عدن تتحدى غُزاة التاريخ والتراث
العديد من المعالم والمباني التاريخية في مدينة عدن جنوبي اليمن تتعرّض إلى الهدم والاستحداث أو الترميم بطريقة تمحو جمالية هندسة بنائها القديمة.
تحاول منظمات المجتمع المدني في محافظة عدن، جنوبي اليمن، التصدي باستبسال للحفاظ على ما تبقى من معالم ومآثر المدينة التاريخية التي تتعرض باستمرار للهدم والبناء المستحدث من قبل جهات حكومية أو شخصيات نافذة عبر تسهيلات من السلطات الحكومية، بشكل يتعارض مع المادة (16) من الصادرة عن وزارة الشؤون القانونية، والمعنية بالحفاظ على المعالم التاريخية والتراث الثقافي العمراني.
وتعرضت العديد من المعالم والمباني التاريخية التي تتعدى القرن ونصف من الزمن إلى الهدم والاستحداث أو الترميم بطريقة تمحو جمالية هندسة بنائها القديمة التي ظلت تحاكي الأجيال الجديدة طوال حقبة طويلة من الزمن، وبطريقة يراها الكثير من أبناء عدن بالمتعمدة والممنهجة، تستهدف تاريخهم الممتد منذ قديم الأزل، وتحاول نزع ثقافة هذه المدينة التي تميزت بانفتاحها على مختلف الثقافات والديانات والجنسيات.
مؤخرا؛ دافعت العديد من منظمات المجتمع المدني في المدينة للدفاع عن معبد "جين شوتيا" وهو أحد المعابد التي بُنيت عام 1860م للجالية الهندية إلى جوار عشرات المعابد الأخرى، والذي يتعرض هو الآخر للبيع لأحد رجال الأعمال، إلا أن تدخل المنظمات المدنية حول هذه الصفقة إلى محكمة الاستئناف بالمحافظة، ليأخذ القضاء مجراه، أملا بأن يقتص لعدن من زحف غزاة المباني التاريخية والمعالم الأثرية.
تقول المحامية هبة علي زين عيدروس، ممثلة منظمات المجتمع المدني في المحكمة، إن القضية قد أُجلت حتى الـ26 من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، للرد على دفوع المستأنف ضدهما.
وتابعت في حديثها الخاص لـ"إرم": "من الواجب علينا أن لا نتخلى عن حقنا في الحفاظ على الموروث الثقافي لعدن، وأن لا نسمح لأحد بالعبث والنيل من تاريخ هذه المدينة الحضارية، وها نحن اليوم نقف عند هذه القضية كنقطة انطلاقة لصحوة أهالي عدن لمناهضة الاعتداءات على المعالم التاريخية، ولربما إن تجاهلنا ذلك، سينتهي بنا الأمر بمدينة بلا تاريخ".
وكانت السفارة الهندية باليمن قد وجهت خطابا إلى وزارة الخارجية اليمنية في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تطالب فيه بسحب قضية المعبد الهندوسي من المحكمة وإلغاء الاتفاقات السابقة.
وبخصوص ذلك؛ قال المهندس فهمي كليب لـ"إرم" "سعادة السفير الهندي (أوصاف سعيد) طرح قضية المعبد على وزير الخارجية و وزير الأوقاف وبصورة رسمية، ومنحت السفارة الضوء الأخضر، ونزل سعادة السفير إلى عدن مع فريق من السفارة ووجد موقفاً مسئولاً من حاكم عدن ومدير الأمن انشرح له صدر السفير الهندي المسلم، وتسلم منهما أو عبرهما مفاتيح المعبد, إلا أن هناك خفافيش ليل تلف وتدور لإغلاق المعبد كما يريدون والتصرف بالمعلم كغنيمة أرض".
بدورها، أكدت الأمين العام للجمعية اليمنية للتاريخ والآثار بعدن الدكتورة اسمهان العلس "إن هذا العبث يفقد المدينة مصادر التفرد الثقافي في شبه الجزيرة العربية، وتعمل منظمات المجتمع المدني جاهدة للحفاظ على موروث المدينة الثقافي الزاخر".
وفيما يخص معبد "جين" الهندوسي قالت (العلس) لـ"إرم" إن المعبد يعود للجالية الهندوسية التي كانت تقيم في عدن، وعند مغادرة هذه الجالية أصبح المعبد معلما ثقافيا يدل على التنوع الثقافي في هذه المدينة التي احتضنت كل الطوائف والأديان، ومن حق هذه المدينة أن تحافظ على شواهدها التاريخية".
وأشارت إلى أن عدن مدينة عالمية تحتفظ حتى اليوم بموروث ثقافي يعود إلى التنوع السكاني والتعايش الاجتماعي الذي تحظى به هذه المدينة السمحة، وميراث آثاري عائد إلى العصور القديمة والإسلامية، وما تزال تلك الشواهد واقفة على أراضيها، إلى جوار فترة الإدارة البريطانية التي حكمت عدن وأعطتها موروثا آخر من التمدن والتحضر استحقت بموجبه أسبقية الريادة في مجالات تعليمية واجتماعية وثقافية.