الوحدة..والتجزئة..والفدرلة!!

 لماذا الوحدة ولماذا التجزئة ولماذا الفدرلة؟ فحين ينافح البعض منا على بقاء اليمن متوحدا بناء وصيغته الاندماجية القائمة ؛ فعلى هؤلاء ان يحدثونا بلغة شفافة وواقعية تحترم عقولنا وتنتصر لمصلحتنا الجمعية .

 

لا نريد كلاما وعضيا ومثاليا ؛ كأن يقول أحدهم : الوحدة أمر منزل من رب السماء ، الوحدة فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، وبما إنها فرض فلا يجوز التفريط بها وان استدعى ذلك القتال ، الوحدة منجزا تاريخيا جدير بالزهو والفخر بكونه قيمة حضارية وقومية ومجتمعية ناضل وضحى من اجله كثير من اليمنيين .

 

لتكن الوحدة بهذا المعنى والقداسة ، لكننا نود من المتحمسين الغيورين جدا على صيرورة التوحد وعلى ذات المنوال الحالي ؛ لأن يحدثونا وبكل صدق وتجرد من أية انانية ؛ عن ماهية الوصفة السحرية التي يمتلكونها وبمقدورها اعادة الاعتبار للوحدة والمتوحدين ؟ .

 

لا نريد ان يكون الكلام فضفاضا وانشائيا وسفسطائيا وراديكاليا ودينيا وتاريخيا ! فمثل هذه الخطب العصماء لطالما ظلت وصفة مخدرة ومسكنة لمجتمع علته ووجعه إنه لم يضع يده على مصدر سقمه المزمن ، فلجأ للمسكنات والتلاوات علها تبرأه وتشفيه وهي ليست كذلك .

 

لنفترض بالمقابل أن استعادة دولة الجنوب الى حدود ما قبل 22 مايو 90م بات أمرا ممكنا ووشيكا ويجب التسليم به غدا أو بعد أشهر ؛ فهل استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية على كامل مساحتها وسيادتها سيكون نهاية عادلة وحاسمة لمشكلات وازمات جنوبية شماليةأم ستكون هذه التجزئة بداية ومستهلا لمشكلات وازمات جنوبية جنوبية ؟.

 

دعكم من الكلام العاطفي الانفعالي السفسطائي العبثي ، ومن هذه الحماسة الثورية التي يتحدث بها باعوم او الحسني أو السنفرة أو الخبجي أو غيرهم من الحاملين لراية فك الارتباط واستعادة دولة الجنوب ، أو تلك اللغة التي يخطب بها الشيخ صادق الاحمر أو الشيخ الحزمي أو غيرهما من الخائضين في مثالب الردة والارتداد عن جمهورية واحدة لا مكان لها في وجدان وواقع الكثير .

 

نعم ؛ لنتحدث عن التجزئة والتوحد بكونهما فكرتين سياسيتين قابلتين للنقاش والتحاور لا باعتبارهما فكرتين راديكاليتين متزمتين رافضتين لمنطق النقاش والحوار ، وحدة وتجزئة بكونهما فعل بشري غايته الاسمى منفعة المتوحدين لا وحدة وتجزئة باعتبارهما قدرا مقدرا لا صلة لنا به او مصلحة البته .

 

التوحد بصيغته القائمة المشوهة والقاتلة لروح التوحد المجتمعي ذاته ؛ بكل تأكيد لن ينفع معه هذا الاصرار العجيب على مواجهة ازمة معقدة ومركبة كالوحدة السياسية التي يتم تسويقها وكأنها ليست سوى ازمة بسيطة وعابرة يمكن سبرها ومعالجتها في كنف دولة مركزية توحدت قبل عقدين ونيف وأية حديث عن صياغة جديدة لوحدة اليمن يعد خطوه رجعية على طريق تجزئة وتفكك البلاد الى أكثر من كيان ومسمى .

 

كذلك هي التجزئة حين تصير هروبا من مشكلات التوحد ، فما أراه في الجنوب اليوم لا يجعلني أطمئن بان الحل الوحيد يكمن في استعادة دولة الجنوب دون سواه من الحلول المتاحة ، فمثل هذه الاصوات العالية سخطا وغضبا وحماسة تذكرني بذلكم الاندفاع العاطفي الحماسي لوحدة سياسية غير مدروسة النتائج والعواقب ، إنني وكلما نظرت الآن جنوبا ؛ رأيت الامس يعيد نفسه وان بقالب وهدف مختلف اليوم ، إنه الهروب الجامح ذاته الذي دفعنا ثمنه باهظا ومازلنا ، ومع كل هذا الثمن المكلف يراد منا الهرب بذات الطريقة الفجة والغبية التي ذهبنا فيها الى توحد نجهل منتهاه .

الفدرلة باعتقادي افضل وانجع طريقة ، ففي الحالتين التوحد والتجزئة على هذه الصورة النمطية السائدة منذ عقدين تقريبا لن يكونا حلا ناجعا ومطمئنا يمكن البناء عليه في قادم الزمن  ، وعندما نقول بدولة اتحادية ؛ فلا يعني ان قولنا منزها لا يشوبه غبار أو خطأ ، لكني هنا فقط اعبر عن وجهة نظر وسط وثالثه قد لا يستسيغها أيا من الطرفين الرافضين للتوحد أو التجزئة .

 

في نهاية المطاف اجدني مؤيدا وداعما لفكرة الفدرلة للدولة اليمنية الواحدة ، لا أقول هذا الكلام لمجرد الاستهلاك أو المزايدة ؛ بل مرد ذلك قرأه تاريخية وموضوعية وبحثية لمشكلات وازمات اليمن قديما وحديثا ، فكلما غصنا في اعماق المشكلات المجتمعية كانت الخلاصة واحدة وناتجة عن هيمنة طائفة أو جماعة أو قبيلة أو منطقة أو سلالة أو شخص على السلطة والقوة والقرار بل ووصل كثيرا الى الاستئثار بثروة ومقدرات البلاد والعباد .

 

معضلة اليمن واليمنيين تتمثل بتركز سلطة اتخاذ القرار بيد شخص وفي مكان  واحد ، توزيع هذه السلطة والقوة والثروة والقرار هو مشكلة الحاضر والماضي – وايضا – المستقبل في حال بقت عقلية الاستئثار غالبة ومهيمنة على ما دونها من افكار تشاركية ، لنضع مسألة الشراكة الحقيقية في السلطة والقوة والقرار في موضع جدي بعيدا عن العنتريات الزائفة وبمعزل عن الثوابت الجامدة ، حتما سنجدها مجتمعة في دولة اتحادية مغايرة كليا لتوحد مختل ومشوه أو تجزئة لا تتناغم مع ايقاع الزمن الراهن والقادم.

مقالات الكاتب