
الجماعة فرضت جبايات لمصلحة مقاتليها..
مزارعو الفواكه بين "قوافل الحوثيين" وشح المحصول
في تصعيد جديد ضمن سياسات الجباية، أجبرت الجماعة الحوثية مئات المزارعين، بثلاث محافظات يمنية، على تقديم محاصيلهم الزراعية مجاناً لصالح مقاتليها بالجبهات، تحت لافتة تسيير «قوافل غذائية»، في وقت يواجه فيه المزارعون أزمة إنتاج خانقة نتيجة ارتفاع التكاليف، وانهيار البنية التحتية الزراعية.
وبحسب صحيفة «الشرق الأوسط»، ذكرت مصادر محلية مطلعة أن فرقاً حوثية نشطت في الأيام الماضية في مديريات خولان وبني حشيش بمحافظة صنعاء، والدريهمي بالحديدة، ومجز وسحار والصفراء بصعدة، لإجبار المزارعين على التبرع بمحاصيل متنوعة، من العنب والخوخ إلى التمور والرمان.
وبالرغم من ضعف الإنتاج هذا الموسم، أُرغم المزارعون في مناطق خولان وبني حشيش على تقديم كميات من العنب والخوخ، فيما فُرض على مزارعي الدريهمي التبرع بالتمور.
ووفقاً لمصادر زراعية في الحديدة، فإن «القافلة الأخيرة من التمور هي الثالثة خلال أقل من شهر»، مشيرة إلى أن قيادات حوثية تدير ما يسمى «شعبة التعبئة» تشرف على تنظيم هذه الحملات.
وفي معقل الجماعة بمحافظة صعدة، تركزت الإتاوات هذا الموسم على محصول الرمان، الذي يمثل دخلاً رئيسياً لآلاف الأسر. وأكدت مصادر محلية أن الحوثيين أجبروا أبناء قبيلة بني حذيفة في مديرية مجز على تسيير قافلة غذائية مؤلفة من 1200 سلة رمان لدعم مقاتليهم. وقبل ذلك بأيام قليلة، فرضت الجماعة التبرع بنحو ألف سلة إضافية من الرمان للمرابطين فيما يسمى «المنطقة العسكرية السابعة».
مزارعون في صعدة تحدثوا عن «إتاوات مضاعفة هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة»، مبررين ذلك بتوسع عمليات الحوثيين العسكرية وتصعيدهم في البحر الأحمر وضد إسرائيل.
وقال أحد المزارعين من سحار: «لا يمكن لأحد أن يرفض، المشرفون الحوثيون يراقبون زراعة الرمان منذ بداية الموسم وحتى الحصاد لضمان فرض ما يريدونه».
معاناة مركبة
المزارعون اليمنيون يعدون أن هذه الممارسات الحوثية تأتي في وقت بالغ الصعوبة. فإلى جانب الجبايات المتواصلة، يعانون من أعباء كبيرة مثل ارتفاع أسعار الوقود اللازم للري، وتكاليف صيانة المعدات، والرسوم البلدية والإتاوات المتعددة التي تفرضها السلطات الحوثية تحت أسماء مختلفة.
وقال أحد المزارعين في ريف صنعاء إن كثيراً من زملائه اضطروا لبيع منتجاتهم بأسعار زهيدة تحت ضغط الشائعات التي تروجها الجماعة حول انهيار العملة أو زيادة الطلب على المحاصيل. وأضاف: «التهديد والاعتقال أصبحا وسيلة لإجبار المزارعين على القبول».
خبراء ومسؤولون زراعيون يرون أن السياسات الحوثية أسهمت في انهيار غير مسبوق للقطاع الزراعي. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ثلث الإنتاج الزراعي تضرر بشكل مباشر خلال سنوات الحرب بفعل الإتاوات، والمصادرة، وسوء الإدارة.
وأكدت مصادر مطلعة في صنعاء أن الفساد المستشري بين قيادات الجماعة وتنافسهم على تجارة المبيدات الحشرية المهربة والبذور الملوثة أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وانتشار أمراض فطرية وأعشاب ضارة، فضلاً عن تهديدات بيئية وصحية نتيجة الاستخدام العشوائي للمبيدات.
وتقول المصادر إن حملات الجباية تمثل جزءاً من استراتيجية حوثية تهدف إلى تحويل القطاع الزراعي - الذي يعد شرياناً حيوياً للأمن الغذائي في اليمن - إلى أداة لتمويل الحرب، خصوصاً في بلد يستورد ما يقرب من 90 في المائة من احتياجاته الغذائية، ويعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ويرى محللون أن استمرار هذه السياسات يقوض أي فرص للتعافي الزراعي أو الاستفادة من المبادرات الدولية لدعم الأمن الغذائي. فبدلاً من تشجيع الإنتاج المحلي وتحسين معيشة المزارعين، يواجه هؤلاء ضغوطاً كبيرة تدفعهم إلى تقليص استثماراتهم أو هجر أراضيهم، ما ينذر بمزيد من التراجع في الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.