المؤتمر وشرف الانفصال

" أشرف للمؤتمر الشعبي العام أن يواري سوءته بتبني الانفصال على ان ينافح عن وحدة لم يستطع حفظ كينونتها وهو بكامل قوته وسطوته " لست قائل هذا الكلام ؛ فقائله قيادي مؤتمري طالما رأى في انضمامه لتنظيم الحاكم واقعية تستحق عناء المجازفة ببعض من مبادئه اليسارية الوسطية ومن تاريخه المتواضع الناضح بالنبل والصدق والنزاهة واحترام ذاته .

 نعم لفظ جملته في أُذني ومضى في سبيله ساخطا هازئا ربما من اصوات زملائه السابقين المناهضين الآن وبشراسة لفكرة استدامة التوحد وبقالب فيدرالي غير مركزي استبدادي جهوي مثلما يراد فرضه من هذه القيادات المؤتمرية الماضوية التي فشلت في حفظ التوحد ، وتجهد نفسها اليوم كيما تفشل العملية السياسية .

لا اعلم سببا لثورة صديقي الذي عُرف بنزاهته وكياسته المفرطة التي جعلته موضع توقير وقبول محيطه المجتمعي والنخبوي ؛ لكن الواقع المشاهد فيه ألف سبب ومبرر كفيل بإخراجه عن طوره وليس فقط ليتحرر المرء عن صمته ووقاره او كي يسخط ويغضب ويثور .

فيكفي ان تصغي لسلطان البركاني او يحيى الراعي او الكحلاني او الزوكا او سواهم من المتخندقين في مناوئة ثورة الشباب وعملية الانتقال ووثيقة الحلول والضمانات للمسألة الجنوبية وللعدالة الانتقالية وهيكلة الجيش ، لتدرك ماهية العبث الحاصل من الزعيم واعوانه المستميتين في معركة حفظ الوحدة ؟ ودون ماض يشيء بفعل وحدوي مشرف .

فهذا الزعيم كان رئيسا للبلاد ، ولديه سلطة مطلقة يحسده عليها الملوك ؛ومع هذه ثلاثة عقود ونيف في الرئاسة والسلطة لم يعر هذه الوحدة اهتمامه وجهده ، فضلا عن الدولة الواحدة التي لم تقم لها قائمة او مؤسسة او خدمة ومصلحة في عهده الميمون المنهمك كليا في حفظ وديمومة سلطانه وفي بناء امبراطورية العائلة المجيد .

الحال ينطبق على رموزه واعوانه الفاسدين الحاملين لراية الوحدة فيما حقيقتهم انهم كانوا وزراء ومحافظون وسفراء ورؤساء هيئات ومؤسسات ومصالح حيوية ، ومع مواقعهم ونفوذهم لم نلمس منهم فعلا وطنيا ووحدويا يشفع لهم حمى الخوف والقلق على اليمن الواحد والتاريخ والشعب الموحد ين .

لا الوم صاحبي إذا ما اطلق لعنان لسخريته وصبره ، فهؤلاء القادحين الساخطين من مؤامرة الفدرلة إنما يقصدون بذلك حفظ الوصاية التاريخية المتجسدة بهيمنة المركز المقدس وقواه التقليدية المحتكرة للسلطة والقوة والنفوذ وحتى منح تأشيرة السفر وبطاقة مزاولة العمل أو الهوية .

الوحدة أعدها صنيعة الرجال العظام ، كما والمنجزات العظيمة صنيعة المجتمعات المتحدة ، هذه البلاد يعوزها رجال كبار لا اناس اقزام ، يستلزمها ساسة الواحد منهم يضاهي الفا ومليونا لا العكس بحيث يصير الالف والمليون لا يساوي رجلا واحدا ، كذلك هي الوحدة حين يكون دعاتها وحماتها ادنى من حمل مشروعها الكبير وأقل بكثير من فكرتها المحققة للمعجزات والملهمة للملايين . فكل قوة ضعيفة ما لم تكون موحدة لغاية عظيمة ، أو كما قال الشاعر : والنَّاس أَلفُ منهم كواحدٍ ..وواحدُ كالأَلفِ إِن أَمرٌ عَنَا .


مقالات الكاتب