"الترند العكسي".. وقائع اجتماعية وجنائية تربك المصريين

المدنية أونلاين/الشرق الأوسط:

بين الدفاع ثم الهجوم، والانتقاد بعد التعاطف، تسير العديد من الوقائع الاجتماعية والجنائية في مصر، فما أن يتعاطف الرأي العام المصري مع طرف ما بالواقعة، إلا ويظهر ضده ما يقلب الطاولة لصالح الطرف الآخر.

فمن النقيض إلى النقيض، شهدت مصر عدة وقائع أخيرة أربكت المتابعين لها، وأصيبت معها مواقع التواصل الاجتماعي بالحيرة، التي يتحول معها «الترند» إلى «ترند عكسي»، ما يحدث نوع من التشوش بين الظالم والمظلوم والجاني والضحية.

أبرز تلك الوقائع ما حدث مع «عامل النظافة»، الذي أصبح محل انتقاد بعد تعاطف، حيث حظي عامل نظافة مصري بتعاطف واسع، عقب تعرضه لما وصفه متابعون بـ«التنمر الاجتماعي» من موظف بمحل «كشري» شهير خلال محاولته شراء وجبة، واحتلت القصة مساحة اهتمام إعلامي لافتة، ودخل إعلاميون وفنانون على خط التضامن مع العامل.

ثم ما لبث أن أصابته سهام الانتقادات، خاصة مع ما كشفه الفنان المصري إدوارد قبل ساعات من رغبته في استضافة العامل في أحد البرامج التلفزيونية التي يقوم بتقديمها.

كما انتقدت حسابات عديدة «عامل النظافة»، بالإعلان عن رأيها في الواقعة.

وفي واقعة أخرى، تحولت معيدة جامعية من «ضحية» إلى «متهمة»، فبينما تعاطف الشارع المصري مع معيدة جامعية، قبل عام عندما اتهمت شقيقها بتدبير «محاولة لاغتصابها بمساعدة صديقه»، بسبب خلاف على الميراث، ونال حكماً بالسجن 10 سنوات، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، فإن حالة التعاطف تلك، تحولت راهناً إلى غضب لافت، بعد تداول تفاصيل تعذيب ابنها (10 سنوات) لإجباره على التسول.

الأحكام الشعبية المتناقضة ظهرت أيضاً مع واقعة قائد السيارة المتهور، الذي كان يسير بشكل استعراضي على الطريق، مما أثار الذعر بين المارّة، ثم قيام سائق سيارة نقل «تريلا» بالاصطدام به في محاولة لإيقافه.

وهي الواقعة التي انتشر معها ترند (#سائق_التريلا)، الذي لاقى خلاله هجوماً وتأييداً في الوقت نفسه على فعلته.

تعليقاً على تلك الأحكام المتناقضة؛ يوضح الدكتور خلف الله خلف عسران، أستاذ علم النفس بكلية الآداب في جامعة جنوب الوادي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الكثير من الوقائع التي يشهدها المجتمع أصبح يغلب عليها التمثيل و«الشو» والسعي وراء «الترند»، لذا تكون المشكلة في مدى صدق الحدث أو الواقعة، كما أن الظالم يُظهر نفسه على أنه مظلوم لكسب تعاطف الناس، ونجد من يروج للضحية ويتعاطف معها ويظهر معها علانية كنوع من الدعم لها».

ويشير الأكاديمي المصري، إلى أن «موجة التعاطف تؤثر على اتجاهات المتابعين، خاصة أن كثيراً منا يتعامل بمشاعره أكثر من تعامله العقلي مع ما يراه أو يقرأه، فكثير من الوقائع حولنا يكون فيها نوع من التعاطف القوي مع الضحية، وهذا يعود لعدة أسباب، فالأغلبية قد يكونوا قد مروا بظروف متقاربة وبالتالي يتعاطفون معه، وهناك من يلجأ لنظام الإسقاط بوضع نفسه مكان الضحية».

ويشير «عسران» إلى لجوء الطرف الظالم أو المتهم في الواقعة إلى الدفاع عن نفسه، وذلك لكسر حدة التعاطف مع الطرف الآخر، وتغيير مسار «الترند» والرأي العام الموجه ضده، فقد يلجأ إلى اختلاق وقائع ليست حقيقية وبث أخبار كاذبة، كنوع من الحرب النفسية، فنجد من يصدق ذلك، وبالتالي تُكسر «حدة التعاطف»، مبيناً أن «كل شخص يحكم على الواقعة التي أمامه وفق سماته الشخصية، والدوافع التي بداخله، ونتيجة خبراته، فنجد من ينظر للأمور بتهكم وسخرية رغم أن الأمر لا يحتمل ذلك».

ويبين عسران أن الارتباك في الحكم على الوقائع الاجتماعية والجنائية بالتأييد ثم الهجوم، أو الانتقاد بعد التعاطف، هي أمور نابعة من حيرة المشاهد أو المتابع، الذي يجد أمامه كماً كبيراً من صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وكل صفحة تتناول الواقعة بشكل غير الأخرى، وبالتالي يحدث نوع من التشوش، وبالتالي نجد تنوعاً في الحكم على أطراف الواقعة.

وينصح أستاذ علم النفس ببناء وجهة النظر وفق المعلومات اليقينية والثابتة، وذلك بالعودة دائماً للصفحات الموثقة التي تقوم بالتدقيق في مصدر الخبر، والتي لا تتبنى وجهة نظر طرف دون الآخر، كما يطالب وسائل الإعلام بأن تتابع الوقائع من بدايتها حتى نهايتها، ولا تقف تغطيتها قبل ظهور البراءة أو الاتهام، لأن الجمهور يكون منتظراً دائماً للجديد.