محروس.. عن الرحيل المرير للباتور السقطري بعد سيطرة المغول على الجزيرة ’’بروفايل‘‘
من وسط سنابل الحزب الاشتراكي اليمني عاش الفلاح ’’رمزي محروس‘‘ _44عاماً_ في كنف أسرة سقطرية متوسطة امتهنت السياسة منذ نعومة أظافرها وارتشفت شجاعة الشراع المحاصر بالأعاصير على متن جزيرة يتحرش بها القراصنة.
كقوس يحتضن السهم ويكتنز أخرين؛ أمتشق الشاب حياته في أدغال الجزيرة التي تشرب من كبريائها أمداً؛ ذهب إلى مدرسة الشهيد ’’مدرم‘‘ وبدت ملامح شخصية القائد ترسم ملامحها على ناصيته وما إن أكمل دراسته الابتدائية والأساسية والثانوية سافر مُحملقاً إلى عدن لإكمال دراسته ومنها العودة إلى حديبو.
ذهب التلميذ ذو الأربع أعوام إلى المدرسة برغم مأساة أسرته التي فقدت عمودها الفقري_ والده_ الذي ذهب نتيجة تحطم طائرة كان يستقلها ومسافرين في طريق العودة إلى الديار بمطار الريان بحضرموت في العام 1980م فيما كان يشغل أباه _ عضواً في المجلس الشعبي الأعلى إبان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ناهيك عن كون الرجل السكرتير الأول للحزب الاشتراكي اليمني الحاكم حينها ذاك التاريخ يتكرر والعقارب تدور.
يوماً ما اغرورقت عين الطفل _رمزي أحمد سعيد محروس المولود المولود بتاريخ م4/8/1976 بمدينة حديبو_ لكن مأساته كانت وقود انطلاق ودارت الأيام حتى أضحى شاباً ومذ أن عاد من عدن في 1996م عمل مُعلماً بين الفترة (1996_2010)م فيما شغل وظيفة موجه في التربية في الأرخبيل بعدها حتى 2014م لينتقل إلى منصب المدير العام للشباب والرياضة حتى 2015م ومنها إلى وكيل لمحافظة سقطرى حتى 2018م لترمي بعدها الرئاسة اليمنية حجر الثقة في المحيط الهندي وتختار الرجل محافظاً في إبريل من العام 2018م وهو بداية الصراع مع القوات الإماراتية.
يبدُ أن الإمارات أخطئت الطريق؛ فانزلقت بها إطارات الصدفة إلى سقطرى رغم أنها تبعد عن مناطق المواجهات زهاء ألف كيلو متر تقريباً؛ لم تكن صدفة إذاً بحسب _أبناء الأرخبيل_ بقدر مغازلة واغتصاب الجزيرة كما يقولون؛حيث كانت المقدمات من خلال تقديم المساعدات الإماراتية المتمثلة بـ’’مؤسسة خليفة‘‘ إضافة إلى شحن الأسماك إلى الإمارات منهم من يقول يدفعون ثمنه ومنهم من يقول لا.
ويتهم أبناء الأرخبيل الإمارات بسرقة نبتات من أشجار ’’دم الأخوين‘‘ النادرة بالإضافة إلى الطيور وشحنها إلى الإمارات إلى جانب شراء أراضي مترامية الأطراف مما يخالف نصوص القانون اليمني الذي يمنع بيع وشراء الأراضي لغير اليمنيين والإستثمار بلا ترخيص بل وصل بهم المقام أن تطأ اقدامهم من غير تصريح دخول؛ ومن أجل بناء صورة ذهنية طيبة عنها سارعت الإمارات مطلع العام 2017م بإنشاء شبكة اتصالات إماراتية ليتم توسعة الشبكة إلى ’’9‘‘ أبراج لتغطي مناطق واسعة من الأرخبيل بالتزامن مع انحسار شبكة يمن موبايل التي تغطي مديريتي حديبو وقلنسية في أحسن الاحوال والتي نالت نصيبها من الأعاصير والعواصف.
كان ’’محروس‘‘ يدرك مرام الأصدقاء الذين يخفون أنيابهم إذا ما ابتسموا، أواخر عام 2015م عندما كان نائب المحافظ؛ فأنكر عدد من التصرفات للإماراتيين ليدرك الأخير أنهم أمام ’’قطزً‘‘ أخر يقف في طريق ’’هولاكو‘‘ ويتهدد أماني المغول الجدد؛ ففي العام 2018م مبتداه حطت أقدام رئيس الحكومة اليمنية الدكتور أحمد عبيد بن دغر _حينها_ في ’’حديبو‘‘ التي تحولت بين عشية أوضحها إلى موطن أخر للقوات الإماراتية فصرخ في الشارع ’’سقطرى يمنية‘‘ وهو يستظل تحت ظلال العالم اليمني بمعية محروس.
كان رئيس الوزراء قوياً بقدر دهاءه؛ فلم يبرح الأرخبيل حتى تدخل السعوديون لوأد أحلام الإماراتيين وتم إجلاء القوات الإماراتية من ’’حديبو‘‘ لكن هذا كان بمثابة فاصل إعلاني وتأجيل معركة لا أكثر؛ كانت الإمارات تدرك أن ثمة من سيرفض سيطرتها على الجزيرة لكنها سبق وان أنشئت قوات ’’الحزام الأمني‘‘ تلك القوات المكونة من ’’1500‘‘ فرد خارج نطاق وزارة الداخلية اليمنية ويكمن ولاء هذه القوات للإمارات حالها حال قفازات اليد للأجنبي.
كان يخش ’’محروس‘‘ من أن سقطرى المسجلة ضمن التراث العالمي لليونسكو ستصبح قاعدة عسكرية بدل أن كانت قِبلة للسياح وموقد للطبيعة؛ سياسات سبقت ’’السيف العذل‘‘ ونثرت الإمارات الأموال على العامة وسرقت مواقف البعض وأغرت آخرين بالجنسية الإماراتية والسفريات والمنح الدراسية والعلاجية لحرف مسار ولاء الناس عن الشرعية وتجنيدهم في صفوفها في معركتها مع اليمن.
كانت الإمارات تعطي عطاء من لا يخش الفقر؛ في مقابل ذلك كانت السلطات المحلية بالجزيرة فضلاً عن الحكومة اليمنية تشبه تماماً واقع صلاح الدين الأيوبي إبان حصاره في مصر؛ وعن سؤالنا؛ لماذا فضل محروس الشرعية بالرغم من حالة الفاقة التي تعيشها وكفر بالإمارات ونعيمها كالأموال الإماراتية والجنسية والسفريات؛ قال لـ’’المدنية أونلاين‘‘: نحن نفضل عزتنا وكرامتنا.. اليمن كانت في الفاقة لكنها ستتعافى غداً والشرعية هي الحبل الذي فيه النجاة فالمال زائل والأرض باقية‘‘.
لم تُخف الإمارات عبر مغرديها على مواقع التواصل الاجتماعي ’’تويتر‘‘ على مدرى العامين الماضيين نيتها إبعاد ’’محروس‘‘ إلى جانب تحريض من استقطبتهم في الجزيرة ومن جندتهم وبدت المسيرات المموالة إماراتياً لكن ثمة رفض لتوغل الإمارات في الجزيرة فخرجت المسيرات والمظاهرات المؤيدة للحكومة الشرعية والسيادة اليمنية على كامل الأرض اليمنية بمن فيها الأرخبيل والمحافظ كرمز وطني كافرين بتلك الأماني التي تسوقها الإمارات للناس في كل الأرجاء بمن فيها الجزيرة.
استخدمت الإمارات كل اسلحة المواجهة مع ’’محروس‘‘ لكنه استطاع التغلب على الإماراتيين كما لو كان الجزيرة التي هزمت أعاصير المحيط الهندي؛ أتهم الرجل بالانتماء لحزب الإصلاح، تلك الطريقة التي يعتقد الإماراتيون أنها السبيل الوحيد لشيطنته؛ لكن شغل الرجل ’’رئيس الرقابة الحزبية بالحزب الاشتراكي بسقطرى‘‘ أدحض هذا الاتهام.
أحدث تأخر رواتب العسكريين في سقطرى تذمراً لدى قوات الواء الأول مشاه بحري وحمل بعض كتائبه إلى الإنشقاق عن الشرعية والارتماء في أحضان ما بات يعرف بـ’’المجلس الإنتقالي الجنوبي‘‘ المدعوم إماراتياً ليحمل معه قائد اللواء ’’ناصر قيس‘‘ إلى الانشقاق هو الأخر بعد تواصل مستمر مع القوات الإماراتية مقابل صفقة أموال طائلة بحسب مصدر محلي لـ’’المدنية أونلاين‘‘ وتنحدر القوات المنشقة إلى جانب قياداتها إلى أبين والضالع ويافع، علماً بأن اللواء الأول هو الأكثر تسليحاً وبانشقاقه وجدت الإمارات ضالتها.
كان الوقت متأخراً عندما عُين العقيد ’’سالمين أحمد‘‘ من قبل رئيس الجمهورية بديلاً عن ’’قيس‘‘ فسلم الأخير أسلحة اللواء وأفرغ المخازن ووهبها الموالين للانتقالي الذي سبق وإن أستقدم المئات من الموالين له من ’’الضالع‘‘ و’’يافع‘‘ لكبح جماح الشرعية؛ كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً الجمعة’’21‘‘ يونيو من الشهر الماضي حين أطلق المغول أول قذيفة مدفعية فوق رؤوس الأهالي لتبدأ معها معركة السيطرة على بغداد أخرى.
حشدت الإمارات إذاً بأدواتها المحلية الدبابات والأسلحة الثقيلة وبدأ ’’مسجد السلام‘‘ يرتعد فرائصه من شدة الإنفجارات حينما كان خطيب الجمعة يستل خطبته ليمتنع الناس من الخروج من وإلى المساجد خشية الموت وترتجف المنازل وكذلك الجزيرة ويدب الخوف ويتملك الأهالي الهلع من اصواتاً لم يألفوها مابالنا بأصوات الدبابات ودوي المدافع ليخرج بعدها ’’محروس‘‘ على متن قارب صيد مغادراً حديبو التي أحبها وأحببته مذ صباه.
قاتل الرجل بشحاعة ’’معد إبن يكرب الزبيدي‘‘ بحسب من عرفوه؛ قال للإمارات لا وهو يعلم سطوتها كما لو كان ’’عثمان باتور‘‘ إبان حصار عاصمة الإيجور المُقدسة ’’كاشغر‘‘؛ سار مُتمتماً في طريق ترحاله إلى ’’المهرة‘‘؛ اليمن هي كل ما تعني الحياة للإنسان ؛ هي الأب والأم‘‘.