سامية العنسي.. فتاة الإذاعة

المدنية أونلاين ـ صحف :

أحبت سامية العنسي الاذاعة المدرسية ملقية القصائد أو الفقرات الموكلة اليها ضمن الإعداد: ” كنت ألجأ لوالدي و أحرص أن يكتب لي أي موضوع أو قصيدة لألقيها في الإذاعة المدرسية أثناء طابور الصباح، لأية مناسبة: عيد الأم أو عيد الثورة.. كنت أحرص دومًا أن أكون أول المشاركين”.

و” نقلت هذا الشغف إلى الحي، خاصة في العطل، كان لابد أن أعيش الجو الذي أعيشه في المدرسة، كنت استخدم علب العصير الفارغة بعد أن أصنع فيها ثقوبًا، كـ ميكروفون وأبدأ بإلقاء القصائد والأشعار والكلمات على أطفال الحي”. قالت لـ البوابة اليمنية للصحاف الإنسانية – أنسم.

إلى أثير الإذاعة

كان شاعر الثورة محمد ناصر العنسي يراقب ابنته الصغيرة المولودة في 6 يناير 1962 ويدرك شغفها للمايكروفون، وفي العام 1976 كانت إجازة الصيف قد بدأت وانتهت سامية دراستها للصف الثاني إعدادي، حين طلب إليها والدها أن تقرأ قصيدة له ليستمع لأدائها الذي يراقبه منذ سنوات.

تقول سامية العنسي: “أخذني والدي من يدي إلى مبنى إذاعة تعز وقابلت الأستاذ عبد القدوس الشامي -مدير الإذاعة حينها- وأعطاني جملة نحوية لأقوم بإعرابها ليتحقق من إتقاني قواعد النحو والصرف”.

 

وأضافت لـ أنسم:” كنت دومًا استمع للراديو، ولم أكن أدرك أنني سأدخل يومًا هذا المبنى، وكنت أجول معهم برهبة، وأقول في نفسي: (أنا سامية سيسمع الناس صوتي من هنا!).. فطلب الشامي أن يعمل تيست لصوتي، ويختبر أدائي”.. لتنجح الفتاة ذات الـ 14 ربيعًا في أن تنضم لفريق برامج الأطفال معية الإذاعي الكبير عبد الله عمر.

شغف العمل بالإذاعة الطالبة التي كانت تذهب لمدرستها صباحًا وتسرع مساءًا للعمل في الإذاعة، ما جعل والدتها تستغل ذلك كأسلوب تربوي فتفرض عليها بعض الأعمال مقابل الذهاب للإذاعة، ” كانت أمي تحدد لي وقت معين، وتفرض علي أن أصلي وأن أقوم ببعض الأعمال المنزلية وإلا فلن تسمح لي بالذهاب للإذاعة” قالت.

وتضيف مبتسمةً، معبرة عن شغفها: “ذات مرة كنت أصلي وعندما بدأت بالتسليم، التفتُ يمينًا وبدون شعور قلت (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سامية العنسي إذاعة تعز) وسمعتني أختي التي علَّقت( لهذي الدرجة الإذاعة أكلت مخك)”.

عزيمة وإصرار

 

البطاقة

لم تتوقف الطفلة التي كانت تقدم برامج الأطفال – خلال عام كامل – عند ذلك الحد، فقد نضج صوتها وأداؤها، ليتم اتخاذ قرار انتقالها إلى ميكرفون “مجلة الاذاعة” 1977 لتصبح موظفة رسمية.

تقول صاحبة الرقم الوظيفي 339 في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون فرع تعز لـ أنسم: “حينها لم أكن أعرف أن الإذاعة تتبع دولة وأنه ممكن أكون موظفة و أنني يومًا ما سأتقاضى مقابلًا لصوتي.. فقط كنت مستمتعة بأن الناس تسمعني وإنني في عالم جديد من المعرفة والمعلومات خارج إطار المنهج الدراسي، ما زادني ارتباطًا وتمسكًا بالعمل وبدأت أشارك الأستاذ عبد الله عمر مجلة الإذاعة وبعدها رفقة علي إسماعيل حسين”. قالت باعتزاز.

عامان في إذاعة تعز قضتها سامية، تدرجت خلالهما من برامج الأطفال إلى مجلة الإذاعة وقراءة النشرات الإخبارية، لتبدأ مرحلة جديدة في 1978، حينما قررت وزارة الإعلام بدء تجربة بث تلفزيوني من محافظة تعز، لتكون سامية رفقة عايدة الشرجبي (التحقت بالإذاعة في 1977) في مهمة تدريب في تلفزيون صنعاء لثلاثة أشهر.

تقول سامية:”كانت تجربة بث التلفزيون من تعز – رغم قصرها – مهمة بالنسبة لي، توسعت خلالها مداركي ونضج أدائي، اكتسبت الخبرة في قراءة الأخبار وإدراك قواعد وأبجديات الأداء الإخباري لأنه يختلف تمامًا عن أي أداء برامجي آخر” .

تلفزيون وإذاعة صنعاء

عندما انهت سامية الثانوية العامة في تعز في العام 1980، كانت عينها على صنعاء – 265 كم شمال تعز- لتلتحق بالجامعة، إذ لم يكن في تعز جامعة بعد، فانتقلت للعمل في تلفزيون صنعاء الذي استمرت فيه عامين متتاليين تقرأ نشرات الأخبار وتشارك في عدد من البرامج على الهواء، لكنها فضلت عدم الاستمرار والعودة للإذاعة، “العمل التفزيوني لم يرحني كثيرًا وكان عشقي للميكروفون والكلمة لإيصال رسالتي للناس عبر أثير الإذاعة هو الطاغي”، قالت.

 

وتضيف سامية التي كانت تحرص على حضور محاضراتها في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة صنعاء: “كان مبنى الإذاعة قريب من الجامعة ومن بيتنا أيضًا، فكان الأمر مواتيًا أكثر للاستقرار، أدرس وأعمل في نفس الوقت”.

لـ 33 عامًا ارتبط اسم سامية العنسي بالبرنامج الإذاعي “نزهة الجمعة” في إذاعة صنعاء، إلى جانب الفترات المفتوحة (ثلاث ساعات) التي استمرت في كتابتها لفترة طويلة وارتبطت بقضايا الناس.

تقول سامية ” نزهة الجمعة حببني في الناس وحبب الناس فيني”، و كانت تقدمه مع المرحوم محمد المحبشي وبعده مع علي السياني حتى بداية 2015، إذ بدأت أحداث الحرب بالتنامي-حتى اللحظة- ، فقررت سامية أن تتوقف عن العمل..” اضطررت للتوقف بسبب الأحداث، ابتعدت لأن الكلمة مسؤولية، إما أن أقولها في مكانها و بإيمان وقناعة أو أن أجلس بالبيت”. أوضحت سامية.

40 عامًا خلف الميكرفون

20 أغسطس 2018 الساعة التاسعة صباحًا، كان صوت سامية العنسي يطل مجددًا من صفحتها على الفيس بوك بعد ثلاث سنوات من اختفاء ذلك الصوت الذي رافق الأثير لـ أكثر من 40 عامًا.. دقيقتان وعشر ثواني فقط كانت كفيلة أن تعيد لنا “سامية الإذاعة” بصوتها الدافئ ولغتها الجزلة، لتختتم رسالتها الصوتية بـ: “صديقتكم سامية محمد العنسي”.

بحسب الكاتب الصحفي عبد الرحمن بجاش، فإن سامية العنسي قدمت من عمق محمد ناصر العنسي الذي كان صوته يدوي في ميدان الشهداء شاعرًا للثورة يبشر بالمستقبل، فدوى صوتها في الإذاعة.

ويضيف بجاش في مقاله “نون والقلم” تحت عنوان سامية الإذاعة: “ساميه العنسي تمثل جيلًا إذاعيًا رائدًا ومتألقًا ترك بصمته وذهب – للأسف الشديد – حتى بدون كلمة شكر، مازلت أتذكر احترامًا وتقديرًا لها ولصوتها الذي أتى إلينا بكل مفيد والوزير يقول لي: ما رأيك من يذهب إلى لندن رفقة الأسبوع الثقافي، أنت أو ساميه العنسي؟! فقلت فورًا: سامية.. ولم أكن قد عرفتها وجها لوجه”.