ازدواجية الأهداف بين إيران ومليشياتها
قال إسماعيل قآني قائد ما يسمى بفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إن قاسم سليماني القائد السابق للفيلق ورفيقه محمد حجازي نائب قائد الفيلق أسسا ما وصفها بـ«جبهات المقاومة»، قاصداً ميليشيات إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن.
لاحظوا الفعل «أسس» الذي يتعدى مجرد الدعم والتسليح، إلى وضع اللبنة الأولى في بنية تلك المليشيات، وهو ما يعني أن الهدف من وراء هذه المليشيات هو ما تحدده طهران (التي أسستها)، لا ما تعلن عنه تلك المليشيات من أهداف تمويهية في شعاراتها الصاخبة.
بالطبع مليشيات سليماني/حجازي تعلن عن أهداف تتكيف مع البلد الذي تتواجد فيه، فحزب الله في لبنان يعلن أن هدفه مقاومة إسرائيل، والمليشيات الإيرانية في سورية والعراق تعلن أن هدفها هو «الحرب على الإرهاب» الذي يعني - باختصار - الحرب على السنة في البلدين، أما الحوثيون وهم مليشيات طهران في اليمن فيجمعون كل الأهداف المعلن عنها للمليشيات الأخرى، بالإضافة إلى هدف «مواجهة العدوان والحفاظ على السيادة»، حسب شعاراتهم المعلنة.
لكن وبالعودة إلى تصريحات قآني التي أدلى بها الثلاثاء أثناء تشييع جنازة حجازي نجد أن قائد فيلق القدس يقول إن جميع الفصائل التي أسسها حجازي «تنتهج فكر الثورة الإيرانية»، وهنا يتبين أن المليشيات المذكورة مجرد علب أنتجها مصنع واحد، ومن هنا نجد تطابق الشعارات والصراخ والألوان والتكتيكات.
غير أن هناك عبارة ذات مغزى أوردها قآتي في خطاب التشييع، حيث قال إن «هذا النهج سيستمر حتى تشكيل الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدي».
وهنا يتبين الهدف العالمي لكل تلك المليشيات الطائفية، وهو هدف صاغته طهران لا وكلاؤها الذين يزعم نظراؤهم في اليمن عدم الارتباط بإيران إلا على مستوى الدعم السياسي.
لكن ينبغي التدقيق هنا، فعندما تعلن طهران عن هدف فينبغي أن نعرف أن هدفها على خلاف ما أعلنت، لأن الإيرانيين ينتهجون سياسة إشهار «هدف ديني» تكتيكي، للتغطية على «هدف سياسي» إستراتيجي.
القادة الإيرانيون -إذن - يعلنون عن هدفهم النهائي من تلك المليشيات، وهو «تشكيل الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدي»، وهو هدف وإن كان يشكل «عقيدة دينية» لدى القادة الدينيين في إيران، إلا أنه مجرد «تكتيك سياسي» لدى القادة القوميين الذين يدغدغون عواطف الشيعة في إيران وخارجها بأحلام «اليوتوبيا»، لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالدين بقدر ما هي وثيقة العلاقة بالطموحات القومية والإمبراطورية الإيرانية بتداعياتها التاريخية والجيوسياسية.
وبتطبيق ذلك النهج، وبالعودة إلى حديث الحوثيين في اليمن عن السيادة، نجد أن هذا الهدف الحوثي المعلن يعد أيضاً هدفاً تكتيكياً لدغدغة المشاعر الوطنية لليمنيين، وإيهامهم بوجود قوات احتلال يقاومها الحوثيون باعتبارهم «حركة تحرر وطني»، فيما تقول ممارساتهم اليومية، وتصريحات من أسسهم أنهم مجرد بيدق في يد طهران، يسعون لتحقيق هدف إيران الإستراتيجي الذي يدور حول الطموحات القومية لإيران، وهو الهدف الذي تغطي عليه طهران بهدف تكتيكي يدور حول الأوهام الدينية بتأسيس «الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدي»، وذلك لذر الرماد في عيون البسطاء من الشيعة في البلدان العربية، الذين يذهبون وقوداً لحروب طهران في المنطقة.
وبمزيد من التأمل لتكتيك «ازدواجية الأهداف» نجد أن وكلاء طهران الحوثيين في اليمن ينتهجون السياسة ذاتها التي ينتهجها الإيرانيون. فمن ناحية يعلن الحوثيون أنهم يقاتلون لأجل «سيادة اليمن»، كهدف ظاهري تكتيكي معلن، ومن جهة أخرى فإنهم يقاتلون من أجل «سيادة السيد» كهدف إستراتيجي خفي غير معلن، وسيدرك من غرر بهم الحوثيون -عاجلاً أو آجلاً - أن السيادة التي يزعم الحوثي الدفاع عنها في شعاراته هي «سيادة السيد» على اليمن كما تشير الممارسات لا «سيادة الشعب» على أرضه كما تدعي الشعارات.
والحقيقة أن هدف «سيادة السيد» على اليمن يتسق مع هدف «سيادة طهران» على المنطقة، وهي أهداف سياسية غير معلنة تتدثر بأهداف أخرى وطنية ودينية لغرض التكتيك والخداع.
ومع استمرار طهران في اللعب على تكتيك الهدفين: الإستراتيجي القومي، والتكتيكي الديني تستمر مزاوجة الحوثيين بين الهدفين: «سيادة السيد»، و«سيادة اليمن»، لإرسال المزيد من المقاتلين إلى محارق حرب لا تمت بصلة إلى طموحاتهم، ويستمر نزيف الدم العربي الذي حرصت طهران على أن يظل يتدفق في بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق، كي لا تصل الحرب إلى طهران وأصفهان ومشهد وقم وغيرها، حسب تصريحات أكثر من مسؤول إيراني.