ظروف الحرب تتسبب بخلوّ المدارس وازدحام سوق العمل.. تنامٍ متسارع لعمالة الأطفال في إب

وسط زحام السيارات في مدينة إب اليمنية (193 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء)، يقف يومياً ولساعات طويلة، الطفل حسام البعداني (12 عاماً)، وشقيقته نهلة (10 أعوام)، حاملَين زجاجات المياه وعُلب المناديل الورقية لعرضها للبيع على المارة وسائقي السيارات، في مشهدٍ أصبح جزءاً من واقع يوميّ يعيشه آلاف الأطفال في اليمن.

وبحسب صحيفة «الشرق الأوسط»، يقول حسام إنّه بدأ العمل، قبل عامين، لمساعدة عائلته المكوّنة من 7 أفراد، وتقطن إحدى قرى ريف محافظة إب، وبعد أن عجز والده عن توفير احتياجات المعيشة، ترك المدرسة، كما فعل كثير من أقرانه، ليتحول إلى بائع متجول بالكاد يحصل على ما يسد رمق العائلة أو يفي بإيجار المنزل.

وبدورها تنقل نهلة نتائج رحلتها اليومية، حيث تبيع ما بين 12 و18 علبة مناديل لسائقي المركبات في أحد تقاطعات الشوارع المزدحمة بالمدينة، لتحصل على 2500 ريال يومياً (أقل من 5 دولارات، حيث تفرض الجماعة الحوثية في مناطق سيطرتها سعراً ثابتاً للدولار لا يتعدى 534 ريالاً)، إلى جانب ما يجود عليها به بعض المشترين المتعاطفين معها.

وتصف عملها بـ«المُضني»، خصوصاً أنه يتطلب منها التجول منذ الصباح وحتى ما بعد الظهيرة، تحت حرارة الشمس وبين ازدحام المرور.

في المقابل، يُبدي والد الطفلين، وهو عامل بالأجر اليومي، شعوره بالأسى لاضطرار عائلته للاعتماد على طفليها في كسب الدخل، من خلال العمل بائعين متجولين، ومزاولة مهن تفوق طاقتهما وقدراتهما الجسدية، مبيّناً أنه يسعى للبحث عن أي فرصة عمل توفر دخلاً كافياً لعائلته، ومتمنياً، في الوقت نفسه، أن تتوقف الحرب وتتحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية بالبلاد.

ودفعت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، وما خلفته من تدهور في المعيشة وتوقُّف الرواتب واتساع رقعة الجوع والفقر والبطالة، آلاف العائلات في المحافظة، ذات الكثافة السكانية العالية، إلى إخراج أبنائها من المدارس والمنازل للالتحاق بمِهن مختلفة لتأمين العيش.

وتشهد ظاهرة عمالة الأطفال في إب، كما في سائر المحافظات اليمنية، تصاعداً مُقلقاً. وتؤكد مصادر حقوقية، لـ«الشرق الأوسط»، أن أعداد الأطفال المنخرطين في سوق العمل، بمركز المحافظة ومديرياتها الريفية والحضرية، ارتفعت، بشكل ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، في ظل انعدام سُبل المعيشة وتوقف الرواتب وتفشي البطالة.

كارثة اجتماعية

يعمل الأطفال، الذين دفعتهم ظروف الحرب إلى أرصفة الشوارع بدلاً من مقاعد الدراسة، في مِهن متنوعة، ما بين بيع المياه والمناديل، وحمل البضائع في الأسواق، وأعمال البناء والفلاحة، إلى جانب امتهان التسول، في بيئات غير آمنة ولا تراعي الحد الأدنى من حقوق الطفولة.

وتُقدِّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن ملايين الأطفال اليمنيين اضطروا إلى ترك التعليم، والالتحاق بسوق العمل.

وتكشف تقارير أممية أن 40 في المائة من أطفال اليمن لا يذهبون إلى المدارس، في حين يبلغ عدد الأطفال خارج التعليم نحو 4.5 مليون طفل.

ويشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن 1.5 مليون فتاة يمنية لم يلتحقن بالتعليم، خلال العقد الماضي، نتيجة النزاع المسلَّح، والفقر، والنزوح، وانهيار الخدمات الأساسية.

وتُظهر إحصائيات، صادرة عن جهات تسيطر عليها الجماعة الحوثية، أن عدد الأطفال العاملين بلغ 7.7 مليون طفل في مناطق سيطرة الجماعة، تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و17 عاماً، ما يشكل 34.3 في المائة من إجمالي عدد السكان، وهو رقم يعكس حجم الكارثة الاجتماعية التي تواجهها البلاد، وفقاً لمختصين اجتماعيين وخبراء حقوقيين.

ويؤكد المختصون الاجتماعيون أن استمرار الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي يُفاقمان ظاهرة عمالة الأطفال، ما يُهدد مستقبل أجيال بأكملها، ويرون أن المعالجة تبدأ من وقف الصراع، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، واستعادة المنظومة التعليمية، وتوفير الحماية الاجتماعية للعائلات الأكثر ضعفاً.