الهوية العدنية والتنابز بالألقاب
في سوق البز بكريتر، وبعد ان اشترينا قطعة قماش من بائع يبدوا من هيئته من أبناء عدن، ذات الأصول الهندية، دلنا على الخياط، قائلا اذهب اليه وقول له ارسلنا فيزان الهندي، اثار فضولي وقلت من فين من الهند، وكنت متوقع الإجابة لا يعرف، فقلت له انت فيزان العدني، الست من أبناء عدن اباً عن جد، قال نعم من حافة حسين، ولماذا لا تفتخر بعدنيتك، كل المناطق القبلية هي خليط ونقائل بين أبناء الوطن والمنطقة العربية، ولكنهم لا يتذكرون الا منطقة مسقط الراس، اليافعي الذي انتقلت اسرته لحضرموت هو اليوم حضرمي، والذماري والمريسي والقعطبي الذي انتقلت اسرته للضالع هو اليوم ضالعي، والرداعي والبيضاني الذي انتقلت اسرته ليافع هو اليوم يافعي، و في عدن مجتمع انصهرت فيه اعراق وثقافات وطوائف وديانات ، لتشكل مجتمع مدني حضري من عدة أصول وجذور، تفوقوا فيه على انفسهم، واجتازوا التنابز بالألقاب القبلية، والاختلافات المذهبية، وتعايشوا تحت مظلة نظام وقانون، بتسامح وسلام، حينها كانت عدن متميزة وتفوقت في كل المجالات.
عدن مدينة ومدنية، مجتمع حضري، الفارق الثقافي والحضاري بينها وبين محيطها القبلي من الأرياف شاسعا بهوته الزمنية والثقافية، التي نشأت من خلال انصهار كل الثقافات والاعراق والعقائد والطوائف في بوتقة المجتمع المدني، وتعايشا بسلام، معتنقين ثقافة روح القانون، بفوارقهم الفكرية والثقافية والأخلاقية، والرؤى الخلاقة، وبهذا تشكل ذلك المجتمع المدني في عدن، وشكل معه الهوية العدنية.
تلك الهوية التي يجب ان يفتخر بها كمسقط راس، في ظل التفاخر اليوم والتنابز بالألقاب القبلية والمناطقية، يفتخر كل عدني مولود على هذه الأرض، وكل من تربى في كنفها، وتشرب ثقافتها المدنية، واكتسب سلوكها في التعايش مع التنوع والتعدد لمحتوى المجتمع العدني، وكل من انصهر في هذا المجتمع، ويرفض السخرية من الاعراق والثقافات الأخرى، يرفض التنابز بالألقاب القبلية لهدف التعالي والجاه، والسخرية من الاخرين، يرفض النزعات المناطقية والطائفية والعنصرية والكراهية التي تدمر المجتمعات الحضرية.
اذا كان لابد من مواجهة التنابز والتفاخر بالألقاب القبلية، التي تفرضها علينا القبيلة اليوم ، و تعكر صفو مدنية عدن، يستدعي مننا ان نحافظ على الهوية العدنية، و من حقنا ان يكون لنا مكونات عدنية ومنتديات عدنية ومنظمات اجتماعية عدنية، تحفظ وترعى التراث العدني والثقافة العدنية والحضارة والمجتمع المدني الذي تتميز به عدن ، دون تحسس من الاخرين، بل يفترض ان تكون عدن بحكم تفوقها رائدة تقود أي تحول سياسي وثقافي، تكون مثل يحتذى به، ولن تكون كذلك الا اذا ما اعطي لها حقها في إدارة شؤونها من كوادرها ذات الكفاءة، ومع الأسف يتعرض اليوم أبناء هذه المدينة للتعسف في حقوقه، ينافسهم الاخرون في الوظائف، ويجدون انفسهم مهمشين، والفرص متاحه لغيرهم، وأبناء عدن على قوائم البطالة بكل مؤهلاتهم وكفاءاتهم، لا فرص للعدني في مدينته او في منطقه أخرى، المفترض ان من الحق المكفول دستورا للوظائف الخاصة بعدن لأبنائها، اهل مكة ادرى بشعابها، واهل عدن ادرى بخصوصية عدن، على كل عدني ان يفتخر بعدنيته، كما يفتخر الاخرون بقبائلهم، و يجب ان يدير عدن من يفهمها، ويراعي خصوصيتها وهويتها الثقافية والمدنية ، وهو حق مكفول دستورا وفق الخصوصية الثقافية والحضارية للمدينة.