندوه.

 

  نقلا عن صحيفة "الثورة"