طاهر شمسان يكتب مدافعا عن الحركة الوطنية في الجنوب:حين يتحدث الناس بخفه ودون درايه ...!

كثيرا ما نتحدث عن قضايانا الوطنية الكبرى بسطحية وبعاطفة جياشة فنبدو أيديولوجيين وغير عقلانيين...ومن أبرز هذه القضايا قضية الوحدة اليمنية التي يزاود بها البعض حتى على الحزب الاشتراكي اليمني...ولهؤلاء أقول: إذا كنتم تدافعون عن الوحدة اليمنية بأسانيد من التاريخ فإن جيزان وعسير ونجران هي جزء من اليمن التاريخية..وقل مثل هذا عن ظفار عمان..وما يسري على الجنوب تاريخيا يجب أن يسري على هذين الإقليمين..وإلا فأنتم تؤمنون ببعض الوحدة وتكفرون ببعضها؟. هل سألتم أنفسكم: كيف استيقظت وانتصرت الوطنية اليمنية في الجنوب بينما خفتت وتلاشت في عسير وجيزان ونجران وفي ظفار عمان؟....أعلم علم اليقين أن هذا السئوال لم يخطر على بال أحد منكم لأنكم تعتقدون خطأ أن الجنوب جزء من الشمال وتحاكمونه على هذا الأساس وكأنه ريمة أو المحويت أو تهامة..ولهذا السبب أيضا تعذر عليكم أن تفهموا وأن تفسروا إنكار يمنية الجنوب في خطابات وشعارات فصائل الحراك الجنوبي..وهنا بالتحديد يكمن الجذر الأيديولوجي الذي جعل ويجعل بعضكم ينساق بسهولة شديدة وراء أطروحات الحرب الدعائية الموجهة ضد الحزب الإشتراكي اليمني وأقلها التشكيك بإخلاصه للوحدة اليمنية التي هي أساس وجوده وبقائه حزبا على قيد الحياة..والعلاقة بينه وبينها علاقة تناسب طردي قوة وضعفا..والذين أرادوا القضاء عليه ماديا ومعنويا بواسطة حرب 1994 هم عمليا قضوا على الوحدة أيضا ونقلوا براميل التشطير من الجغرافيا إلى النفوس وأنعشوا في الجنوب الهويات السابقة على الاستقلال. يا سادة يا كرام: في خمسينيات القرن الماضي كان حزب رابطة أبناء الجنوب – (لا حظوا: رابطة أبناء الجنوب وليس رابطة شعب الجنوب )- يملأ ساحات 23 سلطنة ومشيخة وإمارة بالإضافة إلى حضوره في مستعمرة عدن..وكان كثيرون من مؤسسي الجبهة القومية أعضاء في هذا الحزب بمن فيهم قحطان الشعبي الذي أصبح أول رئيس لدولة الاستقلال فيما بعد..في ذلك الوقت كانت الصحافة العدنية تتحدث عن " شعوب الجنوب" وليس عن " شعب الجنوب"..أما يمنية الجنوب فلم تكن واردة في الوعي العام لأبناء السلطنات والمشيخات والإمارات..وكان الجنوبي يعرِّف نفسه بأنه قعيطي أو كثيري أو عوذلي أو عولقي أو فضلي أو واحدي...إلخ..وهذه هويات كانت قد ترسخت مع تقادم الزمن منذ ما قبل الاستعمار البريطاني بنحو قرن ونصف، وربما أكثر من ذلك.. أما كلمة "يمن" فلم تكن تستخدم إلا للدلالة على مملكة الإمام يحي في الشمال...والسئوال الذي يستوجب طرحه هنا: ماذا لو أن رابطة أبناء الجنوب هي التي استلمت الاستقلال من بريطانيا؟. هل تعتقدون أن الحديث عن الوحدة اليمنية سيكون أمرا واردا؟..وإذا لم يكن واردا هل تعتقدون أن الشمال الإمامي أو حتى الجمهوري سيقاتل من أجل يمنية الجنوب؟..ثم: ما الذي أضعف رابطة أبناء الجنوب وأخرجها من الحياة السياسية؟..إن الإجابة الموضوعية على هذه الأسئلة وغيرها ستحيلنا تلقائيا إلى الحديث عن الوحدة اليمنية ب"صيغتها المعاصرة" وليس كما عرفت في التاريخ..وأي حديث عن يمنية الجنوب خارج هذا المفهوم للوحدة هو سجال أيديولوجي لا علاقة له بالمعرفة. بمقدوركم أن تعودوا إلى كتابات محمد حيدرة مسدوس..هذا الرجل يتهم الحركة الوطنية اليمنية بأنها هي التي جنت على الجنوب عندما يمننته وساقته إلى الوحدة مع الشمال ليقع ضحية حرب 1994..هل تعلمون من هي الحركة الوطنية اليمنية؟ من أجل الإجابة على هذا السئوال عليكم أن تقرأوا تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني قراءة موضوعية..ستجدون أنه المصب الذي التقت داخله كل روافد وفصائل الحركة الوطنية اليمنية في الجنوب وفي الشمال..وهو بهذا المعنى حزب يمني ليس بمقدوره موضوعيا أن يكون جنوبيا خالصا ولا شماليا خالصا..وخياره الوحيد أن يبقى حزبا يمنيا أو يموت..وهو كذلك قبل إعلان 22 مايو 1990 وبعده وإلى اليوم..وهذا يفسر لماذا تبوأ شماليون مواقع قيادية سيادية في الجنوب بما في ذلك موقع رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الشعب الأعلى..ويفسر إلى حد كبير لماذا قرر حلفاء حرب 1994 أن يجهزوا على الحزب الاشتراكي اليمني بشعارات الوحدة..لقد كانوا على علم أنه حزب الوحدة وليس من سبيل إلى ذبحه إلا بسلاحه أي بسلاح الوحدة..لكن العبرة في النتائج التي أفضت إليها الحرب وليس في الشعارات التي حركتها. إن الوحدة اليمنية بصيغتها المعاصرة هي القضية المركزية للحركة الوطنية اليمنية..وهذه الحركة إنتصرت في الجنوب على حساب قواه التقليدية الرافضة ليمنيته..لكنها هزمت في الشمال لصالح قواه التقليدية التي اتخذت من الوحدة اليمنية شعارا للمناورة السياسية دون أدنى إستعداد لتقديم أي تنازل من أجلها..ولهذا رأينا أنه في كل مراحل الصراع قبل 1990 وبعده كانت القوى التقليدية في الجهتين متحالفة ضد الحزب الاشتراكي اليمني وكلاهما خاض الحرب ضده في حرب 1994 تحت شعار الوحدة..وكلنا يعلم أن طارق الفضلي قاتل تحت راية علي عبد الله صالح..بينما خاض عبد الرحمن الجفري معركة الدستور تحت راية الزنداني لمراكمة عوامل وشروط إنهيار الوحدة..وعندما تراكمت هذه الشروط وانفجرت الحرب غير تموضعه..فالفرق بينه وبين الفضلي هو في التكتيك وليس في الهدف.وللحديث بقية.