هوس الايدلوجيا
تؤدي كل أيديولوجيا سواءً كانت فكراً إنسانياً أو دينياً في المجتمعات الفاقدة للتنمية وظيفة حشد روحية للناس عند اشتداد أزمة المجتمع أو بلوغها نقطة الانفجار. أن وظيفة كل الأيديولوجيات يتجه صوب مساعدة الطرف أو الأطراف المستخدمة لها في حسم الصراع لصالحها, إنها تقوم بوظيفة المنظف والمُطهر السريع الفاعلية ؛ إذ يتمكن عبرها المجتمع من التخلص من أزماته عبر إرسال عدد من الناس إلى طاحونة القتل والفناء ـ فعلاً مُطهر للأشرار والشياطين من البشر ذهبت بهم إلى المقابر وللملائكة "البشر المخدوعين" الذين منحوا صكوك غفران إلى الجنةـ , وهناك قانون اضطراد أتساع الأفكار الأيديولوجيا مع انعدام التنمية, ولما كانت الأيديولوجيا تقوم بدور تبرير فشل التنمية, فإن الحاجة إلي ايديولوجيات من هذا النوع تغدو أكثر إلحاحاً في المجتمعات التي تفتقر للتنمية, خصوصاً إذا عرفنا إن غرض التنمية هو توفير ظروف حياة أفضل لهؤلاء الناس, ولا تستقيم التنمية إلاّ من خلال التنمية البشرية؛ ولأن المجتمعات المتخلفة تعجز عن توفير ذلك، فإنها تكون عرضة للأزمات الحادة, لذلك لا تتوانى السلطة الفاقدة للشرعية القانونية والأخلاقيةـ خصوصاً إذا كانت سلطة لصوص ـ عن أنتاج الدعاة, بكل أصنافهم دينين متطرفين ومفكرين غلاة، بيد أن مجتمعاتنا صارت تعاني من المتطرفين الدينين الغلاة, حيث أنهم صاروا الأكثر خطراً على المجتمعات.
وكما هو معروف أن أنتاج داعية يستطيع أن يحشد وينوم مئات أو ألوف البشر أسهل وأقل كلفة من أحداث تنمية لأولئك البشر, خصوصاً عندما تكون هذه الأنظمة فاقدة للشرعية ولا مشاريع لديها سوى النهب والاستحواذ على مقدرات بلدانها.
لا يريد يعض الناس أن يعترف أن الخطأ في مجتمعاتنا لا في "المؤامرة" وما يحدث في حياتنا من اخفاقات ليست نتاج مؤامرة, بل نتاج فشلنا وقصورنا في إدارة شاننا العام , ولأننا لم نستوعب أننا بحاجة تخليص السياسة من ذهنية القداسة. والتعامل معها بوصفها علم إدارة مصالح الناس المتناقضة والمتضاربة بالضرورة من أجل تحقيق السلم الأهلي والوئام الاجتماعي, وعليه فإن فشل الحكام العرب عن إحداث فرق في حياتنا يعود إلى قصورهم وعجزهم وفشلهم في فهم وتفسير ما يجري, ومنطق تبرير ما يحدث بواسطة نظرية المؤامرة أس وجذر المشكلة وهي مكابرة واستمرار للإخفاقات سيقودنا من فشل إلى فشل أعظم, لأنها تصور كما لو كان الخطأ هناك في مطبخ المؤامرة وليس في أنظمة الحكم وواقعنا العصي على التغيير, كما تصور الأمر بهذه الصورة لولا المؤامرة لما حدث ما حدث, ولكننا سنعيش في سبات ونبات
وسأكرر أننا بحاجة للخروج من هوس نظرية المؤامرة, لأنها مسئولة عن تعطيل قدراتنا على التغيير, وعلينا أن ننظر للمسألة بهذه الصيغة, كل تقصير منا لا يصب في مصلحتنا بالتأكيد, وأن نعترف بأخطائنا ونصلحها اسلم من أن نسعى إلى إيجاد مبررات للفشل.
العالم شفاف وواضح, والتقصير مننا, لأننا لم نستطع نقرأه بصورة صحيحة, كما أننا عاجزون عن استخدام السياسة كعلم إدارة, وندير حياتنا بالغرائز والعواطف والانفعالات والعنتريات, وهذه الوسائل ليست سياسية, وتقود حتماً إلى الفشل !!
ومع احترامي لأصحاب هذه الأفكار, إلاّ أنها كثرت أفكار التبرير لما نحن فيه القائمة على نظرية المؤامرة, وافكار كهذه صارت طاغية, وتحدث عطب وتشويش في التفكير العقلاني السليم, وصرنا أشبه بذلك التلميذ الفاشل الذي يعزو فشله إلى أن معلمه لا يعرف أو أن المقرر صعب!!!
تغريدة اولى
أقصر طريق يسلكه الحزب السياسي لكسب المعركة على السلطة، هي أن يلبس جبة الدين، ويطالب الدولة بتطبيق قوانين الشريعة. لكن مشكلة هذا الطريق القصير، أن قوانين الشريعة بالذات، لا تطبقها الدولة بل يطبقها المواطن. فإذا مرّت المغالطة، ونجحت الأحزاب الدينية في مسعاها، وتمّ تطبيق قوانين الشريعة في دول الوطن العربي، حتى صار لكل حكومة بوابة رسمية على الجنة، فإن المواطن العربي شخصياً، سوف لن يشارك في هذا العرس، ولن يؤدي فيه دوراً نافعاً، سوى أن يحمل الطبل والحطب. إنه لا يستطيع أن يطبق الشريعة حتى بمعونة من فقهاء الحزب.(المفكر الليبي الصادق النيهوم )
تغريدة ثانية
على الحركات الإسلامية السياسية أن تعلم تماماً بأنه ليس من مهمة الدولة إرسال الناس إلى الجنة بالقوة، أو منع الناس من الدخول إلى النار بالقوة. مهمتها هي تصريف أمور الحياة الدنيا.
(المفكر الإسلامي محمد شحرور)
==========
سامي عــــطا
استاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن