مشايخ أكلوا جمهورية !!

قال لي معاتبا : مازلت يا محمد مع مؤتمر الحوار ؟ صدقني لن يفلح مؤتمر مع هؤلاء – يقصد الشماليين – وسيكون مآل مؤتمر الحوار أشبه بثورة الشباب ، وبوحدة البلاد ، وبثورة سبتمبر وجمهوريتها ، فكل هذه المسميات الكبيرة تم احتواءها والالتفاف عليها من اساطين ما قبل الدولة ، والنظام ، والثورة ، والجمهورية ، والوحدة ، والدستور ، وغيرها من الاشياء الغريبة الدخيلة على جغرافية ومجتمع مازال خارج سياق التحضر والتمدن والتدويل والتوحيد " .

مثل هذا الكلام لا أعده جديدا فلطالما سمعته أو قرأته ، خذوا مثلا ثورة الضباط الاحرار 26سبتمبر 62م ، فهذه الثورة وبعيد نصف قرن عجزت جمهوريتها عن تحقيق هدفها الاول المعلن في بيانها المذاع لجماهير الشعب بدءا من يوم 28سبتمبر ، فلمن لا يعرف الهدف الاول هاانذا أعيد كتابته مثلما تم اذاعته من اذاعة صنعاء طوال الايام اللاحقة لثورة 26سبتمبر "   القضاء على الحكم الفردي المطلق وكذا على النفوذ الاجنبي " .

لست هنا بمقام المنافح او القادح لمؤتمر الحوار ، لكنني ومن خلال قراءتي لتاريخ ثورة سبتمبر أجدني قلقا وحائرا من تكرار منوال الاخفاقات والهزائم المثبطة لمسيرة جمهورية سبتمبر في الشمال وذلك قبل ان تصير معيقة ومعرقلة لنهضة الجمهورية الواحدة التي مازال مصيرها رهن مؤتمر الحوار إذا لم نقل مرحلة الانتقال عامة .

اعتقد انه وما لم يتم تصحيح الخطاء الكبير الذي وقع به الضباط الاحرار ؛فإن مؤتمر الحوار سيكون مآله مآل مؤتمرات الامس البعيد في عمران ، وخمر،  وصنعاء ، وحرض ، وغيرها من المناطق التي شهدت مثل هكذا مؤتمرات ، أو لقاءات واتفاقات بين الفرقاء السياسيين ، فطوال سنون ما بعد ثورة الضباط وهذه الجمهورية الفتية في مرمى سهام الفرقاء المختلفين ، فسواء المتجمهرين او المتملكين ، فكل واحد منهما أخذ ينهش ويبيع ويستملك ويتحكم بمقدرات هذه الجمهورية الناشئة .

هذا الخطاء حصل وفي وقت حرج كان يستلزمه تحالف ما بين قادة الثورة الجدد على السلطة وبين اشياخ القبيلة والوعظ التقليديين المستحكمين ببوصلة مجتمع منغلق بجهله وفقره وتقاليده واعرافه ومعتقداته الموغلة بالعبودية والاضطهاد والولاء الاعمى ، وقتها ربما لم يدرك الضباط الاحرار أنهم كمن يستجير من طاغية مستبد واعوانه الظلمة بشيوخ مال وسلطان ونفوذ ،ربما غفل قادة هذه الثورة بانهم كمن يمد يده لفاه وحش متربص بفريسته لا كمن يمتطي صهوة جواد وديع وأليف .  

وإذا كان الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي قد غفل هو ايضا ، أو انه استهان بقوة وتأثير اشياخ القبيلة والمذهب الذين افلح بتقليم نفوذهم وسطوتهم على الدولة والجيش ولو لوقت قصير لم يمكنه من اتمام مهمة بناء الدولة  ؛ فإن المشير السلال وزملائه الاحرار اعطوا هؤلاء فوق ما يستحقون من الاهتمام والسلطان ،  النتيجة بالطبع كارثية ومثقلة لكاهل الدولة والتوحد ، وللتعددية والديمقراطية ، وللحوار وللمرحلة الانتقالية .

 

 فيكفي الاشارة هنا الى " منح المشايخ سلطة ونفوذ توازي سلطة الحكومة والدولة ، حدث ذلك وعلى غفلة من الزمن ، إذ ان إنشاء مجلس الدفاع من مشايخ القبائل – مشايخ الضمان - وتفويضهم الدفاع وحماية المناطق الحدودية كان من نتائجه رفع من دور المشايخ في الحياة السياسية وهذا بدوره خلق بيئة صالحة للنزاعات المحلية ، كما واوجد ازدواجية السلطة"  .

 " فمن مشايخ الضمان تم انشاء مجلس الدفاع ليتساوى الشيخ مع الوزير الحكومي ، وبتفويض من مجلس قيادة الثورة توجب على الشيخ ممارسة سلطة القرار على المنطقة الواقعة في نطاق نفوذه " *. هذه السلطة الممنوحة للمشايخ جعلت الكثير من الباحثين والمؤرخين لتاريخ اليمن الحديث حائرين بل وهازئين من هذه الخصوصية اليمنية العجيبة التي تميزت بها وثيقة ثورة سبتمبر التي هي بمقام الدستور حينها .

البعض عد اشراك المشايخ في النظام الجديد ضرورة لا مناص منها بالنسبة للضباط الاحرار وفي واقع ملتبس ومعقد ، ومع كل هذه المبررات الموضوعة اليوم لا أظن ان احدا بمقدوره دحض حقيقة ما حدث لهذه الثورة والجمهورية من انتكاسة مميتة وقاتلة جعلتها وحتى اللحظة غير قادرة على اقامة الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها وقوانينها وانظمتها .

 فمثلما كان مشايخ القبيلة قوة مقوضة لكل حكومات جمهورية سبتمبر التي تم افراغها من محتواها بانقلاب 5نوفمبر 67م الذي كانت المشايخ وقواها القديمة قد استولت على هذه الجمهورية الى ان جاء الرئيس الحمدي الذي شرع بتأسيس هذه الدولة إلا ان الوقت لم يسعفه ،إذ كانت القبيلة قد استجمعت قواها ثانية منقضة على رأس الدولة ، ومقوضة لمشروعه التغييري ، ومستولية على كامل مقدرات وامكانيات الدولة .

فلم يأت التوحد إلا وقد استحوذت القبيلة على كامل جمهورية الشعب في الشمال قوة وثروة وسطوة ؛ بل وزادت بابتلاعها لدولة ومؤسسات كانت قائمة في الجنوب ومن خلال حرب مأساوية مازالت تبعاتها الكارثية تلقي بظلالها على الحاضر البائس المراد تجاوزه والخروج منه ولو اقتضى الامر مشاركة ذات القوى المنهكة والمدمرة للثورة والجمهورية وللدولة وللوحدة .

في تناوله سابقة كنت قد طرحت سؤال واقعي ومنطقي مفاده قدرة ثورة 11 فبراير 2011م على تصحيح معادلة مختلة عمرها من عمر ثورة سبتمبر  ! فمما يحسب لثورة 14أكتوبر 63م هو أنها وحدت 23كيانا - أشبه بكانتونات اقطاعية مستملكه من 23سلطان وامير وشيخ – وفي كيان واحد ، ودولة واحدة ذات سيادة وقوة وسلطة مهابة ونافذة على كامل ترابها وشعبها وحدودها .

نعم دولة قد نختلف حول طبيعة انظمتها المتعاقبة ، وكذا حول مآلها الحزين والمؤلم الذي آلت اليه الآن ؛ لكننا وعندما نتأمل وبموضوعية وتجرد ما حققته وانجزته ثورة اكتوبر من دولة ومقارنتها بثورة سبتمبر وما حققته ؛ فإننا لا نجد ثمة مقارنة بين الدولتين .

الفارق ما بين الاثنين يمكن العثور عليه وبكل سهولة وفي مؤتمر الحوار ، فمشايخ وسلاطين وامراء الجنوب بالكاد تسمع صوت احدهم قائلا : اعيدوا لي مسكني .. اريد ارضي المستولى عليها من شيخ نافذ .. اريد استعادة دولة الجنوب .  لا أقول هذا الكلام من باب المزايدة على مشايخ القبيلة في الشمال الذين لا يبدو عليهم انهم سيدعون مؤتمر الحوار يمضي وينجح .

 خذوا مثلا أمير الضالع وعترته التي بالكاد افلحت باستعادة ديارها العتيقة والمتهلهلة ، فبعد شريعة طويلة ومكلفة قدر لها استعادة مساكنها كي تقطنها وتقيم فيها ؛ بل وأكثر إذ كانت هذه العائلة الاميرية ومن منفاها تبرعت وساهمت ومازالت يدها داعمه وممدودة لفعل الخير وللتعليم والصحة ووو الخ ودونما منة او تفضل او دعاية او مقابل او مطالبة بحق او سلطان .

وإذا كان سلاطين واشياخ وامراء الجنوب بالكاد الواحد منهم تسمعه مطالبا بدولة ونظام ؛ فلماذا يستكثر علينا البعض بمطالبة مشايخ الشمال بالخضوع للدولة ؟ مفارقة صارخة وصادمة ، فمشايخ ركبت الثورة سفاحا واغتصابا فاقترنت تاليا بالدولة مكونة من زواجها منها ثروة ومكانة وقوة ، يقابل ذلك سلاطين ومشايخ وامراء – وايضا – رؤساء سحقتهم الثورة واكلتهم الدولة ولدرجة انها لم تبق لهم شيئا .



اقرأ المزيد من عدن الغد | مشايخ أكلوا جمهورية !! http://adenalghad.net/news/78865/#ixzz2lZSoxIsE

مقالات الكاتب