14 أكتوبر.. ملحمة انتصار الكرامة الوطنية على الاستعمار

المدنية أونلاين/عيدروس زكي السَّقَّاف:

حين انطلقت أصداء الحرية تتصاعد في أرجاء جبال رَدفَان الشَّامخة بمحافظة لحج، في الرابع عشر من أكتوبر 1963 م، انهارت جدران الخوف، لتولد من رحم التَّضحية ملحمة الكرامة والاستقلال، آنذاك، ولم يكن الرَّصاص وحده لغة الانعتاق، بل كان الإيمان العميق بأن الحرية أسمى من الحياة، وأن الوطن لا يُستَعاد إلَّا بالعطاء والتَّضحيات الجليلة، فارتفعت الرؤوس، وتفتَّحت العقول على عهدٍ جديد، إذ لم تعد الأرض ساحة للغزاة، وإنما موطناً لأبنائها الأحرار.

ومنذ تلك اللَّحظة الملحمية الحاسمة، تدفَّقت الدِّماء في عروق الأُمَّة عزيمةً وصلابةً، لتتشكَّل هوية وطنية جامعة، صاغت من الكفاح مشروع وجود، فانتصرت الثورة، وغادرت السفن البريطانية شواطئ عدن، وارتفعت رايات الاستقلال على ربوع جنوب اليمن، واليوم، بعد 62 عاماً، نقف عند هذه المناسبة المجيدة لاستلهام معانيها ودروسها، في مسيرة البناء الوطني، والتَّأمل في الإنجازات، التي رسَّخت الحرية والكرامة في نفوس اليمنيين.

وبمناسبة العيد الوطني الـ ٦٢ لثورة الـ ١٤ من اكتوبر العظيمة، أكد عدد من القيادات التنفيذية بمحافظة لحج أن ثورة 14 أكتوبر، لم تكن فقط مجرَّد حدث تاريخي، بل بداية مشروع حضاري مستمر، وأن روح الثورة ما زالت تسكن المجتمع، تلهم الأجيال الجديدة، وتوجِّه كل جهود التنمية، والبناء الوطني، في جميع القطاعات، لتظل ذكرى أكتوبر نبراساً يضيء مسيرة الوطن.

14 أكتوبر.. نقطة تحوُّل وبداية بناء الدولة

يؤكد وكيل محافظة لحج، الدكتور أحمد الشُبَيقِي، في حديثه مع وكالة (سبأ)، أن الانتفاضة الأكتوبرية الخالدة، أعادت صياغة مسار جنوب الوطن، وأزالت السيطرة الاستعمارية، وغرست في النفوس الثقة بقدرة الشعب على تقرير مصيره، وجعلت المواطنين صانعي قرار، وأصحاب عزيمة حُرَّة.

وأشار الدكتور أحمد، إلى أن الحركة التحررية أعادت تشكيل مفهوم الدولة، فظهرت المؤسسات الوطنية، باعتبارها التجسيد الحي لإرادة الشعب، وانطلقت مشاريع البُنَى التحتية، من موانئ وطرق، ومطارات، لتصبح اللَّبِنَات الأولى لدولة ناشئة، رغم محدودية الإمكانات، مما منح المواطنين، شعوراً بالتمكين والمشاركة في بناء وطنهم.

ونوِّه الوكيل الشُبَيقِي، بأن الثورة لم تكن خلاصاً سياسياً فحسب، بل لحظة اندماج اجتماعي، بيد أن الناس اتَّحدوا من مختلف المناطق، تحت راية واحدة، فسقطت الفوارق، وتكوَّن نسيج وطني متين، شجَّع المجتمع على القدرة على تجاوز التَّحدِّيات المقبلة، موضحاً أن استحضار رُوح ثورة 14 أكتوبر، اليوم، يبرز في ترسيخ الحكم الرَّشيد، وتوسيع المشاركة العامة، وتعزيز التنمية المستدامة، فالثورة كانت وما زالت بذرة مشروع حضاري، يحمل تطلُّعات الشعب، في العيش الكريم، الذي ينتظر تحقيقه.

14 أكتوبر.. أرست مفهوم الوظيفة العامة

اشار مدير مكتب الخدمة المدنية والتأمينات بمحافظة لحج، محمَّد مَدَس، في حديثه مع وكالة (سبأ)، إلى أن ثورة 14 أكتوبر 1963 م، دشَّنَت تبدُّلاً عميقاً في هيكل الإدارة الحكومية، فأرست أُسُس الخدمة المدنية الحديثة، وأعادت الاعتبار لقيمة العمل العام، لكونها أمانة وطنية، ومسؤولية جماعية، مؤكداً أن مرحلة ما بعد الاستقلال شهدت إنشاء مؤسسات قائمة على الكفاءة والانتماء، لا الولاءات الضَّيِّقة، فبرزت نخبة من الإداريين ساهمت في بناء منظومة إدارية متينة، قادرة على مواجهة معوِّقات المرحلة الجديدة، وتأسيس قاعدة صلبة للدولة.

ويرى مدس، أن نظام التأمينات الاجتماعية، كان ترجمةً لفلسفة العدالة، التي حملتها الثورة، إذ كفلت الدولة حقوق العاملين والمتقاعدين، وقدَّمت مظلة حماية للمواطنين، ضد الفقر والمرض، ليصبح الوفاء بالواجب الاجتماعي، جزءاً من ثقافة العمل العام.

ولفت مَدَس، في ختام حديثه، الى أن الاستمرار في الوفاء لرسالة ثورة 14 أكتوبر، اليوم، يتجلَّى في إصلاح الهياكل الإدارية، وترسيخ النزاهة، وربط الأداء بالكفاءة، وتوسيع مظلَّة التأمينات، لتظل الوظيفة العامة رمزاً للعطاء الحقيقي، والخدمة المخلصة للوطن.

14 أكتوبر.. أعادت الحياة إلى العروق الجافة

يوضح مدير عام المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بمحافظة لحج، طلال ردمان، في حديثه مع وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أن ثورة 14 أكتوبر، لم تكن مجرَّد حدث سياسي فقط، وإنما لحظة بعث عمراني شملت حتى منابع المياه، فقبل الاستقلال، كانت المدن تعاني شحاً حاداً وتدهوراً، في شبكات الإمداد، مشيراً إلى تنفيذ مشاريع مائية كبرى، تمثلت في حفرت الآبار، ومدَّ الأنابيب إلى القرى البعيدة بمديريات محافظة لحج، لتصبح المياه حقاً عاماً لكل المواطنين، بعيداً عن الاحتكار أو التمييز.

ولفت إلى أن تطوير قطاع الصرف الصحي، ساهم في حماية المدن من الأوبئة، وتحسين الصحة العامة، والبيئة الحضرية، ليكون ذلك إنجازاً تنموياً، يعكس جوهر الثورة.

ويؤكد طلال، في ختام حديثه، أن استلهام رُوح ثورة 14 أكتوبر، اليوم، يعني التوسُّع في مشروعات حفر ابار المياه الجوفية العذبة الجديدة، وشبكات المياه الحديثة، وتقليص الفاقد المائي، لتظل المياه رمزاً للحياة، والسيادة كما كانت رمزاً للتحرر الوطني.

الثورة.. إنقاذ الإنسان من الإهمال الصحي

ويقول مدير البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا بمكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة لحج، الدكتور عادل السَّيِّد، في حديثه مع وكالة (سبأ)، "إن معركة التحرر لم تطرد المستعمر فحسب، بل أنقذت أرواح المواطنين من الإهمال الصحي الطويل، بيد أن الاحتلال، كان يترك المجتمع فريسة للأمراض، بينما كانت الخدمات الطبية محدودة جداً".

وأشار السيد، إلى أن السنوات الأولى للاستقلال، شهدت إنشاء مستشفيات، ووحدات صحية، وإرسال بعثات تدريبية للخارج، مما أسهم في بناء منظومة وطنية للرعاية الصحية، فصار العلاج حقاً إنسانياً، لا امتيازاً محدوداً، لافتاً إلى أن التركيز شمل الأمومة والطفولة من خلال حملات الرَّش الضبابي، والرَّش الرذاذي لتجنب أمراض الملاريا والحميَّات، والتحصين وإنشاء أقسام متخصِّصة، مما ساعد على خفض الوفيات، وتحسين نوعية الحياة، وكان ذلك ترجمة حقيقية لمعاني ثورة 14 أكتوبر، في خدمة الإنسان.

وأكد الدكتور عادل، في ختام حديثه، أن الحفاظ على جوهر الثورة الأكتوبرية، اليوم، يتأتَّى بتحديث النظام الصحي، وتأهيل الكفاءات، وتوسيع نطاق الخدمات، فالمعركة الرَّاهنة، هي ضد الأمراض، وجودة الحياة هي ميدانها الجديد.

14 أكتوبر.. الشباب شعلة الاستمرار

وقال الناشط الشبابي بمنظمات المجتمع المدني بمحافظة لحج، المهندس ريَّان مفتاح، في حديثه مع وكالة (سبأ)، "أن ثورة 14 أكتوبر 1963 م، كانت ثورة الشباب، إذ فجّروا شرارتها في الجبال والمدن، ليصبحوا رواد النضال وصُنَّاع التغيير بعد الاستقلال، حاملين مشعل الحرية في كل مكان".

وأضاف المهندس ريَّان "إن الدولة وفَّرت الأندية الرياضية، والثقافية، لتفجير الطاقات وتوسيع المدارك، وشجَّعت النشاطات الطلابية لترسيخ الثقة والمواهب، فتوسَّعت قاعدة المشاركة الوطنية بين الشباب، وازداد وعيهم بمسؤولياتهم تجاه المجتمع".

ونوِّه بأن الرياضة، والثقافة أصبحت واجهات حضارية، بيد أنه تأسَّست اتحادات وطنية، وجرت المشاركات الخارجية، فارتفع علم الوطن في المحافل الدولية، وهو رمز حي لاستعادة السيادة الوطنية، واعتزاز المواطنين.

كما أكد المهندس ريَّان، في ختام حديثه، أن استمرار المسار، اليوم، يتطلَّب تطوير البنية الرياضية، وتمكين الشباب من مواقع القرار، وتوفير بيئة حاضنة للإبداع، فهم رواد النضال بالأمس، وصانعي التقدم اليوم، وركيزة أساسية، لاستمرارية النهضة الوطنية.