فيما صنعاء مهددة.. هل يمكن إدراج عدن في قائمة التراث العالمي؟
تسعى الحكومة اليمنية إلى إدراج مدينة عدن ضمن قائمة التراث العالمي؛ ما يأتي في ظل خطر يهدد بإزالة مدينة صنعاء من هذه القائمة بسبب المخالفات التي ترتكبها ميليشيا الحوثي.
وأعلن رئيس الحكومة، أحمد بن مبارك، خلال لقائه وفد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" الأسبوع الماضي، عن مساع حكومية لإدراج عدن في قائمة التراث العالمي، "نظرًا للمقومات التي تتمتع بها المدينة المتعددة الثقافات وهويتها الحضارية والتاريخية العريقة".
وكشف سفير اليمن لدى منظمة "اليونسكو"، محمد جميح، في تصريح مع "إرم نيوز"، أن بلاده الآن تخطط مع المنظمة الأممية، "لإضافة 20 موقعًا على القائمة التمهيدية، ونحن في بداية السُلّم لوضع هذه المواقع على قائمة التراث العالمي".
وقال جميح إن هناك قائمتين في المنظمة: "القائمة التمهيدية والقائمة التمثيلية، والأولى هي التي يضم إليها الموقع المقبول، قبل أن يتم إعداد ملف كبير، قد يستغرق سنوات من العمل، عن الموقع، من أجل أن ينتقل إلى القائمة التمثيلية".
وأشار إلى أن عدن لديها العديد من مواقع التراث العالمي، "منها ما يعود إلى العصور الإسلامية وعصور الدول التي حكمت عدن، وهناك آثار تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، وآثار قديمة، منها قلعة صيرة والصهاريج وغيرها الكثير من المباني الأثرية في مدينة عدن القديمة".
وأكد أنه يمكن العمل على ملف متكامل لإعداد تراث هذه المدينة لقائمة التراث العالمي، "لكن قبل ذلك، لا بد أن تكون على قائمة التراث التمهيدية، وهذا ما سنعمل عليه بالتعاون مع اليونسكو".
وتضم قائمة التراث العالمي 5 مواقع يمنية مسجّلة لدى منظمة "يونسكو"، هي مدينة شبام القديمة بحضرموت، ومدينة صنعاء القديمة، وحاضرة زبيد التاريخية بالحديدة، وجزيرة سقطرى، ومؤخرًا أضيفت إليها معالم مملكة سبأ القديمة بمأرب، التي سُجلت في العام 2023.
سجل وطني
ويشير وديع أمان، مدير "مركز تراث عدن"، رئيس هيئة الدفاع عن المعالم الأثرية بعدن (مستقلة)، إلى أهمية وجود "سجل وطني للمدينة المراد إدراجها على قائمة التراث العالمي، أو تصنيفها كمحمية تاريخية، لحصر شامل لكل المعالم والمباني والمواقع الأثرية، والتراث الشعبي، ليكون مرجعًا متكاملًا عنها".
وقال إن عدن القديمة لا تمتلك سجلًّا وطنيًّا يحصر تراثها حتى الآن، وإنه "كان الأجدر بالجهات الحكومية البدء بإعداد السجل الوطني لمدينة (كريتر)، قبل أن تتحدث عن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي".
وذكر أمان، في حديثه مع "إرم نيوز"، أنه التقى بأحد المسؤولين الإقليميين في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، قبل ثلاثة أشهر، وتحدث معه عن إمكانية إدراج عدن القديمة في قائمة التراث العالمي، لكنه تفاجأ بمبررات "غير مقنعة" من المسؤول الذي قال إنه أشار إلى صعوبة الأمر، وذلك بحجة تداخل الحداثة إليها، عكس مدينتي زبيد أو صنعاء القديمة.
مقومات عدن
ومن جهته، أكد المدير التنفيذي لمؤسسة "عدن أجين" الثقافية، مازن شريف، في حديثه مع "إرم نيوز"، أن عدن القديمة "تمتلك مقومات كثيرة تؤهلها لذلك دون أدنى شك".
وأشار إلى أن أبرز ما تحتاجه عدن الآن "هو تفعيل الاهتمام بأبرز مواقعها التاريخية، مثل: الصهاريج التي تحتاج إلى كثير من العمل، وقلعة صيرة، ومسجد العيدروس، ومنارة عدن، والكنائس، والمتحفين الحربي والوطني، وإعادة الاعتبار لها وإزالة العبث المحيط بها، ونفض الغبار عنها وصيانتها وفق أسس وقواعد سليمة، من منطلق الإيمان بمكانتها التاريخية والنوايا الصادقة تجاهها".
وأضاف أنه يمكن تاليًا "إعلان عدن القديمة محمية تاريخية محليًّا، وهو ما سيفعّل قوانين الدستور اليمني لحمايتها ويمنع الهدم أو الاستحداث فيها، وسيُخضع أي عمليات صيانة في أي من منازلها إلى إذن من السلطات ويجعله يأتي وفق أسس ومعايير معينة، وبالتالي فإن واجهات هذه المدينة التاريخية ستتحول إلى ملكية قومية".
مخالفات حوثية
وتأتي المساعي الحكومية تجاه عدن، جنوبي البلاد، في ظل استحداثات واعتداءات تنفذها ميليشيا الحوثي في مدينة صنعاء القديمة، دون موافقة أو إشراف "اليونسكو"؛ ما يفاقم من حجم التهديدات التي تواجه المدن اليمنية المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي.
وأكد سفير اليمن لدى اليونسكو، محمد جميح، أن المخاطر التي تهدد مواقع التراث العالمي المسجلة وغير المسجلة على قائمة المنظمة الأممية، كثيرة ولا تتهدد صنعاء وحدها، "ومنها ما هو متعلّق بالصراع الذي جرى في البلد، وما ترتب عليه من ارتخاء أمني، وبالتالي تهريب كارثي للآثار، ومنها ما هو متعلق بالعوامل الطبيعية والتغيّر المناخي، كالأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول، فضلًا عن ما يتعلق بالزحف العمراني على مواقع التراث".
وأشار في حديثه مع "إرم نيوز"، إلى أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على مدينة صنعاء القديمة، "وفي مقدمتها ما يقوم به الحوثيون من أعمال وإنشاءات مخالفة لمعايير اليونسكو ولقواعد حماية التراث العالمي، وعلى سبيل المثال هدم جامع النهرين، وهو جامع أثري قديم يعود إلى القرن الأول للهجرة، وأعادوا بناءه بمواد حديثة مخالفة للمعايير ومختلفة عن المواد التي بُني منها الجامع الأثري وبنيت منها صنعاء القديمة".
وبيّن جميح أن الحوثيين حاولوا العام الماضي هدم أربعة أسواق تاريخية في وسط صنعاء القديمة، "بهدف بناء (ساحة الإمام علي)، واستطعنا عبر اليونسكو والضغط الإعلامي، تجميد هذا المشروع، ولا أقول إن هذا المشروع توقف، بل تم تجميده".
وقال إن الحوثيين واصلوا مخالفاتهم، من خلال محاولة بناء بوابة في شعوب، زاعمين أنها البوابة القديمة، "وهذا مخالف، لأنه لا يمكن إعادة ترميم أثر إلا إنْ كان هناك بعض من هذا الأثر موجود، أما بوابة شعوب فقد انتهت تمامًا ولا يمكن أن يعاد بناؤها".
كما أشار إلى مخالفات أخرى تقوم بها أسر تملك بعض المباني في صنعاء القديمة، من خلال استحداث بعض الجدران لفصل الأدوار الأرضية، وتقسيمها إلى دكاكين صغيرة، باستخدام البلوك والأسمنت، إضافة إلى الملصقات والشعارات والألوان المختلفة التي يلوّن بها الحوثيون مباني صنعاء القديمة، الخاصة أو العامة كالمساجد وغيرها من المنشآت الحكومية.