تاريخ عريق وأرض واعده بالخير الوفير..رحلة إلى الشرق
من المكلا انطلقنا صوب وادي حضرموت، وبعد زهاء أربع ساعات وصلنا مفرق «بن عيفان» وكان الزميل عوض كشميم في انتظارنا لينقلنا إلى منزله العامر في مدينة حريضة. أمسينا ليلتنا هناك وفي السابعة صباحاً انطلقنا صوب مدينة سيئون ومررنا في الطريق بمديريتي القطن وشبام، شاهدنا الأرض الزراعية الممتدة غير المستغلة وبعضاً من ظواهر النهب التي طالت مساحات منها، والتي نتمنى أن لا تتكرر وأن يتم معالجتها معالجة حقيقية، والتقينا بالناس الذين يتطلعون إلى واقع جديد يحسون فيه بقيم العدالة والمواطنة واهتمام الدولة المنشود. في شبام توقفنا نحو ساعة ونصف لمشاهدة عبقرية الإنسان اليمني في بناء أول ناطحة سحاب في العالم من الطين والقش وما تزال تلك الناطحات تقاوم عوامل التعرية والإهمال بشموخ وكبرياء.
كانت مدينة شبام التي ترجع نسبتها إلى «شبام بن حمير بن سبأ» ويعود بناؤها القديم إلى 2500 عام والحديث إلى 600عام كما قال مدير عام السياحة محمد باعبيد مركزاً سياسياً هاماً في حقب زمنية خلت، وهي إذ تظل شاهدة على تاريخ عريق في حضرموت واليمن عموماً تحتل موقعها الآن ضمن أحد ابرز عجائب العالم وشاهداً حضارياً وثقافياً عن عظمة الإنسان والتاريخ معاً، وهي في أمس الحاجة للفتة حكومية عاجلة.
من سيئون انطلقنا صوب مدينة تريم العريقة بتاريخها الديني والثقافي، زرنا فيها عدد من المواقع التاريخية كجامع المحضار ودار المصطفى ورباط تريم وفي «شعب عيديد» تذكرنا كلمات المحضار المغناة وأثناء العودة منه مررنا بالمنزل الذي ولد فيه الفنان الكبير أبوبكر سالم بالفقيه ثم زرنا قرية «دمون».
تريم مدينة العلم والروحانية تعيش حالة سكون ووقار وهذا شيء ملفت لكل من يزورها، وهي كما يقول من التقينا بهم حالة من الطقوس التي درجت عليها المدينة منذ القدم، وربما يكون لها علاقة بكونها مدينة العلم والثقافة التي يتولد فيها شيء من الرزانة الطبيعية، تعبيراً عن حالة الانهماك وتقديراً لقيمتها الحضارية المشرقة التي تجاوزت حدود اليمن.
كل الأماكن التي زرناها بحضرموت من المكلا إلى الوادي شاهد حي عن حضارة عريقة وعن طبيعة الإنسان الحضرمي الهادي والطموح الذي يطبع الحياة بطابعه أينما حل ورحل، عن محافظة مترامية الأطراف لم تحسن الدولة استغلال عوامل كثيرة فيها لتجعل منها رافداً لبناء دولة يمنية قوية ترعى مصالح سكانها بالعدل والمساواة، بل عبر الممارسات الخاطئة جعلت منها مجرد "بقرة حلوب" لا أكثر ولا أقل، وهذا ما جعل أهاليها يعبرون بين حين وآخر عن توجهات عصبوية ليست من سلوكهم ولا طبيعتهم الحضارية التي تجاوزت الحدود اليمنية والعربية لتشارك في تشييد حضارات العالم.
لقد استحثت الممارسات الخاطئة لنظام الحكم في حضرموت وغيرها من مدن الجنوب النزعات التي تتصادم مع موروثهم وتاريخهم وحضارتهم، وبدلاً من إيجاد حلول لها أوغل النظام فيها في السنوات الأخيرة، إلى أن جاءت ثورة الشباب التي يبدو أن الأمل بالتغيير إلى الأفضل راود الناس وما يزال يراودهم عبرها ومن خلالها، وأن أي انتكاسة أو الاستمرار في الممارسات الخاطئة قد يكون له نتائج سلبية مع العلم أن التغيير في بلد كاليمن بحاجة لصبر وتحدٍ كبير.
رحلة إلى الشرق.. شرق اليمن يبدو واعداً بالخير الوفير في باطن الأرض وما تقرأه في وجوه الناس وتطلعاتهم؛ إذ هم عصب التنمية والتحول في كل مجتمع، فالمجتمع الناجح هو الذي تتم المراهنة فيه على القدرات الكامنة والإبداعية لدى الناس وتوظيفها توظيفاً حكيماً وحقيقياً، أما أرضنا اليمنية فحدّث ولا حرج واعده بالخير وتبشر بتحول حضاري قادم وكبير في حال أحسنّا استغلالها لمصلحة الإنسان والدولة ومشروعها الحضاري والمدني المنشود.