الكهرباء وبائع الآيسكريم

يمرُّ في الحارات، ينادي في الناس بموسيقى مميزة، لا يكاد يسمعها أحد حتى يُقال جاء صاحب الآيسكريم.

هذا البائع الجوّال، يقدِّم خدمة للأطفال والعائلات، أفضل مما تفعله كهرباء الحكومة، هو حاضرًا في كل الساعات، بينما الكهرباء غائبة سائر الأوقات!

يمضي بعربيته الصغيرة على نغمة موسيقى الآيسكريم، فتزدهي الأمكنة بحضوره، ويلفت انتباه المُشاة والراكبين..

قلتُ في نفسي لو أن الوزارات الخدمية تأخذُ درسًا من تفانيه، فتحضر ولو يسيرًا من حضوره، فتُبهج الأطفال والعائلات وكبار السن، بدلًا من هذا الصدود والفشل.

كيف لمدينة عريقة عرفت الكهرباء قبل كل الدُّنى، تمسي في الظلام، وتُصبح على العُتمة؟!

سلِّموا لي على زمن المراسلات بين بومباي وعدن ولندن، وشغَف "مناحم ميشا" بإنشاء شركة للترام في مدينة تهوي إليها قلوب العالمين.

كان يسع الرئاسي أن يفي لمدينة وفّت بغير حساب، لكن نالها منهم سوء الحساب، وهي الحبيبة التي أعطت ولم تُشح، مدّت اليهم كؤوسها وظلالها، فتركوها للحرِّ و"الغَدَر" وغَدَروا من حيث لا يشعرون!

ثلاثون ساعة يا عدن بلا ضوء وأنتِ الثغر المبتسم وأستاذة المدن، وعِطر البلد، وأغنية العاشقين، ومدينة شعوب العالمين.

أما بائع الآيسكريم فيمنحنا نشاطًا وحيوية، ويضفي علينا بجرس عربيته الصغيرة من مَرَح أغنية الآيسكريم المحببة..".

ثم أن القطعة الواحدة من الثلج المحلّى بالشوكلاتة والحليب واللوز، تلطّف حين مضغها من الحرّ اللاهب الذي تمنحنا إياه كهرباء الحكومة "المطفأة" طيلة النهار.

بصراحة صورة بديعة لبائع الآيسكريم وهو يتجوّل بعربيته، في الأزقة والحارات، يرفع صوت جرس الموسيقى، وسط صمت الكهرباء المريب، إنّهُ يهبُ لنا بردًا وسلامًا، بينما تهب لنا الحكومة حرًّا وظلامًا.

قال عدنيٌّ شائب يريدون أن يقتلوننا بالحرّ، بدلًا من الرصاص! هل صدق العدنيُّ في مقالته؟ قاتلكمُ الله من قومٍ لا يرحمون..

ماذا ستقولون لربنا يوم القيامة، وأنتم تقفون في العرصات.. وقد قامت عليكم الحُجّة وقرأتم في القرآن.. ((وقِفوهم إنّهم مسؤولون)).

*نقلاً عن جريدة الأيام

مقالات الكاتب