الجنوب... طريق العودة!

تتسارع الخطوات الجنوبية اليوم باتجاه التقارب الجنوبي، وهي ظاهرة إيجابية يحتاجها الجنوب بعد ما ألم به من متوالية التشرذم التي رافقته منذ سنوات، والتي وصل معها إلى مرحلة خلقت منه مجموعة كيانات منبوذة لا تصلح إلا لتكون أدوات بيد الآخر الإقليمي والدولي، يستخدمها حين تشاء مصالحه ويهملها ويتخلى عنها حين تتطلب ذلك تلك المصالح!

يظهر اليوم بريق أمل يوحي بأن النوايا قد صفت بعدما ران عليها خلال الفترة المنصرمة غبار الشطط والتطرف، وقادتها بعيدا عن الصواب سلاسل التبعية المطلقة، والعود هنا أحمد، مادام سيصب في خانة الدعوة إلى التقارب الجنوبي، التي طالما دعونا إليها وطالما دفعنا أثمانا باهظة لمواقفنا المتبنية لتلك الدعوات!

فشل أبناء الجنوب في تبني مؤتمر يجمعهم على مدى السنوات الماضية، برغم كل المحاولات التي بذلها العقلاء في هذا الجنوب، وتعددت أسباب الفشل، فمنها الموضوعي وأغلبها الذاتي ومنها الإقليمي ومنها المحلي.

في اعتقادي اليوم أن أطراف الشطط والمبالغة في إلغاء الآخر قد وعت حقيقة الواقع، وأدركت أن الجنوب لا يمكن أن تستقيم أعمدة وجوده إلا بالتوافق الجنوبي، وبالتالي فإن ما تشهده بعض العواصم الإقليمية من خطوات جاءت على إثر هذه الصحوة، التي تأخرت كثيرا، وأضاعت الكثير من الوقت والجهد الجنوبي، ولكن يبقى عزاءنا في أنها جاءت!

ولكي نتجاوز أسباب فشل الأمس، فإنه ينبغي علينا أن نبتعد عن الوسائل والآليات والأفكار والسلوكيات التي صنعت ذلك الفشل وتلك الإخفاقات، والتي كان أهمها وأبرزها الفكر الذي يقوم على إقصاء الآخر الجنوبي، وسلوك المزاج في اختيار طرق وآليات التمثيل، التي لم تلتزم باحترام التمثيل الوطني الجنوبي وفقا للمساحة والسكان لمحافظات الجنوب الست، ولم تلتزم بآليات البناء التنظيمي الذي يقوم على القاعدة «من الأدنى إلى الأعلى»!

كما أن من أسباب التقوقع والفشل الجنوبي، هي حرب الأهداف والمشاريع التي تبارز بها الفرقاء في الساحة الجنوبية، وجعلوا منها سيوفاً وتروساً في مواجهة بعضهم البعض، الأمر الذي جعلهم يخلطون بين الأهداف ووسائل تحقيقها، بحيث بات الهدف وسيلة والوسيلة هدف، وتاه في وسط ضجيج تلك السيوف والتروس وصرخات الفرقاء صوت العقل، الذي كان يشكل الأقلية في وسط زحام خطاب الصراع!

اليوم في اعتقادي أن الأرضية تمهدت لفعل جنوبي ناضج، شريطة أن لا يخرج ذلك الفعل من تحت عباءة إقليمية، وان يكون جنوبياً خالصاً، وليس هناك ما يمنع وجود رعاية إقليمية أو عربية أو إسلامية تتولى التوفيق بين الأطراف، ودفعها إلى مؤتمر جنوبي يستوعب كافة القوى على الساحة الجنوبية. فتدخل أي طرف إقليمي في الشأن الجنوبي الداخلي، في ظل الحالة التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام واليمن والجنوب بشكل خاص، لن يكون له أي مردود إيجابي، وسترافقه السلبية وتقضي على جهوده ولو بعد حين!

من ضمن ما عاناه المشروع الجنوبي مفردات الشطط والمبالغة التي تملكت خطاب البعض الجنوبي، والتي مزقت أوصال القوى الجنوبية وأرهقت مسيرة الثورة وعرقلت خط سيرها، حتى كادت تحرفه عن مساره.

لو صدقت اليوم النوايا لفعل جنوبي حقيقي، فإن من أول شروط نجاح ذلك الفعل يكمن في تخلي ذلك البعض الجنوبي عن هذا الخطاب الشطط، والثقافة التي تركع في محراب الأنا، والتي تسوق لمشاريع خلقتها «فوبيا» الصراع الجنوبي الجنوبي الذي ساد فترة مابعد الاستقلال الأول.

 ثانياً، القبول بما تقتضيه الحكمة في هذه المرحلة وإتاحة الفرصة للمشاريع والقوى الجنوبية العقلانية، التي يتناغم خطابها مع أطروحات المجتمع الدولي وقراراته، وتخاطب المتغيرات ولاتهمل هدف أبناء الجنوب في استعادة الحق الجنوبي السليب!

مقالات الكاتب