السلفيون في اليمن وتحديات الحرب (3)
تحديات الوضع الراهن
بعد سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء وعدة محافظات في شمال البلاد أواخر العام 2014، أحكمت الجماعة قبضتها وأخذت توسع رقعتها، وتتجه جنوباً لاستكمال السيطرة على بقية المحافظات ومنها تعز والبيضاء والضالع ولحج وعدن وأبين، وفي هذه المحافظات تشكلت مقاومة شعبية ضد الهجوم الحوثي، وكان السلفيون جزءا من هذه المقاومة، يتفاوت حجم مشاركتهم من محافظة إلى أخرى، وكان أغلبهم ممن شاركوا في المواجهات ضد الحوثيين في منطقة دماج بصعدة.
وفي أواخر مارس/أذار 2015 أعلنت السعودية تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية، وانطلاق عملية عسكرية باسم عاصفة الحزم لدعم الشرعية اليمنية ومواجهة الانقلاب الحوثي، وشهدت الحرب تحولاً كبيراً تمثل في تقديم الدعم السعودي لجبهات القتال إلى جانب استهداف قوات الحوثي بالغارات الجوية من مقاتلات التحالف العربي، وبات السلفيون يحظون بنصيب الأسد من هذا الدعم، وارتفعت أسهمهم في مناطق القتال كما في المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين.
ومع اشتداد المواجهات المسلحة في أكثر من محافظة يمنية، كان للسلفيين حضورهم، سيما الذين شاركوا في مواجهات دماج التي انتهت لصالح جماعة الحوثي، وصار كثير من السلفيين المهجرين من دماج قيادات ميدانية في عدد من جبهات القتال، أمثال الشيخ راوي عبدالعزيز، وهاشم السيد، وبشير المضربي، وبسام المحضار، ومهران قباطي، وهاني بن بريك في جبهات عدن، وحمدي شكري وعبدالرحمن اللحجي في لحج، ورشاد الضالعي في الضالع وأبو العباس في تعز، وبالإضافة إلى ما وفرته معركة دماج للسلفيين من مبررات في محاربة الحوثي، فقد أدى الدعم السعودي بالمال والسلاح إلى تعزيز الحضور والمشاركة السلفية في الحرب ضد الحوثيين.
بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب ضد الحوثيين، بات السلفيون يحتلون الصدارة نظراً لمشاركتهم الفاعلة في القتال، ووفقاً لباحثين فإن "الجماعات السلفية تحولت سريعاً من ظاهرة دعوية إلى كتلة صدامية كبيرة أفرزتها تداعيات الصراع المسلح مع الحوثيين، وباتت تؤثر في صياغة تحولات المشهد".
ومع أن السلفيين ظهروا خلال الحرب على موقف واحد منسجم مع الخطاب الديني المعلن ضد جماعة الحوثي، إلا أن الخلافات بينهم سرعان ما بدأت تظهر بعد تحرير عدد من المحافظات، وارتبطت الخلافات بالتوجهات والمشاريع التي ظهرت بعد التحرير، ففيما بقي جزء كبير من السلفيين على ولائهم للرئيس هادي والمملكة السعودية، ارتبط سلفيون آخرون بالأجندة الإماراتية، وانتقلوا من طاعة "ولي الأمر" إلى التمرد عليه، وعلى رأس هذا الفريق السلفي هاني بن بريك.
اغتيال الشيخ العدني واستهداف السلفية
في شهر فبراير 2016 تعرض التيار السلفي لأكبر ضربة تمثلت في اغتيال الشيخ/ عبدالرحمن العدني، أحد أبرز الشيوخ السلفيين في جنوب اليمن، ورأى المراقبون أن اغتياله جاء رداً على موقفه الرافض للتوجهات الإماراتية، خاصة أن الجناة الذين اغتالوه تم القبض عليهم وتسليمهم للمعسكر الإماراتي في عدن، وهناك اختفى الجناة وأُهملت القضية.
وشهدت عدن بين عامي 2016 و 2018 موجة اغتيالات طالت أكثر من 30 إماماً من أئمة وخطباء المساجد، ينتمون للتيار السلفي المعتدل من المحسوبين على جمعيتي (الحكمة والإحسان)، و(حزب الإصلاح)، ووجهت أصابع الاتهام للإمارات وعناصرها أمثال هاني بن بريك الذي كشفت محاضر التحقيق ضلوعه في الدعم والتخطيط لعمليات الاغتيال، وفق اعترافات عدد من منفذي الاغتيالات في النيابة العامة بعدن، وهي الاعترافات التي خرجت للعلن منتصف العام 2018. ولم يقف الأمر عند الاغتيالات، بل تعرض عشرات السلفيين للاعتقالات، وغـُيب بعضهم في السجون السرية فترات طويلة، كما جرى استبدال نحو 25 إماماً من السلفيين والإصلاحيين بسلفيين آخرين موالين لأبوظبي.
حضور رغم الانقسام
يشكل السلفيون المدعومون من الرياض وأبوظبي العمود الفقري في عداد المقاتلين ضد الحوثي، ففيما تستأثر المملكة بدعم آلاف السلفيين في جبهات القتال على الحدود اليمنية السعودية، تسيطر الإمارات على جبهات محافظة الحديدة (الساحل الغربي)، ويشارك في القتال هناك آلاف السلفيين، موزعين على نحو 20 لواء، تعرف باسم (ألوية العمالقة). ومع أن هذه الألوية تحظى بدعم الإمارات، إلا أن ولاء معظم قياداتها للرئيس هادي.
وفي محافظة تعز تدعم الإمارات مجموعة من السلفيين المقاتلين بقيادة الشيخ/ عادل فارع المعروف بـ"أبو العباس"، ورغم وجود فصائل سلفية أخرى تقاتل الحوثيين في تعز، إلا أن دعم أبوظبي ظل حكراً على فصيل أبي العباس، الذي وجدت فيه الإمارات ضالتها كحليف محلي مسلح تستطيع من خلاله مواجهة خصمها الرئيس (حزب الإصلاح)، وقد خاض (أبو العباس) وأنصاره جولات عدة من القتال ضد الأجهزة الأمنية والقوات الحكومية، وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أدرجت (أبا العباس) في قوائم الإرهاب لديها في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لانخراطه في العمل مع تنظيمات إرهابية، بحسب بيان الخزانة الأمريكية. ومع ذلك لايزال الرجل يتلقى الدعم الإماراتي.
ولم تقتصر مشاركة السلفيين على جبهات القتال فقط، فهناك عدد من القيادات السلفية باتوا يحتلون مواقع إدارية في المؤسسات الحكومية، وأكسبتهم المشاركة في الحرب وفي إدارة المناطق بعد التحرير شيئاً من الخبرة والتجربة، وتجاوزوا العزلة التي كانوا يفرضونها على أنفسهم في الفترة الماضية، وأثبتت المواجهات المسلحة التي شهدتها عدن في العامين 2018 و 2019 بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً الحضور الفاعل للتيار السلفي في المعسكرين المتحاربين، وكثير من الألوية العسكرية للطرفين يقودها سلفيون.
**جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث في أغسطس 2021