الشباب العربي يريدون إصلاح الحكومات لا التمرد عليها

المدنية أونلاين ـ صحف :

تزداد الفجوة اتساعا بين تطلعات الشباب وطموحاتهم، وبين الحكومات العربية، التي فشلت سياساتها وقراراتها على أرض الواقع في إحداث إصلاحات فعلية وتطوير بنية مجتمعاتها في العديد من الدول العربية باستثناءات قليلة.

 

استياء الشباب ونقمتهم على السياسات الحكومية واضحان وماثلان للعيان في كل ميدان من التعليم إلى الصحة وفرص التشغيل والحريات الاجتماعية، وتدور الأحاديث عن هذه المواضيع في المقاهي والمدارس والجامعات والنوادي الرياضية والأزقة والشوارع، حتى لو حاولت وسائل الإعلام في بعض الدول العربية إخفاءها أو مواراتها بتعداد إنجازات لا تراها سوى الحكومات.

 

وناقش استطلاع رأي مؤخرا، مخاوف الشباب العرب مما ينتظرهم في المستقبل مع حالة الركود الحالية، وأشار إلى أن الحكومات العربية ما زالت عاجزة عن تقديم خدمات وسلع عامة تعتبر من الأساسيات التي يجب توفيرها على أكمل وجه.

 

وشرحت الدراسة التي أجرتها وكالة “أصداء بيرسون كون ولف” للعلاقات العامة في دبي، الإجراءات الاستبدادية للحكومات لتعزيز القوميات المحلية، وفي نتيجة قد تبدو مفاجئة للبعض أظهرت أن الوظائف والحريات الاجتماعية أكثر أهمية من الحقوق السياسية بالنسبة للشباب العرب، الأمر الذي يشير إلى أن تمرد الشباب هو احتجاج على الواقع الاجتماعي والظروف المعيشية بالدرجة الأولى، فيما الأنظمة السياسية لا تحتل نفس الأهمية بالنسبة إليهم.

 

وأفاد أغلب الذين شملهم الاستطلاع برغبتهم في رؤية نهاية للنزاعات والحروب. لكنهم أكدوا دعمهم لموقف السعودية والإمارات والبحرين، حيث يعتبر 67 بالمئة من الشباب العرب إيران عدوا لهم.

 

ويرغب نحو ثلاثة أرباع المستطلعين (73 بالمئة) في إنهاء الحرب الأهلية السورية، بغض النظر عن بقاء الأسد في السلطة.

 

وتهدف الدراسة الاستقصائية إلى استعراض رؤى ووجهات نظر الشباب حول قرارات الحكام والمسؤولين السياسيين في مجال الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، ورصد أسباب اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومات في أجزاء مختلفة من العالم العربي.

 

وتشير أيضا إلى أن المصالح الغربية في الشرق الأوسط ستتحقق بشكل أفضل إذا كان النهج الأميركي والأوروبي أكثر دقة ووضوحا تجاه الأنظمة في المنطقة.

 

وركزت الدراسة على الفئة العمرية بين 18 و24 سنة، وأشارت النتائج إلى أنه في ظل الحكومات العربية فإن تقليص المسافة بين متطلبات الإصلاح وتوقعات الشباب يسهل التعهد بها قولا وليس فعلا. فأغلب الشباب الذين اضطروا طيلة عقود إلى الاعتماد على الحكومة في توفير الوظائف والخدمات الاجتماعية، يقولون إن الحكومات التي تعيد صياغة العقود الاجتماعية من جانب واحد لتأمين فرص العمل، فشلت حتى الآن في تحقيقها والوفاء بوعودها.

 

والمشكلة الأكثر تعقيدا هي أن الشباب يتوقعون من الحكومات أن تكون المزود لهذه الخدمات في وقت يتطلب فيه الإصلاح تبسيط البيروقراطية، والتقليل من سيطرة الدولة، وتحفيز القطاع الخاص.

 

وقال 78 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إن من مسؤوليات الحكومة توفير الوظائف، بينما اشتكى 65 بالمئة من أن الطاقة يجب أن تدعمها الحكومة، وأن الحكومات لا تفعل ما يكفي لدعم الأسر، بينما توقع 60 بالمئة من الحكومة توفير الإسكان.

 

وأعرب 78 بالمئة عن قلقهم بشأن جودة التعليم، بما في ذلك 70 بالمئة من طلاب الخليج. ورغم ذلك، اعتبر 80 بالمئة منهم في الخليج أن أنظمة التعليم المحلية أعدتهم لوظائف المستقبل، فيما كان رأي ما يقارب نصف الشباب في الدول العربية الأخرى أن التعليم متخلف، بنسبة بلغت 49 بالمئة، وأعرب 38 بالمئة فقط ممن شملهم الاستطلاع في الخليج عن أنهم سيختارون التعليم العالي المحلي.

 

كما أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مسألة تشغل الشباب. ويقول 79 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم قلقون بشأن النزاع.

 

ويبدو أن موقف الولايات المتحدة من هذا النزاع وخطتها للسلام لا يلقيان قبولا لدى الشباب بل ويؤثران سلبا على موقفهم إذ أن عدد الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع هذا العام والذين اعتبروا الولايات المتحدة كعدو ارتفع إلى 59 بالمئة مقارنة بـ 32 بالمئة قبل خمس سنوات.

 

وبالمثل، فإن الاعتماد على الدين كمشرع للنظام والجهود المبذولة لتوجيه الإسلام في اتجاه الهدوء السياسي، يثبت أنه سيف ذو حدين.

 

وقد شعر حوالي ثلثي المستطلعة آراؤهم أن الدين لعب دورًا كبيرًا جدًا، مقارنة بـ 50 بالمئة قبل أربع سنوات. وجادل 69 بالمئة بأن المؤسسات الدينية بحاجة إلى إصلاح.

 

تعطل عملية التقدم

واعتبر الباحثون أن النتائج المتعلقة بالدين هي الأكثر أهمية، إذ أن نسبة الشباب الذين قالوا إن الدين يلعب دورًا مبالغًا فيه في الشرق الأوسط، ارتفعت من 50 بالمئة عام 2015 لتصل إلى 66 بالمئة في هذا العام. ويتفق نصف المستطلعين على أن “القيم الدينية في العالم العربي تعطل عملية تقدم العالم العربي” مقارنة مع 42 بالمئة يختلفون مع هذا الرأي.

 

وقال آدم رامي -أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة نيويورك أبوظبي- “إن الرغبة في تقليل دور الدين والأمل في إنهاء الصراع مرتبطان ببعضهما البعض”، وفق ما ذكرت صحيفة ناشيونال الإماراتية.

 

وأضاف رامي أن المستطلعين ربما يُلقون باللوم على الدين بوصفه المتسبب في صراعات مثل الحرب الأهلية السورية والأعمال العدائية في اليمن. وأشار البحث إلى أن غياب التوافق العربي هو ثالث أكثر الشواغل إلحاحًا لشباب المنطقة، ولا يسبقه في الأهمية سوى القلق من تصاعد تكلفة المعيشة والبطالة.

 

وتابع “إن رؤية هذه الأرقام (المتعلقة بتراجع دور الدين) وهي تتزايد بمرور الزمن، أمر مذهل”، وأضاف “هناك اختلافات إقليمية، لكن ارتفاع هذه الأرقام من 50 بالمئة إلى 66 بالمئة في بضع سنوات هو نتيجة مثيرة للاهتمام. أعتقد أن رؤية هؤلاء الشباب لكل هذه الصراعات والخلافات الإقليمية، لاسيما في سوريا واليمن اللذين أخذ صراعهما بُعدًا طائفيًّا قويًّا، دفعتهم إلى الاعتقاد في أن هناك مشكلة”.

 

وتصوّر رامي أن يكون هناك اتجاه مماثل بمرور الزمن وسط الأجيال الأكبر سنًا -بخصوص أن الدين يلعب دورًا مُبالغًا فيه- لكنه يعتقد أن الأرقام ستكون أقل كثيرًا.

 

وعلق “لو فكرت في الأمر ستجد أن الشباب البالغين من العمر 18 عامًا في المنطقة قد وُلدوا في وقت قريب من تاريخ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد عايش هؤلاء الشباب في الغالبية العظمى من فترة حياتهم حرب العراق والحرب الأهلية السورية واضطرابات الربيع العربي والآن حرب اليمن. لهذا فإن الصراع هيمن بصورة أساسية على حياتهم بأكملها”.

 

وأكد “أعتقد أن الكثير منهم لديه رغبة في العودة إلى الوضع الطبيعي، هم يريدون السلام والوظائف والتعليم الجيد والاستقرار”.

 

وفي ورقة بحثية مصاحبة للاستطلاع، خلص أفشين مولوي -زميل قديم في معهد السياسة الخارجية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز- إلى أن الدراسة أظهرت أن “مطالب وأحلام الشباب العرب ليست متطرفة ولا ثورية”. وأنه من غير المرجح أن “يقعوا أسرى لإغراء اليوتوبيا الكاذبة أو القادة الكاريزميين الذين وقع آباؤهم أسرى لهم”. وأضاف مولوي “هذا لا يعني أن الشباب العرب أصبحوا غير متدينين، فالبيانات لا تشير إلى ذلك”.

 

وتابع “لكن هذا الأمر يُظهر بوضوح أن الشباب العرب بدأوا يفقدون الثقة في حكم مؤسساتهم الدينية، ويريدون دورًا أقل للدين في إدارة الشؤون الوطنية”.

 

معضلة فكرية عميقة

ويعتقد نصف الشباب العرب تقريبًا (49 بالمئة) أن الدين يفقد تأثيره في الشرق الأوسط، مقارنةً مع 29 بالمئة يعتقدون أن نفوذ الدين يتزايد.

 

بدوره، عبر جهاد آزور -أكبر مسؤولي صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط- قائلا “المطلوب إبرام عقد اجتماعي جديد بين حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمواطنين يضمن المساءلة والشفافية والالتزام. يوضح الاستطلاع الأخير الذي شمل الشباب أنه لا يزال أمامنا طريق طويل”.

 

وفي تعليق على نتائج الاستطلاع، نقلت صحيفة ناشيونال الإماراتية عن محمد شحرور -الأكاديمي في جامعة دمشق والعالِم الإسلامي المثير للجدل في بعض الأحيان؛ بسبب مطالبته بإجراء إصلاحات دينية- أن نتائج هذا الاستطلاع كانت “حُلوة ومرّة”.

 

وقال إن الاستطلاع أظهر أن الدين لا يزال مهمًا للشباب العرب، لكن هذا الجيل يواجه أيضًا “معضلة فكرية عميقة” عندما يتعلق الأمر بالتوفيق بين التعاليم المحافظة والعالم الذي يعيش فيه.

 

وأضاف في مقال “نرى أن الشباب العرب ما زالوا مرتبطين ومخلصين لدينهم بالرغم من عدم اقتناعهم ببعض الأفكار والأصول الدينية الموروثة، التي لا تشجع على التفكير الفردي، ما يدفع الشباب إلى العيش ضمن حدود الحلال والحرام”.

 

ونوه “لقد ترعرع هذا الجيل من العرب وسط اضطرابات حضاراتية بعيدة الأثر، مستفيدًا بتقنيات متزايدة التطور. هذا الأمر سمح لهذا الجيل بمواكبة التطورات العالمية، وجعل عقله منفتحًا على كل الثقافات والحضارات”.

 

وأردف “بينما نرى نحن حاجة وضرورة ملحّة لتلبية الدعوات المطالبة بالإصلاح، تتجاهل هذه المؤسسات والقادة الدينيون، بكل أسف، هذه الدعوات، بحجة المحافظة على الدين. إن الإصلاح قد يكون فعلا هو النهج الأفضل للحفاظ على الدين واستمراره”.

 

ولا يزال نحو 80 بالمئة قلقين بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لقد كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن العلاقات الشيعية – السُّنيّة تزداد سوءًا، إذْ ذكر 59 بالمئة أن العلاقات زادت سوءًا خلال العقد الماضي، بزيادة قدرها 11 بالمئة مقارنةً مع العام الماضي.

 

ويقول ناثان براون -الأستاذ المتخصص في سياسات الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة “إن هناك قادة، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، دعوا أيضًا إلى إصلاح المؤسسات الدينية”.

 

ويذكر براون -وهو رئيس سابق لجمعية دراسات الشرق الأوسط- أن “استطلاعات الرأي دائمًا تحمل بعض الغموض”، مضيفًا “إن تبنّي عملية إصلاح المؤسسات الدينية، يبدو خطوة كبيرة، لكن هذه الخطوة أيضًا قد تعني الكثير من الأشياء المختلفة”.

 

وتابع “الأمر الأكثر ذهولًا هو التعليقات الخاصة بدور الدين. ومن الواضح أن الجيل الصاعد في العالم العربي يناقش قضية الدين انطلاقًا من أرضية تختلف عن تلك التي انطلق منها آباؤه الذين عاشوا أثناء عهد أُطلق عليه اسم الصحوة الدينية”.