الانهيار المالي يدفع لبنان نحو الفوضى والوقود يشل الخدمات الأساسية

المدنية أونلاين/الاقتصادية:

يدفع الانهيار المالي لبنان نحو الفوضى بوتيرة متسارعة، ما يضع قادته أمام الاختيار بين التحرك لمعالجة الأزمة أو مواجهة مزيد من الفوضى وانعدام الأمن.

وبحسب "رويترز"، وصل الانهيار المالي، الذي سبب مصاعب متزايدة للبنانيين على مدى عامين، إلى مرحلة الأزمة هذا الشهر مع نقص الوقود الذي شل حتى الخدمات الأساسية وتشكلت على أثره طوابير طويلة للغاية في محطات الوقود للحصول على القليل من البنزين الذي أصبح الحصول عليه شبه مستحيل.

وأطلق التزاحم على محطات الوقود الشرارة لمشاهد فوضوية واشتباكات عملت القوى الأمنية في الدولة المفسلة على احتوائها وعمد الجيش في بعض الأحيان إلى إطلاق نار خلال سعيه للحفاظ على النظام.

وفي وقت تنفد فيه الأدوية الضرورية وتحذر فيه الأمم المتحدة من أزمة مياه، ما زالت هناك مناوشات بشأن الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة.

ودفع الانهيار الناجم عن الفساد المستشري في الدولة منذ عقود وطريقة تمويلها غير المستدامة أكثر من نصف سكان لبنان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة إلى براثن الفقر وأفقد العملة المحلية أكثر من 90 في المائة من قيمتها.

وبلغت أزمة الوقود المتفاقمة ذروتها الأسبوع الماضي حين أجبر انقطاع التيار الكهربائي بعض المستشفيات والمخابز والشركات والخدمات الأساسية الأخرى على تقليص العمل أو إغلاق أبوابها. وفي 11 آب (أغسطس) مرت الأزمة بمنعطف خطير عندما أعلن البنك المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل واردات الوقود بأسعار الصرف المدعومة لأن احتياطياته من الدولار قد استنفدت.

وفي محاولة لتخفيف أزمة الوقود قررت حكومة تصريف الأعمال السبت رفع الأسعار. لكن حتى الأسعار الجديدة لا تزال قليلة للغاية مقارنة بسعر السوق، إذ يسمح اقتراض جديد من البنك المركزي بتعويض الفارق.

لكن الاقتصاديين يقولون إن القرار الذي من المقرر أن يستمر حتى نهاية أيلول (سبتمبر) لا يشكل حلا ما يترك مجالا كبيرا للتهريب والتخزين والبيع بالسوق السوداء.

وبات رفع الدعم الكلي أمرا حتميا فيما يبدو مع نفاد الدولار. في غضون ذلك ازدهرت السوق السوداء، حيث يباع البنزين في قوارير بلاستيكية بأسعار مرتفعة للغاية.

وأضحت الحوادث الأمنية، ومنها خطف صهاريج الوقود، حدثا يوميا. وقتل ما لا يقل عن 28 شخصا الأسبوع الماضي في شمال لبنان عندما انفجر خزان خلال التدافع للحصول على البنزين.

وقال مسؤول أمني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "هناك الكثير من المجموعات الصغيرة التي صارت تعلم أنها تستطيع أن تصادر أي صهريج على الطريق بالقوة" ويقع ما لا يقل عن ثمانية حوادث في اليوم عند محطات الوقود أو استهداف صهاريج. وقالت مجموعة دعم دولية، تضم فرنسا والولايات المتحدة، الجمعة "التفاقم المتسارع لتلك الأزمة يبرز الضرورة الملحة لتشكيل حكومة قادرة على وضع الأمور في نصابها".

وقال جهاد فخر الدين بينما كان ينتظر في طابور منذ سبع ساعات للحصول على غاز "شو بدو يصير أكثر من هيك. نحن نصلي وأكثر من هيك ما فينا نعمل الآن".

لكن الإصلاحات ضرورية، ويشك البعض فيما إذا كان بوسع حكومة جديدة النجاح فيما فشلت فيه حكومة تصريف الأعمال.

ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في الربيع المقبل على أن تعقبها جولة جديدة كاملة من مفاوضات تشكيل الحكومة.

قال ناصر سعيدي، وهو وزير اقتصاد سابق "هل ستكون هناك الشجاعة للقيام بهذه الإصلاحات؟ أشك في ذلك".

وأضاف النائب السابق لحاكم مصرف لبنان المركزي "الأمور بحاجة إلى إصلاحات فورية، وبحاجة إلى المعالجة بالصدمة لإعادة الثقة".

وأعلن اتحادا العاملين في المصالح المستقلة والمؤسسات الخاصة والعامة أمس، عن إضراب لمدة أسبوع للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور وزيادة بدل النقل وتأليف حكومة إنقاذ.

وطالب الاتحادان بـ"زيادة الحد الأدنى للأجور والرواتب أو منح سلفة على غلاء المعيشة، فضلا عن إلغاء سقف السحوبات من المصارف، وحل مشكلة الدواء وعدم توافره وبيعه في السوق السوداء، وإعادة احتساب تعويضات نهاية الخدمة بما يتلاءم مع الواقع الحالي".

وضمن مطالب أخرى طالب الاتحادان "بتأليف حكومة إنقاذ، واستمرارية وديمومة المؤسسات التي تعاني عدم القدرة على تأمين المستلزمات الضرورية، واستمرارية وقدرة العاملين والمستخدمين والأجراء والمتعاقدين بظل الظروف الكارثية الحالية (عدم توافر البنزين والمازوت وتكلفة النقل العالية إذا وجدت - الصعود الصاروخي لسعر المحروقات)، ووجوب أن يشمل البطاقة التمويلية كل العاملين بالمؤسسات والمصالح المستقلة الذين صرفوا على السن القانونية".

كان عدد من اللبنانيين قد قاموا أمس بإقفال الطرق في عدد من المناطق في جبل لبنان وشماله، احتجاجا على شح المحروقات وتردي الأوضاع المعيشية، بحسب "الألمانية".

ويواجه اللبنانيون أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخ لبنان الحديث، وتراجعت معها قدرة مصرف لبنان على تلبية دعم الأدوية والمواد الأساسية والمحروقات، ما أدى إلى انخفاض مخزونها، وعدم توافر المحروقات في أغلبية محطات الوقود التي أقفل قسم كبير منها.

وأدت الأزمة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية من 1500 ليرة لبنانية إلى نحو 20000 ليرة منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وحتى اليوم.