مؤتمر الأمن البحري.. هل يريد الخواجة شركاء أم "كلاب حراسة"؟!

بدا لي مؤتمر الأمن البحري المخصص لدعم قوات خفر السواحل اليمنية، الذي انعقد أمس الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض، كجولة تسوق يقوم بها الخواجة للبحث عن أدوات يستخدمها لمواجهة حاجة طرأت اللحظة، منتزعاً ما يجري في البحر الأحمر من سياقه العام ومتعامياً عن الحقيقة الثابتة التي تقول إن اختلال أمن البحر الأحمر هو نتيجة للعبة الخطرة التي مارستها أطراف دولية وإقليمية نافذة خلال العقد الماضي والذي انتهى بسيطرة الحوثيين على الدولة وأن البحر لن يكون آمناً ما لم تستعيد اليمن عافيتها كدولة موحدة مستقرة ذات سيادة.

فقد ظل النافذون الدوليون أو ما اصطلح على تسميته مجازاً بـ"المجتمع الدولي"، منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل حوالي 11 عاماً، يراوح ويناور في مساحة مفتوحة عازفاً عن تقديم أي جهود لإسناد المعركة التي يخوضها الجيش التابع للحكومة المعترف بها دولياً لاستعادة الدولة وإنهاء الإنقلاب، واليوم بدأ التحركات لإضعاف الحوثيين بهدف إعادتهم إلى المربع القديم والبحث عن منفذي مهام جزئية على الضفة الأخرى من الصراع.

النيران التي يكتوي بها اليمنيون طيلة عقد من الزمن لم تكن تعني الأطراف الدولية، واليوم فقط تغير موقفهم بعد أن تركت الشظايا المتطايرة من جبال اليمن ندبات على سيقانه الممتدة في البحر الأحمر وضفافه الشمالية، ومع حجم التغير الذي طرأ على الموقف الدولي إلا أن تحركاته العملية لم تصل بعد لمستوى تغير القناعة والنظرة لمليشيا الحوثي.

تدرج التصنيف الدولي، وبمعنى أصح التصنيف الأمريكي البريطاني، لمليشيا الحوثي منذ ظهورهم كقوة من مرتبة "شريك محتمل لتنفيذ مهام محددة" إلى "خطر تحت السيطرة" بالنظر إلى مسافة بعده أو قربه من مصالحها، وكل القرارات والخطوات انطلقت من هذه النظرة، بل ذهبوا في كثير من الأحيان إلى الإستثمار فيها، كما استثمروا سابقاً في مليشيات مشابهة في العراق، كأداة لإبقاء المنطقة في حالة اللاإستقرار ما يسهل ابتزازها ويحفز مسار تدفق أموال الخليج لإنعاش أسواق السلاح في الغرب.

وبلغ الإستثمار في المليشيا ذروته حين ضغط المجتمع الدولي بكل ثقله لإيقاف العملية العسكرية الرامية لتحرير موانئ الحديدة والساحل الغربي عبر فرض اتفاق استوكهولم (ديسمبر 2018) بعد أن وصلت القوات المدعومة من التحالف إلى أطراف مدينة الحديدة.

مؤتمر الأمن البحري الذي انعقد مؤخراً هو واحدة من التحركات الباهتة التي تقودها الحكومة البريطانية نيابة عن الولايات المتحدة وشركائها بعد أن صارت خطوط الملاحة الدولية تحت النار وتطايرت الشرارات وصولاً إلى إسرائيل، وبعد أن غدت مليشيا الحوثي "منظمة إرهابية" وفق التصنيف الأمريكي، والذي قالوا إنه يأتي "في شراكة غير مسبوقة لدعم خفر السواحل اليمني في مهام إنفاذ القانون"، حسب نص الخبر المنشور على صفحة سفارة المملكة المتحدة في اليمن.

 وحسب الخبر الذي نشرته سفارة المملكة المتحدة على منصاتها الرسمية فإن "خفر السواحل اليمني سيحصل على دعم مخصص لتعزيز قدرته على مراقبة وحماية الحدود البحرية لليمن بشكل أكثر فعالية". وأن هذه "القدرات المحسّنة ستسهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن وتوسيع الفرص الاقتصادية للمجتمعات الساحلية اليمنية، مع حماية واحد من أهم الممرات البحرية في العالم".

وبلغة صريحة وواضحة فقد عبر النافذون الدوليون أن ما يهمهم من اليمن هو فقط حماية أمن الممر المائي ذي الأهمية العالية وبما يخدم مصالحهم هم فقط. ونحن في المقابل ذهبنا نجاريهم في خطابهم الحريص على تحقيق أهدافهم هم وكأننا قد يئسنا أن نحشد الدعم لأهدافنا أو أننا قد أضعنا أهدافنا وأجندتنا الوطنية في وسط زحام الأجندات المتداخلة.

وقد ذهبنا لنصيغ خيبتنا بكلمات منمقة تتحدث عن أهمية أمن البحر الأحمر والملاحة الدولية ولم نمتلك من القوة والوضوح ما يكفي لأن ننبههم إلى مسعاهم الخائب إذ أن أمن البحر الأحمر لن يتحقق مالم يزول مكمن الخطر ويحصل اليمنيون على دعم وإسناد صادق من المجتمع الدولي لاستعادة دولتهم ونزع مخالب العصابة التي سطت على مقدرات الدولة وتقامر بملايين اليمنيين كرهائن.

كيف يمكن التصديق أنه يمكن بناء خفر سواحل خارق يحقق ما عجزت عنه عملية "حارس الإزدهار" وشهران من القصف الأمريكي وعام من القصف الإسرائيلي المتقطع الذي ظهر أثره في تدمير منشآت مدنية وبنى تحتية ليس أكثر؟!

وما هي المعجزة التي يمكنها أن تجعل الذراع البحرية أن تكون قوية في جسد خايس ومتهالك وممزق؟ وعلى افتراض أنها تمكنت من تحقيق نجاحات في تنفيذ عمليات في البحر فإن التساؤل لدى الطرف الوطني يفترض أن يكون ما حجم الفائدة التي تعود على المعركة الوطنية وبوصلتها التي يفترض أنها موجهة نحو صنعاء؟

وهل تجزيء الدعم وإبداء الحماس فقط لدعم خفر السواحل يحمل مؤشرات عن استعداد القوى الدولية النافذة ووكلائهم في المنطقة لدعم معركة استعادة الدولة وتحرير البلاد بما يحقق لليمن الاستقرار ليجدوا شريكاً قوياً وقادراً على بناء علاقة قائمة على المصالح المشتركة؟ أم أنهم فقط يبحثون عن من يقوم بمهمة "كلاب حراسة" لتأمين الممرات البحرية وحماية مصالحهم مقابل ما سيقدمونه من فتات؟! وأنا هنا لا أقصد قوات خفر السواحل أو أي وحدة عسكرية يمنية بهذا المصطلح.

متى نملك القدرة على رفض جرجرتنا إلى الملفات الجزئية ونملك الشجاعة للحديث مع الأطراف الدولية بلغة واضحة تضع مصالح اليمن على قدم المساواة مع مصالحهم بما يوصل رسالتنا أن الوقت لم يعد ملائماً للبحث عن أدوات أو مقاولين لتنفيذ خدمات أو مهام جزئية؟

*نقلاً عن (المصدر أونلاين)

مقالات الكاتب