مجازر إنسانية خلف الجدران..

مختطفون سابقون يكشفون جانبا من فظائع التعذيب المميت في سجون الحوثيين

المدنية أونلاين/متابعات:

كشف عدد من المعتقلين السابقين لدى جماعة الحوثي في اليمن عن فظائع مروعة تعرضوا لها خلال فترات احتجازهم، في شهادات صادمة توثق جانبًا من الانتهاكات التي تطال آلاف المدنيين المختطفين، وسط مطالب حقوقية متزايدة بفتح السجون السرية أمام لجان تحقيق مستقلة وتحريك ملفات المساءلة الدولية. 

الشيخ عبد الهادي الشامي، أحد أبرز وجهاء قبيلة أرحب بمحافظة صنعاء، اعتُقل من منزله في العام 2015 على يد مسلحين حوثيين مدججين بالسلاح، اقتحموا المنزل في منتصف الليل، وعبثوا بمحتوياته، واقتادوه دون أي أمر قانوني إلى جهة مجهولة. يروي الشيخ الشامي أنه تنقل بين عدة سجون تابعة للجماعة، منها الأمن السياسي، والبحث الجنائي، وسجن احتياطي الثورة، قبل أن يُنقل إلى أحد السجون السرية التي لا يعلم مكانها حتى اليوم. 

وحسب تحقيق استقصائي لمنصة "جسور بوست"، قال الشامي: "ظللت مخفيًا لعامين، لم يُسمح لأهلي بزيارتي، ولم أُعرض على أي قاضٍ، ولم أعرف ما هي التهمة التي اعتُقلت بسببها". وذكر أنه تعرض لأنواع متعددة من التعذيب، أبرزها الضرب المبرح في مناطق حساسة من الجسم، وربط اليدين للخلف وتعليقه من السقف لساعات، إلى جانب الشتم والإهانات المتواصلة. وأضاف: "كانوا يقولون لنا: أنتم دواعش، أنتم مرتزقة السعودية. كنا نعيش يوميًا بين الإذلال والتهديد بالتصفية". 

أما عن الجانب النفسي، فأوضح أن والده تُوفي وهو في السجن دون أن يتمكن من رؤيته، بينما أُصيبت والدته بجلطة دماغية نتيجة الصدمة. يقول: "هذه الآلام لا يمحوها الزمن، فقد كنت أشعر أنني أنتمي لعالم الموتى، لم يكن هناك ما أتمسك به سوى الكتابة على الجدران، كنت أخربش بالحجارة لأسجل تواريخ الأيام أو أكتب أدعية تبقيني حيًا من الداخل". 

في شهادة أخرى، قال الصحفي حمزة الجبيحي، الذي اختُطف من أحد شوارع العاصمة صنعاء في أكتوبر 2016 أثناء عودته إلى منزله، إنه اقتيد إلى سجن يتبع جهاز الأمن القومي، حيث خضع لتحقيقات مطولة وعنيفة دون السماح له بمقابلة محامٍ أو إبلاغ أسرته عن مكانه. 

وأكد الجبيحي أنه تعرض للصعق الكهربائي في عدة مناطق من جسده، خصوصًا اليدين والقدمين، وأن المحققين استخدموا أسلوب "الشبح" بتعليقه في وضعية مؤلمة من السقف لساعات، إلى جانب الضرب بالعصي الحديدية. 

وأضاف الجبيحي: "كانوا يقولون لي إنهم سيفرجون عني إن اعترفت بكوني عميلًا لتحالف العدوان، وإنني أعمل لصالح جهات أجنبية. وعندما أنكرت، بدؤوا بابتزازي نفسيًا بنشر أكاذيب عن زوجتي وأطفالي، وهددوا بتركي في السجن إلى أن يُنسى اسمي". وأوضح أنه خضع لسبع جلسات محاكمة لم يُسمح خلالها لأي جهة محايدة بالحضور، قبل أن يُطلق سراحه ضمن صفقة تبادل أسرى أواخر العام 2020. 

من محافظة تعز، قدّم الناشط الإنساني مشتاق الفقيه رواية مريرة عن اختطافه من نقطة تفتيش تابعة للحوثيين في منطقة الحوبان عام 2017 أثناء توجهه لتوزيع مساعدات. وقال الفقيه، إنه أُخذ إلى معتقل الصالح، أحد أكبر السجون السرية في تعز، وهناك احتُجز في زنزانة جماعية ضيقة برفقة أكثر من 25 معتقلًا، دون تهوية أو فرش أو طعام كافٍ. وأضاف: "كنا نتناول وجبة واحدة باليوم، وكان السجانون يتعمدون حجب الماء عنّا. شاهدت بعيني معتقلين يُضربون حتى فقدوا الوعي، وآخرين أصيبوا بانهيارات نفسية نُقلوا بعدها إلى مصحات". 

وروى الفقيه حادثة عن أحد زملائه المعتقلين، وهو طبيب شاب، جرى نقله من الزنزانة بعد تعرضه لتعذيب شديد، ولم يُعرف مصيره منذ ذلك اليوم. وقال: "كنا نشعر أن الموت أرحم من البقاء، لكن الأكثر إيلامًا هو أن لا أحد في الخارج يعرف أننا هنا". 

تتوافق هذه الشهادات مع ما وثقته منظمة "سام" للحقوق والحريات في تقريرها السنوي الأخير، الذي سجل وقوع 3,497 انتهاكًا لحقوق الإنسان في اليمن خلال عام 2024، بينها 3,014 انتهاكًا ارتكبتها جماعة الحوثي وحدها، أي بنسبة 86%. 

واشتملت الانتهاكات على 169 حالة تجنيد أطفال، و149 واقعة قتل خارج القانون، و18 حالة وفاة تحت التعذيب، بالإضافة إلى 452 حالة اختطاف، و47 محاكمة سياسية، و23 اعتداءً جنسيًا، و54 حالة مصادرة ممتلكات خاصة. 

رئيس المنظمة، توفيق الحميدي، قال إن الجماعة طالت بانتهاكاتها حتى موظفين أمميين ودبلوماسيين، مؤكدًا أن غياب العدالة المحلية في اليمن وغياب المساءلة الدولية ساهم في تفاقم الجرائم. وطالب الحميدي بتشكيل لجنة أممية مستقلة للتحقيق في هذه الانتهاكات وفتح مراكز الاحتجاز أمام المنظمات الحقوقية. 

من جانبها، حذرت رنا غانم، عضو هيئة التشاور والمصالحة، من تضخم الآليات الدولية دون نتائج ملموسة، معتبرة أن ملف المعتقلين يجب أن يكون بندًا رئيسيًا في أي تسوية سياسية، ضمن إطار العدالة الانتقالية. ودعت غانم إلى تحرك وطني موحد للضغط من أجل كشف مصير المختفين قسرًا، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في اليمن دون استثناء.