الطارئون سيرحلون

الطارئون سيرحلون ، فمثلما جاؤا غفلة وفي أشد اللحظات قتامة وانكسار  سيذهبون ولن يتذكرهم النَّاس إلَّا كمأساة ونكبة حلت باليمن واليمنيين .

لا يغرنَّكم أن سطوا أو سادوا فما ينفع النَّاس يمكث في الأرض ، وعداه مجرد غثاء وزبد سيتبخر ويزول فلن يحتمل ضوء نهار أو نسمة هواء عابرة ...

اليمن ستبقى ولن تزول ، والذين آثروا الطغيان والهيمنة والجبروت ربما أنهم جهلوا تاريخ هذا البلد الزاخر بالعنف والاضطراب والسطوة ، فلو أنهم اعتبروا من أسلافهم لما أوغلوا في حروب وصراعات قاتلة ومنهكة ..

في المنتهى لن تدوم غير الأفعال العظيمة وغير الأفكار الكبيرة ، وعدا ذلك كل فعل مهما كبر وتضخَّم سيمحى من ذاكرة الأجيال ومن سفر تاريخهم ..

إذا سألت أحدكم الآن : كم رؤساء وملوك وتبابعة وجبابرة سادوا في هذه المساحة التي يمتد تاريخها إلى اللحظات الأولى من التكون البشري ؟ بالكاد يستذكر اسما أو أثنين أو ثلاثة ، فمعظم الحُكَّام سادوا ثم بادوا ولم يعد أحد يتذكرهم ، فليس هنالك من متسع لغير الفضائل والانجازات الكبيرة التي تستوجب الفخر والإعتزاز .

المسألة برمتها من ينجز ويصنع الفارق ؟ ومن يضع اليمن وشعبه في مضمار التاريخ الحضاري الانساني المتطور والمزدهر ؟؟ بهذه الإجابة فقط نستطيع أن نمايز بين ذا وذاك ، بين من يحمل أحلام اليمنيين وينتصر لآدميتهم وكرامتهم وبين من يئد  تطلعاتهم ويقضي على آمالهم ويمعن في تمزيق نسيجهم ؟؟؟.

نعم سقطت بيحان وقبلها الزاهر وذي ناعم في البيضاء ، لكنها مجرد عنوان جانبي لموضوع طويل وشائك وبلا منتهى ، فصنعاء سقطت مرات ، وعدن سقطت ، واليمن سقط ومازال أسيرا لسقوطه الدائب  .. 

وماذا تعني سيطرة الحوثيين على بيحان أو البيضاء إذا كانوا سيطروا على صنعاء ، بل وعلى معظم مساحة اليمن ؟؟ وماذا يعني تحرير صنعاء من قبل أقارب صالح إذا كانوا حكموها ثلث قرن ويزيد ؟؟ .

وماذا يعني استعادة دولة الجنوب إذا كانوا سيطروا وحكموا لكنهم في المنتهى عجزوا عن بناء دولة مدنية مستقرة ومزدهرة لكل الجنوبيين ؟.

وماذا يعني سيطرة الشرعية وعودتها إلى اليمن إذا كانت لم تستطع حفظ ذاتها وكبرياءها ؟ فلقد أثبتت الأعوام الماضية أنها أعجز مما يتصور اليمنيين  ، وعلاوة عن عجزها وضعفها القيادي كان تصرفها مناطقيًا ووقحًا وفاضحًا ودالًا عن سوءة أعظم من كونها مجرد بيضة فاسدة من غراب رديء .

ووسط هذه المسميات الطارئة انشغلنا وشغلنا عوام النَّاس ونخبهم في متاهة العنف الذي غايته السلطة بما تعني من هيمنة ونفوذ وطغيان واستعباد ..

والمؤسف حقًا أننا لم نتعلم من أخطاء وتجارب ماضينا المليء بالعنف لأجل الاضطهاد والإقصاء والهيمنة والجبروت ، فماذا يعني سقوط صنعاء وماذا يعني تحرير عدن ؟ .

إذا لم تكن غاية الأثنين دولة يمنية حديثة نقيض كل الدول التي سادت هنا ؛ فلا معنى ولا قيمة لكل الدم النازف ولكل هذا الخراب والدمار الحاصلين ..

وبكلمة وجيزة : لماذا يحدث ما يحدث ؟ هل هو لأجل دولة يمنية عادلة أم أنه لإعادة اليمن وشعبها إلى ماضيهما الزاخر بالعنف والاضطهاد ؟.

دعكم من الشعارات والخطابات والموعظات ، فما من فئة وفصيل الَّا ويدعي وطنيته وأفضليته وجدارته ، والحقيقة المُرّة أنه ما من أحد منهم يمكن الإطمئنان له كطليعة يمكنها صناعة التحول التاريخي الذي يستحقه اليمنيين عامة .

نعم ، هذه الرايات المرفوعة وهذه الخطب الصادحة الآن مجرد معارك ثانوية أقل بكثير من معركة الوطن والدولة ، كما وهي أدنى بكثير مما يروم له اليمنيين الذين سئموا الموت ، وملَّوا النفي والإغتراب ، وآن لهم أن يروا وطنهم مستقرًا ومزدهرًا ..

 شخصيًا لا أرى في جُل الفصائل المتناحرة الآن حلًا لأزمات ومشكلات اليمن ، فجميعها تخوض معارك خارجة عن سياق معركة اليمن التي يجب أن تكون من أجل دولة مدنية ديمقراطية حديثة عادلة متحررة من أغلال الماضي والحاضر معًا.

فلا معنى للتضحيات الجِسام إن لم تكن غايتها  دولة عادلة للجميع وبلا استثناء ، دولة تسود فيها ثقافة التسامح والتعايش والمواطنة المتساوية والإنجاز ، دولة تزول فيها كليًا عقلية الهيمنة والإستئثار بالغلبة الحربية والجبروت والطغيان ..

مقالات الكاتب