اليمن ومعضلة "ﺣَﻼّﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ"..!؟

ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﺃﺟﻤﻊ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺷﺨﺺ ﻟﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﻢ ﺃﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﺐ ‏(ﺣﻼﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‏)، وفي يوم من الأيام كان عند أحد  ﺍلمزارعين( ﺛﻮﺭ) ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳسقيه ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻳﺮ ‏(ﻭﻋﺎﺀ ﻳﺤﻔﻆ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺎﺀ) ﻓﺄﺩﺧﻞ الثور  ﺭﺃﺳﻪ في الزير ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺇﺧﺮﺍﺟﻪ، ﺍﺣﺘﺎﺭﻭﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ لحل المشكلة، فقالوا ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺓ "ﺣﻼﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ"، وحين وصل حلال المشاكل متبختراً قاﻝ:


ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺫﺑﺢ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺭﺃﺳﻪ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﺬﺑﺢ ﻗﺎﻝ: ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻛﺴﺮ ﺍﻟﺰﻳﺮ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻣﻨﻪ، ﺛﻢ ﺃﻣﺮ بعد ذلك ﺑﻬﺪﻡ ﺟﺪﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻟﻴﺘﻢ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻐﺮﺽ ﺳﻠﺨﻪ، ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻠﻴﻞ، وضل ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ﺍلرعوﻱ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺳﺎﻫﺮﺍً، ﻓﻘﺎﻟﺖ له ﺯﻭﺟﺘﻪ: ﻻ ﺗﻘﻠﻖ ﻭﻻ ﺗﺴﻬﺮ ﻭﻻ ﻳﻬﻤﻚ ﺷﻲﺀ، ﺍﻟﺜﻮﺭ سنشتري ﺛﻮﺭاً بدله، فقاﻝ ﻟﻬﺎ : ﺃﻧﺎ  ما يهمنيش ﺍﻟﺜﻮﺭ...ﻗﺎﻟﺖ: ﺍﻟﺰﻳﺮ  ﻧﺸﺘﺮﻱ ﺑﺪﻟﻪ...ﻗﺎﻝ: ﻋﺎﺩﻱ ﻣﺶ مهم ﻣﺎ ﻳﻬﻤﻨﻴﺶ ﺍﻟﺰﻳﺮ ...ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ لا تهتم به، ﻣﻌﻲ ﺫﻫﺐ، ﺳﺄﺑﻴﻊ ﺑﻌﻀﻪ ﻭﻧﺒﻨﻲ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ... ﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﻳﻬﻤﻨﻲ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ... ﻗﺎﻟﺖ :ﻃﻴﺐ ﻟﻴﺶ ﺃﻧﺖ ﺳﻬﺮﺍﻥ ﻭﻗﻠﻘﺎﻥ... ﻗﺎﻝ : ﺃﻧﺎ ﺃﻓﻜﺮ ﻟﻮ ﻣﺎ ﻓﻴﺶ معنا( حلال مشاكل)... ﻛﻴﻒ ﻛﻨﺎ ﺑﻨﻌﻴﺶ ﻭﻧﺤﻞ مشاكلنا...!!


إلى هنا انتهت القصة ولم تنتهي العبرة، بالتمعن في القصة السابقة نجد أنها تحاكي واقعنا اليوم في اليمن تلخص المشهد وتحلل الواقع في أبسط صورة وتعبير، بالعودة للقصة نرى أن لها شخصيات رئيسية وهي : الرعوي وزوجته، وحلال المشاكل، والثور،والزير، والجدار، بتحليل هذه الشخصيات والمسميات ومحاولة ربطها ومقارنتها بالواقع اليمني نجد أن،  الثور هو الشعب، والزير هو الوطن، والجدار هو الجيش، الرعوي وزوجته فئتان من الشعب، الأولى لا تفهم الواقع بحقيقته وتلهث وراء العاطفة فقط، تغرد خارج السرب، وتنظر بعين واحدة، لا تهتم بالوطن ولا بالشعب كاهتمامها بأشخاص وكيانات، خطرها طويل الأجل ينذر بحروب لا تبقي ولا تذر مع أنها من ضمن الخاسرين في كل المشاكل والصراعات، والأخرى فئة من الشعب، تعرف الواقع وتفقه في الوطنية والوطنيون،  همها الأول الوطن، تجعل مصلحة الوطن فوق كل مصلحة شخصية أو فئوية ، تتحمل الألم، وتحمل الأمل بمستقبل أفضل ، هي سياج الوطن المنيع، وآخر خياراته في سبيل خلق السلم والسلام.


بقي لنا الآن( حَلاّل المشاكل) - الله يهديه- ترى من سيكون مطابقاً له في واقعنا اليمني اليوم؟ للقارئ فرصة وحرية وضع صفة حلال المشاكل في من يراه مشابهاً له في الواقع اليمني اليوم، ولكن لا بد لي أن أورد وجهة نظري ورأيي في ذلك،( فحَلّال المشاكل) الوارد في القصة أعلاة يُعَبّر عن أكثر من شخص أو فصيل، فبالنظر للواقع اليمني المأساوي والفضيع الذي يشهد على ذلك، نجد أن( حَلّال المشاكل )تنطبق وبدرجة أولى على المبعوث الأممي جمال بن عمر، لأنه خلال فترة عمله باليمن لم نلق منه خير، ولم يحقق أي تقدم في العملية السياسية، دخلت اليمن في اضطرابات وصراعات وحروب ومآسي، ولم يكن له في حللة ذلك أي دور، لقد كان ديكور أممي فقط، وطالما كان يغرد في كل التقريرات بأن الوضع في اليمن في تقدم حيث أن الواقع يكذب كل ذلك، لقد ظلل العالم عن كل ما يجري في اليمن بحواراته ولقاءاته التي لم نرى منها خيراً  أو مصلحة ، لماذا فعلت بنا هكذا يابنعمر ونحن أشقاء؟ يا للأسف، لو كان جاداً في عمله  وحريصٌ على مصلحة اليمن لما وصل الحال بنا إلى ماهو عليه الآن، لا دولة، ولا رئيس، ولا حكومة، سؤال فقط يكفي أن يجيب عليه جمال بنعمر... ماذا حقق لليمن ولليمنيون من خير أو مصلحة؟


وصفة حلال المشاكل تنطبق أيضاً على  الرئيس السابق صالح، والرئيس المستقيل هادي، وعبد الملك الحوثي، ماذا حققوا لليمنيين من أهداف وأحلام كانوا يطمحون إليها، ماذا حقق صالح طيلة فترة حكمة التي نافت على الثلاثين عام، غير الفقر والبطالة والحروب والصراعات، وماذا حقق أيضاً الرئيس المستقيل هادي ففي عهدة دخلت اليمن في مستنقع لم يسبق لها من قبل أن دخلته، حروب ومآسي حلت بالمواطنين وهو يشاهد دون أن يحرك ساكناً، في ظلة طغت الميليشيات، وسقطت صنعاء واليمن، وكذلك عبد الملك الحوثي الذي أسقط الدولة، وشتت الوطن، ونشر الخوف والرعب بين الناس، والذي كان سببا في دخول اليمن في أسوأ حقبة في  تأريخه،  لقد كان سبباً في اضمحلال الدولة، وتلاشي ملامحها ، فلو تحلى صالح وهادي والحوثي بروح المسئولية الوطنية، لما وصل الحال بنا اليوم من اللادولة، والفراغ السياسي، والنكبات، والحروب، والاقتتال، والفرقة والشتات ، وأيضاً كي نبقى في حيز الحياد ، فإن صفة حلال المشاكل تنطبق أيضاً على القوى والأحزاب السياسية، فلو كان لها دور فعال ومسئول، ونبذوا أي اختلاف في ما يخص مصلحة الوطن والمواطن لما وصلنا إلى هذا الحال من التشظي والدمار، لو جعلوا مصلحة الوطن فوق كل مصلحة شخصية كانت أو حزبية، لصرنا في أمن ومحبة وسعادة وسلام، يبقى لنا في الأخير أن نستجير بالله ونلوذ إليه أن لا يرينا( حَلّال مشاكل) مستقبلاً كحال ما ورد في القصة السابقة ، نسأل الله الخير والسلام لوطننا الجريح اليمن الحزين، اللهم أنصر اليمن وشعبه على كل شيطان وحزبه.
"فضلاً لا تنسوا المصطفى من الصلاة وأبي من الدعاء"
[email protected]

مقالات الكاتب