يصلون اليمن وعينهم على المملكة والخليج

المدنية أونلاين ـ صحف :

ولا يبالي هؤلاء المهاجرين: رجال، نساء وأطفال، بما قد يعترض طريقهم والكثير منهم ربما لا يتوقعون أية مخاطر قد تعترضهم، لهذا فهم يغامرون برحلاتهم تلك إلى وجهة غير معلومة العواقب: قتل، اغتصاب، تعذيب ونهب تلك هي مفردات معاناة هؤلاء في طريقهم إلى دول النفط عبر منفذ حرض الحدودي شمال اليمن.

تقول منظمة هيومن رايتس: “إن الإثيوبيين الذين يقومون برحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأحمر أو خليج عدن يواجهون الاستغلال والتعذيب في اليمن على أيدي شبكة من جماعات الإتجار بالبشر، كما يواجهون ظروفًا مسيئة في السجن في المملكة العربية السعودية قبل ترحيلهم قسراً إلى أديس أبابا”.

وبحسب تقرير المنظمة التي نشرته أمس الخميس – تلقت انسم نسخة منه – لم تتخذ السلطات في إثيوبيا واليمن والمملكة العربية السعودية إلا القليل من التدابير للحد من العنف الذي يواجهه المهاجرون أو لتطبيق إجراءات اللجوء أو للتحقق من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الخاصة بهم.

ويتدفق الأفارقة خصوصاً الاثيوبيون إلى بلادنا -اليمن-  بكثافة كبيرة وبشكل شبه يومي بهدف الحصول على أعمال وتحسين أوضاعهم المعيشية، وفي الغالب يأتي هؤلاء بغية الدخول إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتحقيق أحلامهم بفرص عيش أفضل، إذ تشير إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة IOM إلى إن عدد المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا اليمن بطرق غير شرعية خلال الثلاثة الأشهر الأولى من 2019، أكثر من 37 ألفًا، فيما تشير احصائيات مفوضية اللاجئين إلى أن هناك 150 ألف لاجئ وطالب لجوء ومهاجر وصلوا اليمن خلال 2018 وأن 90% أتوا من إثيوبيا والبقية من الصومال.

صعوبات

ويواجه هؤلاء الأفارقة القادمين إلى اليمن سواءً صوماليين أو إثيوبيين صعوبات ومخاطر كبيرة بدءًا من مغادرتهم مرفأ التهريب في بوساسو أو جيبوتي ومعاملة المهربين القاسية لهم، في ظل ظروف إنسانية صعبة على قوارب مهترئة وتحمل ضعفي طاقتها الاستيعابية، وصولًا إلى اليابسة ووقوعهم في يد مافيا التهريب الآدمي أو مراكز الاحتجاز وتعرضهم للتعذيب والاغتصاب كما حدث في أحد  مراكز الاحتجاز في عدن 2018.

يقول أحد المهاجرين الذين التقتهم هيومن رايتس لاستماع قصصهم عن رحلاتهم التي تهدد حياتهم أنهم يستغرقون مدة تصل إلى 24 ساعة عبر خليج عدن أو البحر الأحمر للوصول إلى اليمن في قوارب مكتظة بدون طعام أو ماء، ويمنعهم المهربون المسلحون من التنقل.

“كنا 180 شخصًا على متن القارب، لكن 25 شخصًا ماتوا”. قال الرجل لهيومن رايتس. 

وأضاف: “كان القارب في مأزق تتقاذفه الأمواج، لقد كان القارب مكتظًا بالركاب على نحوٍ كبير- 180 شخصًا- وعلى وشك الغرق، لكن المهربين التقطوا البعض منا وألقوا بهم في البحر، نحو 25  شخصًا”.

وبحسب تقرير هيومن رايتس فإن من أجريت معهم المقابلات قالوا إن المهربين قابلوهم وأسروهم لدى الوصول إلى اليمن، و أن المهربين اعتدوا عليهم بدنيًا لابتزاز النقود من أقاربهم أو معارفهم في إثيوبيا أو الصومال، وفي حين كان يمنيون هم من يديرون المخيمات التي أُسر المهاجرون فيها، فإن أشخاصًا إثيوبيين هم من ارتكبوا الانتهاكات في الأغلب وفي حالات عديدة، وبحسب التقرير فإن الأقارب لهؤلاء المحتجزين باعوا ممتلكات كالبيوت أو الأراضي لتحصيل نقود الفدية المطلوبة للمهربين.

ولا تنتهي المتاعب بعد سداد الفدية للمهرِّبين أو الهرب منهم، إذ يمضي المهاجرون في العادة شمالًا إلى الحدود اليمنية-السعودية، فيعبرون مناطق ريفية جبلية للوصول إلى معبر حرض الحدودي، إذ قال من أجريت معهم المقابلات لهيومن رايتس إن حرس الحدود السعوديين أطلقوا عليهم النار فقتل وأصيب الكثيرين من العابرين معهم، وأنهم رأوا جثثًا كثيرة في الدروب الحدودية.

تدفق مستمر

وفيما تعيش اليمن حربًا منذ خمس سنوات ما يزال أعداد اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين الأفارقة (الإثيوبيين) إلى اليمن يتنامى بشكل كبير، فيما تبدو مهمة اليمن الإنسانية معقدة جداً في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والوضع السياسي المتأزم منذ 2011، وصولًا إلى الحرب التي تعيشها منذ خمس سنوات حتى اللحظة، إذ تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن هناك 3.34 مليون نازحًا داخليًا بسبب الحرب بين الحكومة الشرعية مسنودة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية ومليشيا الحوثيين، فيما 24.1 مليون بحاجة لمساعدات إنسانية منهم 14 مليون بحاجة مساعدات إنسانية ملحة.

وكانت الأمم المتحدة أطلقت مشروع الاستجابة الانسانية 2019 بشأن اليمن وقالت إنه بحاجة إلى 4.2 مليار دولار لتلبي احتياجات الأشخاص الأقل ضعفاً والحالات الإنسانية من ونازحين محليين في جميع المجالات: الصحية والتعليمية والحماية والأمن.

اتفاقية

منذ العام 1951 توفر اليمن إطارًا رسميًا لحماية اللاجئين بصفتها دولة موقعة على اتفاقية اللاجئين، ومنذ 1990 بدأ الصوماليون بالتدفق إلى اليمن بشكل جماعي كبير عقب انهيار نظام محمد سياد بري في 26 يناير من نفس العام، وكان اليمن يوفر ملجأً آمناً للصوماليين وتقوم الحكومة اليمنية بمنح الصوماليين حق اللجوء منذ الوهلة الأولى لوصولهم، إذ كانت إحصاءات حكومية في 2012 تشير إلى أن هناك 2 مليون لاجئًا إفريقيًا في اليمن.

 ورغم أن اليمن أصبح الآن بلدًا غير أمناً لمواطنيه فكيف الأمر بالقادمين إليه، إلا أن ذلك لم يوقف التدفق شبه اليومي برحلات موت قادمة من القرن الأفريقي: إثيوبيا والصومال.