
دراسة تحذر من "جريمة ممنهجة" طالت أكثر من مليون موظف بلا رواتب منذ عقد
حذّر المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) في دراسة جديدة صدرت الأربعاء من أن أكثر من مليون ومئتي ألف موظف حكومي في اليمن، بينهم نحو 240 ألف معلم ومعلمة، محرومون من رواتبهم منذ سبتمبر 2016، في ما وصفه بـ"جريمة تدمير ممنهجة للقطاع العام" تنذر بعواقب إنسانية واجتماعية بعيدة المدى.
الدراسة التي حملت عنوان "بلا رواتب… عقد من الحرمان"، تسلط الضوء على أزمة متفاقمة يعيشها اليمنيون في ظل حرب مدمرة دخلت عامها العاشر، وتحوّلت معها رواتب القطاع العام، التي تمثّل مصدر الدخل الوحيد لملايين العائلات، إلى ورقة ضغط سياسية بين أطراف النزاع.
ويوثق التقرير، استنادًا إلى شهادات ميدانية وتحليل سياسات محلية، الأثر "المدمّر" لانقطاع الرواتب على الوضع المعيشي والنفسي لموظفي الدولة، مدنيين وعسكريين، من معلمين وأطباء وموظفين إداريين، دون تمييز بين الجنسين أو القطاعات.
وأشارت الدراسة إلى أن الأزمة تجاوزت مسألة قطع الأجور، لتشمل "إجراءات تعسفية ممنهجة" تمثلت في الفصل الوظيفي والاستبعاد والتوظيف البديل لأسباب ذات طابع سياسي أو طائفي، لا سيما في قطاع التعليم، حيث وثق المركز عشرات الحالات.
وأضاف المركز أن "انهيار قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والخدمات البلدية" يرتبط بشكل مباشر بانقطاع الرواتب، محذرًا من أن مؤسسات الدولة باتت "هياكل فارغة" بعد فقدان كوادرها وانعدام أي تمويل تشغيلي.
ومن الجانب القانوني، اعتبر المركز الأمريكي للعدالة أن حرمان الموظفين اليمنيين من أجورهم يمثل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان"، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، والدستور اليمني نفسه.
وخلص التقرير إلى أن هذا "الحرمان المتعمد والمستمر" قد يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية، بموجب المادة 7 (ك) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ يتم فيه استخدام "الجوع والتجويع كأداة للإخضاع السياسي والتعذيب النفسي الجماعي"، وفق نص الدراسة.
وحملت الدراسة جماعة الحوثي "المسؤولية الكاملة" عن الأزمة، متهمة إياها بعدم توريد الموارد العامة من جبايات وضرائب إلى البنك المركزي اليمني، واستخدامها خارج إطار الدولة. لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا "ليست معفية من المسؤولية"، نظرًا لواجبها في حماية حقوق المواطنين وضمان الحد الأدنى من العيش الكريم.
واتهم المركز الطرفين بـ"التهرب من المسؤولية وتبادل الاتهامات"، بينما "يتحمّل الموظف اليمني وحده الكلفة الأكبر"، في ظل "صمت دولي يثير الريبة وتراخٍ مزمن في الضغط على الأطراف المعنية"، بحسب التقرير.
ودعا المركز إلى تحييد ملف الرواتب عن الصراع السياسي والعسكري، والعمل فورًا على إعادة صرفها بأثر رجعي ودون شروط، مطالبًا المجتمع الدولي بـ"تحمّل مسؤولياته" والضغط على الأطراف الفاعلة لإنهاء هذه المأساة.
وحذّر من أن "استمرار تجاهل هذا الملف لا يعني سوى المشاركة غير المباشرة في جريمة منظمة تسعى إلى تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتحويل مئات الآلاف من الموظفين إلى رهائن للجوع والابتزاز السياسي".