نوازل حلّت بالقدس.. ماذا حدث في يوم استشهاد شيرين أبو عاقلة؟

المدنية أونلاين/الجزيرة نت:

أمس الأول الأربعاء اشتكى عضو في فلسطين فتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فبعد أن استيقظ الفلسطينيون على خبر اغتيال مراسلة الجزيرة المقدسية شيرين أبو عاقلة (51 عاما) أثناء تغطيتها لاقتحام مخيم جنين، توالت النوازل في ربوع فلسطين والقدس تحديدا، كأن استشهاد أبو عاقلة نكأ جروح أرضها لتنزف في يوم واحد.

تسمّر المقدسيون منذ السابعة صباحا أمام شاشات التلفاز والأجهزة الذكية غير مصدقين نبأ استشهاد ابنة القدس وبلدة بيت حنينا، التي نقلت حكايتهم طوال 25 عاما.

ساعة مرت على الخبر الأليم، ليأتي نبأ إعدام الفتى ثائر خليل اليازوري (18 عاما) برصاصة مباشرة في القلب قرب مستوطنة (بسغوت) المقامة على أراضي جبل الطويل في مدينة البيرة شمال القدس المحتلة.

شهيد ينام في فراشه

بصعوبة أقنع الأهالي والدة الشهيد اليازوري أنه فارق الحياة، فقد أصرت على اصطحاب جثمانه من المستشفى إلى فراشه في البيت لتتمكن من تقبيله كما اعتادت قبيل نومه، سجّته على فراشه الخشبي ملفوفا بالعلم الفلسطيني والكوفية ووقفت فوق رأسه هي وشقيقته التي خرجت مسرعة بملابس المدرسة لتودعه، قبّلت الأم المكلومة نجلها وهمست له أنها أعدّت "المقلوبة" التي طلبها في الصباح.

5 عمليات هدم في ساعات

ووسط رائحة الموت تسرّب غبار ركام الهدم، وخلال 5 ساعات فقط في فترة الظهيرة سُجلت 5 عمليات هدم في القدس المحتلة، بعد 12 ساعة فقط من تشريد 40 مقدسيا بينهم 20 طفلا، وذلك بعد هدم بناية لعائلة الرجبي في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى تسكنها 5 عائلات، بذريعة عدم الترخيص.

وفي سلوان نفسها، اضطر المقدسي يوسف زيتون إلى هدم بيته في حي البستان تجنبا لدفع تكاليف الهدم بعد أن تسلّم قرار الهدم في ثاني أيام عيد الفطر الماضي بالإضافة إلى غرامة مالية قيمتها 9 آلاف دولار.

زيتون هدم البيت الذي يسكن فيه وشقيقه وهو يفكر بمكان يؤوي نجله خالد (17 عاما) الذي أصابه الاحتلال أثناء صلاته في المسجد الأقصى في 29 أبريل/نيسان الماضي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وقد تسبّبت له الإصابة بكسور في الجمجمة والأنف ونزيف في الدماغ.

عزاء وهدم في بيت حنينا

وفي الوقت الذي بدأ فيه المقدسيون يتوافدون فيه إلى بيت الشهيدة شيرين أبو عاقلة في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة لتعزية عائلتها، كان المقدسي عطوان السلايمة يهدم بيته مجبرا في حي الأشقرية على بعد أمتار من منزل أبو عاقلة.

اضطر عطوان إلى هدم بيته بعد 20 عاما من بنائه بمساحة 200 متر مربع، وبعد سنوات طويلة من المقارعة في محاكم الاحتلال ومحاولة إبطال قرار الهدم بدفع غرامات مالية بلغت نحو 30 ألف دولار، هُدم البيت تاركا 11 فردا بلا مأوى منهم ذوو احتياجات خاصة.

هدم شقة عريس

في الوقت ذاته كان العريس المقدسي محمد مصطفى يهدم هو أيضا مضطرا شقته في قرية العيساوية التي جهزها ليسكنها بعد زفافه، بعد أن سلمته بلدية الاحتلال في القدس قرارا بهدمها بذريعة عدم الترخيص. أما في بلدة جبل المكبر جنوبا فكانت جرافات الاحتلال تهدم مكتبا تجاريا للمقدسي علي قنبر.

تفويت بيت مطل على المسجد الأقصى

وغير بعيد عن العيساوية وجبل المكبر، غرز خنجر التسريب (التفويت بشكل غير قانوني) في أضعف خاصرة للقدس حيث استولى المستوطنون على بناية سكنية فلسطينية من 3 طوابق تقع في مكان مطل على المسجد الأقصى في قرية الطور، ولم يتسنّ الحصول على معلومات بشأن مالك العقار وتفاصيل التسريب.

هدم في الولجة

خارج جدار الفصل العنصري، هدمت جرافات الاحتلال بيت أحمد برغوث في قرية الولجة جنوب غربي القدس المحتلة حيث يهدد الاحتلال عشرات المنازل بالهدم بحجة عدم الترخيص. وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت في أبريل/نيسان الماضي قرارا بتجميد هدم 38 بيتا لمدة 6 أشهر لكن القرار لم يستثن بقية البيوت المهددة.

اقتحام للأقصى

ومع حلول الساعة الثانية والنصف ظهرا، أغلق باب المغاربة في المسجد الأقصى بعد اقتحام 188 مستوطنا لباحاته صباحا وبعد صلاة الظهر بحماية شرطة وقوات الاحتلال، في حين أدى حاخام إسرائيلي يدعى "أشار عوفادي" صلاة المنحاة (تعرف بصلاة العصر في الشريعة اليهودية) وذلك قرب صحن قبة الصخرة مع تلاوة مقاطع من التوراة وتراتيل دينية بصحبة مجموعته.

وفي السياق ذاته أعلنت جماعات الهيكل نيتها اقتحام المسجد الأقصى في 15 مايو/أيار الجاري اقتحاما مركزيا إحياءً لما يسمى بعيد الفصح العبري الثاني، الذي يأتي تزامنا مع ذكرى النكبة الفلسطينية.

دماء على أعتاب الأقصى

وقبيل ساعة من مغرب اليوم المفجع، سمع دوي رصاص متواصل قرب باب القطانين أحد أبواب المسجد الأقصى ليُغلق الاحتلال بعد ذلك أبواب سور القدس والمسجد الأقصى بالكامل ويحاصر المصلين في المسجد ويعتقل بعضهم، ليتبيّن لاحقا أن جنود الاحتلال أطلقوا النار على الشاب رامي سرور (24 عاما) من قرية نعلين شمال مدينة رام الله، الذي يرقد حتى اللحظة بحالة حرجة في مستشفى "هداسا عين كارم".

وأظهرت مقاطع فيديو الشاب سرور وهو يتلوى من الألم قرب باب القطانين داخل المسجد، حيث تركه الاحتلال ينزف نصف ساعة بعد أن أطلق النار عليه لأنه مشى باتجاه الجنود صارخا "الله أكبر".

وفي المستشفى ذاته يرقد بحالة حرجة الشاب نذير مرزوق (19 عاما) الذي أصابه الاحتلال مساء الثامن من مايو/أيار الجاري بعد أن استدرجه للتفتيش في بؤرة الشرطة القريبة من باب العمود، كما يرقد في العناية المركزة الشاب وليد الشريف (24 عاما) بعد إصابته بجراح خطرة داخل المسجد الأقصى في الجمعة الثالثة من شهر رمضان.

وفاء لشيرين

مع حلول ساعات المساء، واصل عشرات المقدسيين توافدهم إلى محيط بيت الشهيدة شيرين أبو عاقلة رغم اقتحامه من قبل شرطة الاحتلال ومنعها رفع الأعلام الفلسطينية وترديد الهتافات الوطنية.

ورغم اندلاع مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال في بلدة بيت حنينا غضبا على قتل أبو عاقلة وما تبعه من استدعاء لمركبة المياه العادمة واعتقال بعض الشبان وإصابة آخرين وفق بيان للهلال الأحمر في القدس، استقبل المقدسيون أنطون أبو عاقلة شقيق الشهيدة شيرين، الذي عاد مسرعا من مهمة إنسانية في الصومال فور تلقيه نبأ اغتيال شقيقته الوحيدة.

بدا أنطون مفجوعا بفؤاد فارغ رغم امتلاء البيت بالمتضامنين وعلو صوت الهتافات خارجه، "تحيتنا بحرارة لشيرين النوارة، تحيتنا العالية لشيرين الغالية، يا شيرين نهجك واضح صوتك بالحرية صادح، رشوا وراها ورد وفُل هادي شيرين ست الكل، شيرين يا ورد بفوح دمك هدر ما بروح".