لقاء مع المسرحيّ الجزائريّ محمد زعيتري (المسرح والحياة والفكر والتّشكيل)

المدنية/خاص/أجرى اللقاء/الأديبة د.سناء الشعلان:

كان لي هذا اللقاء معه على أرض الجزائر العظيم،أرض المليون شهيد أرض الأبطال والإباء،أرض الجمال والعلم والزّهاد وزوايا الصوفيّة ومراقد الأولياء.كان الحوار معه في أرض مدينة معسكر حيث في الأفق يعتلي مرقد البطل عبد القادر الجزائري صهوة الجبل،ويناظر من مكانه أرض جهاده وحركات المجاهدين الأبطال ضدّ الاستعمار الفرنسيّ،وفي الأفق المقابل تنتصب أمامه على الرّبوة المقابلة جامعة معسكر باذخة بالعلم والمحبّة والعطاء.

 

وكان المسرحي محمد زعيتري على عادته التي يألفها كلّ من يعرفه؛فهو يضجّ حماساً وإبداعاً ومحبّة،ويهدر بسيل من المعلومات في شتى العلوم؛إذ هو طلعة مبتكر جريء روحه مزيج من خفة الدّم والابتكار والدّعم للآخرين وإنزال أفكار العلم لاسيما في حقول المسرح على أرض الواقع.هو باختصار رجل الاحتمالات التي لا تنتهي.

 

إطلالة على بطاقة التّعريفيّة: هو جزائري من مواليد الجلفة،مارس التّعليم الإبتدائي،ويمارس الآن التّعليم الجّامعي بعد أن نال عدّة شهادات في حقول الإعلام وأدب اللّغة العربيّة والأدب العالمي و السايكودراما ،عمل كذلك في الإعلام المكتوب والمرئي،كما عمل رئيساً لمكتب الاتّصال والعلاقات العامة في المركز الثّقافيّ الإسلامي،كتب القصّة القصيرة والمسرح والسيناريو،وأخرج بعضاً من المسرحيّات والأعمال التّسجيليّة التّاريخيّة والوطنيّة،عضو في كثير من المشاريع الأدبيّة والسّينمائيّة والمسرحيّة،كما شارك في الكثير من ورش العمل والمهرجانات والمؤتمرات.

 

 ماذا يقدّم تخصّص السّايكودراما للمسرح؟

لكل ميدان من ميادين الفنون جوهر و لب يدور حوله ليكتسب نوع من الحياة و السيرورة التي تبعث في الاخر شعلة الانجذاب ؛ و المسرح اساسا اذا لم يتعلق بالحياة النفسية للمتلقي فانه لا يعدو ان يكون مجرد عبث مقصود بعيدا عن الهدف الرئيس الذي وجد من اجله و هو التطهير و تقديم الرسائل الاجتماعية التي تكرّس الدستور الاجتماعي للرقي بالحياة الى الممارسة الاجتماعية الراقية ، و السايكودراما هي عصب المسرح و من خلال المصطلح فهي تعني بتعبير بسيط المعالجة النفسية ( سايكو ) و (درما) و تعني المسرح او العمل المسرحي او المسرحية في حد ذاتها و من هنا نصل الى مفهوم كلي  يأخذنا الى التفكير في كيفية توظيف المسرح نفسيا حتى يصل الى اعماق المتلقي و منه يكون متنفسا للاحتقان الاجتماعي و الفكري و من هنا فما تقدمه السايكودراما للمسرح هو بث الروح فيه و جعله نبض جمعي يخدم القضايا الانسانية الكبرى.

 

ماذا قدّم محمد زعيتري للمسرح عبر تخصّصه بالسّايكودراما؟

محمد زعيتيري يخطو خطواته الاولى نحو عالم مليئ بالمفاجآت الا و هو عالم المسرح الذي يتشعب كلما غصنا فيه اكثر ؛ و ما يحاول تقديمه للمسرح عبر تخصص السايكودراما هو ترسيخ فكرة ان المسرح ليس ركحا لممارسة حركات و اداء نصوص بقدرما هو فضاء ذاتي اناني يحتاج اليه كل فرد منّا في حياته اليومية دون الاضطرار للاحترافية ؛ فكلنا يمارس المسرح يوميا من خلال تصرفاته اليومية ، و كل منّا يلعب دور الممثل في اطوار مختلفة من يومياته حتى يستطيع التعامل مع مجريات الحياة و لذلك يحاول محمد زعيتري ان يلج ميدان الصحة النفسية من خلال توظيف السايكودراما في المسرح.

 

لماذا لجأ محمد زعيتري إلى المسرح؟

المسرح بالنسبة لي عالم واسع لا يحده نص و ركح ؛ بل اعتبره مدرسة حياتية تسمح لنا بفهم الواقع من زوايا مختلفة  و الوصول الى خلق توازنات حقيقية لكل متناقضات هذا العالم ؛ فالمسرح كان و لا يزال ذلك الفضاء الميتافيزيقي الذي من خلاله يحق لنا التحليق في ذات الذّات و سبر اغوار النفس البشرية بعيدا عن قيود العلوم الدقيقة و يمنحنا فرصة إعمال الفكر في مواجهة القضايا الانسانية و الاجتماعية بفكر متفتح لا يتصلب للافكار الجامدة و لا ينحاز للنعرات القبلية ؛ فمن يعود للمسرح منذ تاريخ الاغريق يفهم ان هذا الميدان كان و لا يزال الى يومنا هذا فن من فنون التنفيس عن المآسي الاجتماعية ؛ فالمسرح انعتاق و تحرر .

 

ما هو العمل المسرحيّ الذي تحلم بإنجازه؟

سؤال يصيبني بغصة ؛ ليس لصعوبته بل لحرقة في نفسي مما حلمت به دائما و تحطم على جدار الواقع . حلمي بسيط جدا لكنه في ذات الوقت عميق و مهم ؛ احلم بتقديم عمل مسرحي يخدم المسرح ذاته و يمحو الصورة السيئة التي التصقت به بسبب بعض المتطفلين و بعض الجهلة الذين شوهو صورته و اصبح يعني الفوضى و العبث المقصود و ليس العبث الذي اسس له صموئيل بيكت و من هذه النظرة حلمت دائما ان انتصر للمسرح بكتابة و اخراج مسرحية تستعرض تاريخ المسرح عبر العصور و ما قدمه للمجتمعات على مر السنين من خدمة لقضاياهم العادلة

 

هل يمكن أن يغدو المسرح مدرسة للجيل ومستشفى من الأمراض النّفسيّة والفكريّة التي يعاني الكثيرون منها؟

انا اثق كل الثقة بأن المسرح له دور كبير في بناء الذات الانسانية و صقل الخبرات الفردية من خلال ما يقدمه من تجارب الاخر و الانفتاح على ثقافات متعددة فهو مدرسة حقيقة للاجيال لمد جسر بين الماضي و المستقبل مرورا بالحاضر و ربط اواصر محبة بين المجتمعات من خلال الغوص في ثقافات بعضها البعض و منه نستطيع ان نبني جيلا يفكّر بطريقة منطقية بعيدا عن العصبيات و العقد النفسية في اطار المفاضلة بين المبادئ و الاخلاق و ليس الاعراق و الاجناس.

جيل متفتح على العالم يتمتع بصحة نفسية متزنة بعيدا عن الافكار الضيقة التي يصاب بها بسبب التقوقع والتقليد الاعمى  ؛ فالمسرح متنفس لكثير من الازمات النفسية لما يعالجه من قضايا قد تتيح للمتلقي فضاء رحبا و تفتح امامه ابواب الامل .كما ان المسرح ليس مأساة فقط بل اوجد الاغريق الملهاة لتختص بالترفيه عن المشاهد و اعادته الى توازنه النفسي.

 

ما رأيك بالمسرح الحداثيّ والتّجريبيّ؟

المسرح الحداثي و التجريبي سلاح ذو حدين اما ان نحسن استعماله و امّا عمّ الهلاك ... لكن ما يجب التركيز عليه هو انّ من يمارس المسرح الحداثي و يحاول رسم خط سير في ميدان التجريب يجب عليه ان يكون ذا تكوين عال و ثقافة واسعة حتى لا يقع في عقدة التقليد الاعمى و حتى لا يجني على المسرح بحجة التجريب فيسلخه عن مقصده الاساسي و يجعل منه مسخا فلا هو حافظ على الاصالة و لا هو وصل الى التجديد ؛ و بمعنى آخر ان التجريب في المسرح لا يعني التشظي في اللغة و الفكرة و الصورة و الاطناب في الاغراب بحجة الحداثة بل المقصود هنا ان نجد أليات جديدة لمسايرة الحياة الاجتماعية السريعة التي نعيشها ؛ فالمسرح اليوم على غير العادة اصيب بثقافة السندويتش و الاكلات السريعة و في ظل العولمة لم يصبح لنا متسع من الوقت لعرض مسرحية في ثلاث فصول مثلا او ان تتجاوز مدتها بضع ساعات فالمتلقي في عصرنا هذا بحاجة الى مسرح حداثي يعتمد التكثيف و توظيف ثنائية المخاتلة و تقديم الصورة و العبرة بصورة صحيحة غير معقدة و في نفس الوقت لا يجب ان تكون سطحية فيضيع هدفها الاسمى

 

هل المسرح المدرسيّ والجامعي مطلب تربويّ مهمّ؟

من بين القضايا التي دافعت عنها كثيرا هو التأسيس للمسرح في كل الاطوار و في كل الميادين فاذا لم تحتضن المدرسة و الجامعة  المسرح و تهذبه و تصبغ عليه صفة الاكاديمية فأين يمكن ان نؤسس  لمسرح يخدم القضايا التربوية و الفنية و لقد كانت لي تجربة مع وزارة التربية الجزائرية انبثقت عن يوم دراسي حول دور المهاذب الجمالية في ترقية النتائج التحصيلية لدى تلاميذ الطور الابتدائي – أوصينا فيها بتأسيس لفقرة المسرح التعليمي باعتباره في ايامنا هذه نوع من انواع تقديم الدروس و وسيلة ناجعة لتقدم الطفل في التحصيل لانه يسهّل العملية التعليمية و يحولها من النمط الجاف الى النمط الترفيهي في نظر الطفل . و المتعلّم بصفة عامة ؛ و قد اصبح من الضروري اليوم مسرحة بعض المناهج لتسهيل تلقينها خاصة ما يتعلق بالاطوار الاولى من التعليم باعتبار الطفل جاء الى المدرسة ليلعب لا أن يسجن –كما يتصور- و من هنا ارى بأن المسرح ضرورة تربوية ملّحة في عالم التعليم من الابتدائي الى الجامعة و طريقة ناجعة لتثقيف و تعليم ابنائنا باسلوب راق و بسيط بعيدا عن القيود

 

كانت لك تجربة بتكوين فرقة المسرح الجامعيّ في جامعة الجلفة و جامعة المسيلة.فماذا تقول عن هذه التّجربة؟

حقيقة هي تجربة رائدة و نقطة تحول بالنسبة لي خاصة بعد ان قطفت ثمارها في اقل من سنة بعمل كان له صدى كبير داخل و خارج الجامعة و حتى على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ففكرة الفرقة المسرحية هي نوع من كسر حواجز الخوف من المسرح و كذا فضاء للمبدعين الشباب لممارسة فنون الكتابة و الابداع خاصة اذا كان هؤلاء من الطلبة المبدعين اساسا و كانت أول تجربة في تأسيس فرقة مسرحية مع بداياتي في التعليم الابتدائي و كوّنت فرقة من تلاميذي كنت اسهم بهم في تنشيط الحفلات المدرسية و المناسبات الرسمية و كذلك الاستعانة بهم في تأدية بعض حصص المحادثة و التعبير و بقيت الفكرة معي الى الجامعة حيث أسست فرقة على مستوى جامعة الجلفة بمعية بعض الطلبة و كررت التجربة في جامعة المسيلة بصحبة الدكتور مفتاح خلوف الا أنّ المشروع توقف مؤقتا لحين اعادة هيكلة الفرقة .لكن تبقى هذه التجربة خطوة اولى في مشروع التأسيس لمسرح جامعي قوي و هادف يكون شريكا حقيقيا في المنظومة الجامعية و لسان حال المبدع داخل و خارج محيط الجامعة .

 

ماذا تقول عن المسرح والحياة والفكر والتّشكيل عند محمد زعيتري؟

تتكلمين عن رباعية جميلة جدا و مهمة في حياة كل مبدع فالمسرح و الحياة و الفكر و التشكيل عند محمد زعيتري هي معادلة بسيطة تختزل الى ثنائية الحب و الموت فبهذه الرباعية احيا و من دونها اموت

 

هل المسرح- وفق رأيك- هو حياة موازية للحياة المعيشة؟

لا يجب ان يكون المسرح حياة موزاية للحياة المعيشة لانه بهذا سيفقد اهم ركن فيه و لا يصبح سوى مرآة عاكسة لما يحدث في المجتمع و لا فرق بينه و بين التقارير التي تحملها الجرائد في طياتها كل يوم ؛ بل يجب ان يضطلع بمهمته الاصلية و هي التطهير و التغيير و نقد الواقع ليقدم للمجتمع البدائل و الحلول و ليس فقط اعادة اجترار ما يحدث فعلا . المسرح الحقيقي هو مسرح الثورة على الواقع في محاولة للتطوير الدائم للمجتمع و تحسين الاداء الجمعي في كل القضايا الانسانية

 

كيف ترى المسرح الجزائري في الوقت الحاضر؟

على الرغم من واقع الركود العام الذي يتخبط فيه المسرح العربي اجمالا؛ الا ان الجزائر اليوم تعيش عصر تحولات -و الحمد لله- المبدعون الشباب اكتسحو الساحة بجدارة ، و هناك اسماء لامعة تحاول جاهدة الرقي بالمسرح الى اعلى المستويات ،  و ذلك بانتاجها الغزير و بالاحتكاك بالتجارب المسرحية العالمية ؛ سواء التاريخية او الحداثية .و بحكم قرب الجزائر من اوروبا ؛ فإنّ حلقة الاحتكاك كبيرة جدا ،و نشطة ،و المسرح الجزائري يخطو خطوات جبارة رغم بعض العراقيل و الحواجز - من حين لآخر-  لكن المستقبل يبشر بالخير ؛ شرط  المثابرة و استمرارية العمل و التطوير ليصل الى مراحل متقدمة .

 

بماذا تصف المسرح العربيّ في الوقت الرّاهن؟

سؤال يحتاج فعلا لدقيقة صمت .....فالمسرح العربي عرف نوعا من التقهقهر و الركود و هذا عائد الى اسباب عدة قد يكون من اهمها ضياع الهوية العربية و فقدان الانتماء للقضية العامة لكن هذا لا يعني انه مات كليا فهناك بعض التجارب الراقية لكنها قليلة ، و لا تكفي في ظل التحولات العالمية الكبرى التي تحاول طمس هويتنا العربية، و القضاء على الاجيال بترسيخ ثقافة التغريب .

 

لماذا ليست هناك إسهامات عربيّة مهمّة في تشكيل خارطة المسرح العالميّ؟

حتى نكون حقا شركاء في صنع خارطة المسرح العالمية يجب اولا ان نتوقف لحظة لاعادة ترتيب الصفوف و فرض الذّات و تكوين جيل مثقف يحمل رسالة التغيير الحقيقي ،و الهادئ ، بعيدا عن تكريس ثقافة الدمار التي يبثها فيه الغرب لتحطيم كل مقومات المجتمعات العربية ، و تحطيم آخر حصن و هو الثقافة ؛ ثم يجب علينا ان نؤسس لمسرح حقيقي يخدم قضايانا بكل خصوصياتها و لا نبق نجتر اعمال الغرب فقط و الاعتماد على الترجمة و الاقتباس ؛ بل يجب فتح المجال واسعا اما الابداع الحقيقي و تقديم يد المساعدة لجيل الشباب ليستلم المشعل و حينها سيصبح للمسرح العربي مكانة حقيقة في خارطة المسرح العالمي و سيؤثر بشكل كبير في تغيير الفكر المحموم الذي يبثه الغرب من خلال السينما و وسائل الاعلام.

 

أنت قد درست الإعلام.ماذا يقدّم الإعلامي للمسرحيّ؟

المسرح فن ، و الاعلام هو فن نقل المعلومة . و كما يحتاج المسرحي الى نقل الفكرة الى المتلقي بطريقة صحيحة؛  فإن الاعلامي ايضا يحتاج الى تقنيات عالية للبحث عن المعلومة ،و صياغتها ،و نقلها ،و هذا هو العامل المشترك بين الاعلام و المسرح . و قد ساهم الاعلام كثيرا في بلورة الكثير من الافكار المسرحية من حيث النص و كذلك من حيث المعالجة الدرامية ؛ كما ان الاعلام هو القناة الناقلة للفنون الاخرى .

 

لقد درستَ اللّغة العربية واللّغة الفرنسيّة و الانجليزية .ماذا تقدّم دراسة اللّغات للمسرحيّ؟

اللغات هي النافذة الحقيقية لفهم العالم و الاحتكاك الثقافي و لذلك فالمسرحي غير المتفتح على اللغات هو مسرحي متقوقع و لا يمكن ان يبدع اعمالا ترقى الى مستوى العالمية فاللغة مفتاح الفكر و المسرح يحتاج لمبدع مثقف و متفتح

 

لقد درست الكثير من التخصصات،مثل العلوم السّياسيّة والعلاقات الدّوليّة والقانونيّة والإنجليزيّة التّقنيّة.فما سبب ذلك؟

قد تكون الاجابة صادمة نوعا و لكن سأقول باختصار اني اؤمن بأن الانسان في هذا العالم لا يجب ان يكتفي بتخصص واحد لان الانسان مجموعة من العلاقات المختلفة و فهم القضايا الحياتية يحتاج الى فكر ناضج متفتح و يحتاج الى نظرة شمولية و انا كنت ادرس هذه التخصصات من باب التفتح على الاخر .

 

هل من المهم أن يكتب المسرحيّ نقداً حول المسرح؟

ممارسة عملية الكتابة المسرحية او حتى الاخراج المسرحي هو نوع من النقد لذلك نجد كاتب النص او المخرج يبحث دائما عن نقطة الكمال و هذا في حد ذاته اسمى مراحل النقد سواء كتب ذلك في  مدونة أم اكتفى بتطبيقه

 

متى يكتب محمد المسرحيّ النّقد المسرحيّ؟

بالعادة انا لا اكتب نقدا بالمفهوم الاكاديمي ؛ لكني أدوّن بعض الملاحظات طبقا لما تمليه علي الذائقة الفنية و اكتفي بتدوين ملاحظات لصالح الرقي بالمسرح و اعادته الى دوره المنوط به

 

ماذا قدّم المسرح العربيّ في تاريخ المسرح العالميّ؟

نستطيع القول ان المسرح العربي كان في فترة من الفترات و خاصة المائة سنة السابقة – تاريخ ظهوره و ازدهاره – لبنة اساسية في تكوين المسرح العالمي بتلقيه للحضارات السابقة و توظيفها و كذا تأثيره في الحضارات المعاصرة له  و لكن بعد ذلك و بكل أسف فإن المسرح العربي اجمالا يحتظر بغض النظر عن بعض التجارب الناجحة و بعض المحاولات هنا و هناك للنهوض به ؛ و لكن الجو العام يبعث في النفوس الملل و الركود خاصة بعد التوجه الكبير للسينما . و اصبحت دور المسرح مناسباتية و ليست كما عرفتها الحضارات السابقة منارات ادبية و ثقافية صنعت اجيال قادرة على بناء مجتمعات قوية و مثقفة و ضاعت الفلسفة الارسطية الداعية للتطهير و طمست النظرية البريختية للتغيير و بهذا اصبح المسرح العربي يعاني من فقر في الموضوعات بالرغم من توفرها و فقر في جوهر النصوص المختارة ، و ادى عزوف المتلقي الى فراغ رهيب  .

 

ما خصائص مسرح الطّفل وفق رأيك؟

مسرح الطفل هو مسرح بكل المقومات المعروفة في العملية المسرحية غير انه يختص بطبيعة النص الموجه لهذه الطبقة العمرية كما انه يراعي الهدف الموجه و الرسالة الخفية من خلال العمل ككل باعتباره قناة تواصلية مع فئة الاطفال المباشرة و حتى غير المباشرة اي من الكبار البالغين الذين يتلقون هذه الرسائل و يترجمونها تصرفات حياتية سواء في البيت او المدرسة و يفهمون من خلالها مزاج الطفل و تفكيره  ؛ و من هنا وجب علينا او نولي اهمية قصوى لهذا النوع من المسرح و لا يمكننا ان نتكلم على خصائص معينة بالمفهوم الحقيقي للكلمة و لكن يجب الانتباه الى جوهر الاعمال المقدمة من خلال مناسبة الموضوع للفكر الطفولي و كذا استعمال عناصر الشد و الانتباه مثل تسخير الاضاءة و ادراج الحركة باعتبار ان العملية التعليمية لدى الطفل ترتكز اساسا على الصورة البصرية

 

كتبت وأخرجت مسرحيات للطّفل.فماذا تقول عن هذه التّجربة؟

تجربة الكتابة تجربة تمازج بين اللذة و الالم ؛ فالكتابة تشبه المخاض و الاخراج يشبه عملية الولادة ؛ فالعملية تكاملية و هي ثمرة لفكر راسخ عند محمد زعيتري الذي يؤمن بأن الطفل هو نواة المجتمع الذي ينبثق منه مستقبل الاجيال فاذا نحن لم نهتم بالطفل بغرس بذور الفكر السليم بداخله منذ البداية فلا يحق لنا ان نحلم بمجتمع راق .

و عملي في مجال مسرح الطفل كان من باب المسؤولية الاخلاقية في عالم انتهكت فيه كل الحقوق و الحريات و نسينا في لحظة من اللحظات أننا نحن من اسس لهذا الفكر الضيق .

 

 أين حدود السّخرية والحقيقة في (السبوت لايت شقلبة)؟

 بداية العمل كان فكرة انبثقت من نص كتبه صديقي الرائع الاديب الساخر مصطفى بونيف و هو نفسه الذي مثّل العمل ؛ و كان لي مهمة الاشراف على هذا العمل و اقتراح عنوان " شقلبة " الذي اعتمد في الاخير .

و في هذا العمل تبدأ حدود السخرية من العنوان في حد ذاته ؛ فعالمنا اصبح يفكر بالمقلوب الظالم مظلوم و المظلوم مجرم يجب معاقبته باعتبار عدم اذعانه للقوي و لو كان ذلك على حساب حريته و كرامته . انقلاب الموازين الحياتية و اختلال المنطق الانساني الذي افرزه النظام الدولي الجديد و خاصة بعد احداث 11 سبتمبر ؛ جعل الامور غير مفهومة و تعقدت الحياة بطريقة شوشت الرؤى الواضحة للقضايا الانسانية ؛ فجاء هذا العمل "شقلبة " كردّة فعل صريحة ترفض ان تداس المقدسات و ان تكسر نواميس الكون فحمل في طياته عدّة موضوعات تبدو مختلفة و لكنها تصب في هدف واحد ؛ الا و هو حرية الرأي و حرية التعبير .و النظر الى القضايا العالمية بعين الحياد بعيدا عن التهويل الاعلامي الذي تفرضه القوى الكبرى ؛ و تطبيل ضعاف النفوس .كما انه تناول قضايا مصيرية تخص مستقبل الشباب كالعمل و الزواج و عالجها بطريقة ساخرة في ظل اتساع رقعة البطالة و تزايد نسبة العنوسة ؛ أمّا حدود الحقيقة فالعمل كان بحق ترجمة بالصوت و الصورة  لما يحدث داخليا و خارجيا و للتطورات الاجتماعية و السياسية الراهنة .

 

ماهو المسرح الذي تسعى لترسيخ مفاهيمه؟

ككل مثقف غيور على الثقافة العربية ؛ احلم بمسرح يخدم القضايا الانسانية بجرأة تلغي كل الحواجز و الاعراف الديبلوماسية ؛ مسرح يحمل هموم البشرية و يقدمها في أصدق صورها دون مداهنة و اذعان و هذا لا يتأتى الا اذا رسخنا قواعد صارمة للممارسة المسرحية تعتمد على الاكاديمية الصحيحة و تبتعد عن التجريب العبثي الذي يعتمد الفوضى مقياسا ؛ و ذلك باالاعتماد على عنصر الشباب و تسليمهم المشعل ليصنعو مستقبلهم بعيدا عن الوصاية القاتلة هؤلاء الشباب الذين لهم الحق في معالجة قضاياهم فهم الاحق بها و هم من يرسم معالم المستقبل و المسرح في ايديهم بأمان تام بداية من النص وصولا الى الاخراج .

 

عملتَ في الدّراما التّسجيليّة لشخصيّات تاريخيّة ووطنيّة.ما الذي حرصت على إبرازه في مثل هذا النّوع من الدّراما وفق رأيك؟

الافلام  التسجيلية ركيزة اساسية في المحافظة على التاريخ و الموروث الثقافي الجمعي ؛ فنحن اليوم في صراع حضاري خطير يحاول الغرب من خلاله طمس معالم هويتنا و تزييف حقائق تاريخية ؛ فالافلام التسجيلية هي الخزانة الحافظة لهذا التاريخ و هي السجل الآمن لحفظ تاريخ شخصيات و حضارات سابقة و عملي في هذا الميدان كان نابعا من مسؤولية اخلاقية تجاه الماضي و قد حاولت ان ألج هذا العالم بتسجيل اشرطة و شهادات حية حول شخصيات معروفة في المنطقة و لها افضال كثيرة على اجيال متعددة بعدها ؛ كما حاولت ان اعتمد الموضوعية في التأسيس لارشيف وثائقي قد يكون مرجعية في يوم من الايام .... التجربة مازالت فتية و تتطلب تفرغا و اماكانات كبيرة جدا الا ان النتائج تستحق بذل الكثير من المجهود.

 

لقد عملت في مشروع إحياء تراث منطقة الجلفة.ماذا تقول عن هذه التّجربة؟

و هذه التجربة ايضا مرتبطة بصفة غير مباشرة بتجربة الافلام التسجيلية و قد حاولت من خلالها ان اجمع التراث الذي بدأ يتلاشى شيئا فشيئا في عرض الحياة المتسارعة . و كانت التجربة نابعة من تجربة سابقة كنت قد خضتها مع اعضاء مكتب النشاطات الثقافية بالمركز الثقافي الاسلامي -اين كنت اعمل سابقا - و حاولنا من خلالها جمع هذا الموروث الثمين و تصنيفه و تدوين ما هو شفهي و اعتماد الاكاديمية في البحث ؛ و لقد كانت تجربة مليئة بالاكتشافات و المغامرة و خاصة في عالم الزوايا *- التي تختص بتعليم القرآن و السنة و ما تحتفظ به من رصيد ثقافي خاصة ما يتعلق بالمخطوطات و دواوين الاشعار و المتون .

 

بماذا تصفّ السّينما الجزائريّة؟

السينما الجزائرية مرت بمرحلتين اساسيتين

المرحلة الاولى و هي مرحلة السينما الاكاديمية او السينما المحترفة ( الواقعية )و قد قطعت فيها الجزائر اشواطا كبيرة و خطت خطوات جبارة و فرضت نفسها عربيا و عالميا من خلال الدراما الثورية خاصة و الدراما الاجتماعية المنبثقة من روايات و سيناريوهات جزائرية مثل "الافيون و العصا" و" دورية نحو الشرق" و "سنين الجمر" و غيرها و كلها افلام تعتمد اللمسة التاريخية في مسيرة التحرر للشعب الجزائري و كل ما تعلق بقضايا السياسة و الاقتصاد ؛ و نجحت بشكل باهر كاد يصل الى مرحلة الكمال و الجوائز العالمية خير دليل على ذلك.

اما المرحلة الثانية فهي المرحلة الحالية و تعتمد فلسفة التجريب فتتراوح فيها بين النجاح احيانا و الاخفاق احيانا اخرى الا انّ بعض التجارب الناجحة تبعث بصيص امل في صناعة سينما قوية ترقى الى مصاف العالمية

 

هل هناك فوضى في المصطلح النّقدي ّوالمسرحيّ في المشهد الإبداعيّ والفنّي والنّقديّ الجزائريّ؟

فوضى المصطلح اشكالية يعاني منها العالم العربي برمّته و العالم الثالث عموما و ذلك بسبب التأثير القوي للمدارس الغربية على الثقافة العربية و جنوح كثير من مثقفينا الى اعتماد الثقافة الغربية كمقياس للتطور و الرقي و هو ما انعكس سلبا على المدونة العربية النقدية التي لم يتجشّم هؤلاء المثقفون عناء التأسيس لها ؛ و الجزائر كغيرها من الاوطان العربية و رغم محاولات منفردة هنا و هناك لبناء منظمومة نقدية عربية تعتمد المصطلح العربي الذي يتناسب و الثقافة العربية ؛ الا انها تبقى تعاني من نفس التبعية الثقافية .

 

حاضرتَ في الجامعة الأردنيّة في كلّيّة الفنون والتّصميم.ماذا تقول عن هذه التّجربة؟

التجربة كانت رائدة بكل المقاييس لأن التبادل الثقافي و المعرفي يصنع ثقافة متفتحة و متطورة ؛ و روح العمل الجماعي و الاحتكاك بخبرات مختلفة هو في حد ذاته نوع من صقل المعارف و اثراء المنظومة المعلوماتية لدينا . و قد كانت ناقاشات الاساتذة الكرام و الطلبة المحترمين ثرية جدا و سمحت لي بالتعريف بافاق تخصص السايكودراما خاصة في كلية الفنون و التصميم مما سمح للطلبة بولوج عالم جديد كما حاولت من خلالها نقل التجربة الجزائرية بما يختص بالمسرح و الفنون الاخرى بمساعدة زميلي الدكتور مفتاح خلوف الذي حاضر بدوره في تخصص سيمياء المسرح

 

ماذا يمكن أن يقدّم المسرح للصّم ولذوي الاحتياجات الخاصّة؟ وهل يمكن أن يكون هناك مسرح خاصٌ بهم؟

المسرح فن بصري تعبيري ؛ و الصم يحسنون المشاهدة لأنّ عيونهم هي آذانهم و من هنا فالمسرح بالنسبة لهم منبر فسيح و اداة تعبير قوية جدا لطرح قضاياهم و لغة الاشارة التي يستعملونها هي نوع من مسرحة الالفاظ بمعنى انها فن تعبيري حركي و هو الركيزة التي ينبني عليها الاداء المسرحي ؛ كما ان الصم لهم باع كبير في الاداء المسرحي و قد اثبتت التجربة ذلك و هنا لا يفوتني ان اصف التجربة المسرحية الرائدة للصم في الاردن في المهرجان الثقافي المسرحي العربي الاول للصم و الذي نظمته جمعية تنمية المرأة الاردنية للصم سنة 2013 تحت شعار "بلاغة الجسد و حديث الاصابع" أين شاركت في فعاليات هذا المهرجان بمحاضرة تحت عنوان " الصم و ثقافة التواصل الاجتماعي " و شهدت ذلك التألق للعروض المسرحية التي قدمها الصم و كانت بحق رسالة واضحة تترجم مدى اهمية المسرح كفن تعبيري في ترجمة مكنون الذات مهما كانت لغة التواصل سواء المنطوقة ام الاشارية . فالمسرح فضاء فسيح امام  الصم و ذوي الاحتياجات الخاصة باعتباره قناة تبادلية سواء كانوا مؤدين أم متلقين – مشاهدين -

 

لقد شاركت في الكثير من الملتقيات والنّدوات الدّوليّة حول المسرح والنّقد.ماذا تقّدم هذه المشاركات لمحصّلة محمد زعيتري المسرحيّ؟

هذه المشاركات أكيد هي نوع من الثروة المعرفية التي تسمح لي بالاستزادة في هذا الميدان و الاحتكاك بالثقافات المختلفة و بناء رؤية واضحة و تفصيلية حول المشهد المسرحي و النقدي العربي و العالمي و هذا يساعدني كثيرا في بحوثي و تجاربي الابداعية كما انها قناة تفتح لي آفاق التعاون المستقبلي مع مختصين في المجال ؛ و خبرات ابداعية لها رصيد معرفي كبير .

     

ما رأيك بالمهرجانات المسرحيّة العربيّة؟

كثير من المهرجانات العربية المسرحية فقدت الهدف المنوط بها للرقي بالمسرح العربي و رفع مستوى الذائقة الفنية العربية و العالمية و اهتمت بجزئيات صغيرة جعلت من المسرح آخر اهتماتها بترسيخ ثقافة السوبر ستار و التنافس على نيل الجوائز بمعايير بعيدة كل البعد عن فن المسرح و لكن رغم ذلك تبقى بعض المهرجان تحافظ على الحد الادني من روح المسؤولية لخدمة قضايا المسرح العربي

 

هل تعتقد أنّ السّياسات الثّقافيّة العربيّة تدعم المسرح كما هو مأمول؟

لا استطيع ان اقول ان السياسات العربية تدعم او لا تدعم المسرح لأن الامر يتعلق بمسؤولية مشتركة بين السلطات و المثقفين فالدعم ليس فقط بناء دور مسرح و تمويل المشاريع لكنه ايضا مسؤولية اخلاقية في رسم مسار تكويني تختص به الجامعات و المسارح الوطنية لتخريج شباب ذوي  كفاءات عالية و هذا لا يتأتى الا بمشاركة المختصين و المثقفين في بناء هذا الجيل الذي يحافظ على الاستمرارية و يستثمر المسرح كشريك حقيقي في العملية الثقافية الاجتماعية.

 

هل المسرح في وجهة نظرك تجسيد للمجتمع أم مشروع إصلاحي له؟

اذا اردنا ان نبني مسرحا يجسد ثقافة التطهير و التغيير فإنه حري بنا أن نؤسس لمسرح يحاكي – و لا يعكس – الحياة الاجتماعية بتلمّس القضايا المراد معالجتها و بلورة الافكار وفق ما تقتضيه هذه القضايا من اصلاح ؛ فالمسرح ليس تجسيدا للمجتمع كما هو؛  بل هو اعادة تشكيل للمجتمع وفق ما تلميه المشروعات الاصلاحية .

 

ماذا تعني الكلمات التّالية لك:

أ‌-                 خشبة المسرح: فضاء الانعتاق

ب‌-           الإضاءة المسرحيّة: شعاع الحقيقة

ت‌-           الديكور المسرحيّ: فضاء الخيال و تفتح الافق

ث‌-           المؤثّرات الصّوتيّة للمسرحيّة: الوتر الحساس  عند المتلقي

 

* - الزوايا و هي جمع لكلمة زاوية و هو مكان يشبه المركز التعليمي يختص بتعليم القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة و تخريج الائمة و معلمي القرآن الكريم و يؤطره مشايخ .