لماذا يجب على البنوك نقل مقراتها فوراً إلى عدن؟

تواجه البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء أزمة سيولة خانقة ليست وليدة اليوم بل تمتد إلى العام 2015 تبعا لما أحدثه الانقلاب الحوثي من أزمات سياسية واقتصادية.

والسبب في ذلك هو أن البنوك التجارية بالذات، استثمرت ودائع الناس في "أذون الخزانة" ولم تستردها منذ ذلك الحين، ولم تحصل على فوائدها، كما أن تلك البنوك لديها "احتياطي قانوني" إلزامي، وهو مودع أيضا لدى مركزي صنعاء، وبالتالي كما تقول بعض المصادر الوثيقة لم يعد لدى تلك البنوك مجتمعة سوى 10% من إجمالي المبالغ المودعة في البنك المركزي (أذون + احتياطي + صكوك إسلامية).

الصورة في صنعاء كالتالي: تحولت الصالات الرئيسية للبنوك إلى قاعات محاكم وطوابير طويلة للمودعين الراغبين بسحب أموالهم!

وقد طالبت جمعية البنوك في صنعاء، حسب رسالة وجهتها للقيادة الحوثية، بإلزام مركزي صنعاء إعادة ودائعها ماقبل ٢٠١٦، أو كف أجهزة القضاء الخاضع لسيطرتهم عنها، وهو ما يقتضي منع استقبال شكاوى المودعين ضدها!

ما هو أعظم خطرا مما سبق، فالبنوك لا تستطيع الوصول إلى البنوك المراسلة لها في الخارج، بسبب الإجراءات الدولية، بدواعي ممارسة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب! وقد استغل مركزي صنعاء ذلك ليمتنع من إعادة أموال البنوك أو فوائدها وتحيز له القضاء هناك بحكم قضائي (بمبرر ما يسمى بالظروف القاهرة)!

وهنا يبرز تساؤل مركب: أليست البنوك التجارية والإسلامية مجتمعة تعمل في نفس الظروف القاهرة؟ ثم ألا يدفعها ذلك لتمتنع بالمثل عن تسليم ودائع أو أرباح العملاء؟ لماذا إذن يتجرأ القضاء الحوثي على إصدار الأحكام ضدها ولا يفعل ذلك ضد مركزي صنعاء؟

فأين يذهب المواطنون إذن؟ وبالذات الميسورون الذين بالتأكيد فقدوا الثقة بالقطاع المصرفي برمته! ليس أمامهم سوى الاحتفاظ بأموالهم في بيوتهم، أو الذهاب بها - خاصة التجار - لشركات الصرافة! والتي بدورها - وقد كتبت في ذلك مرارا - كبديل للبنوك وقدمت تسهيلات خارج اختصاصاتها كالإيداع والتحويل الخارجي.

هذا الوضع بالذات هو عين ما يريده ثعابين وتجار الحروب الحوثيون ويسعون إليه، وقد دأب الحوثيون منذ الأيام الأولى لانقلابهم، على تبييض الأسواق السوداء في كافة المجالات، والشرعنة لها، إما من خلال القوانين السارية أو بإصدار قوانين تسهل لها ذلك.

الأسوأ من ذلك كما يقول الخبير الاقتصادي د. يوسف سعيد احمد، فقد اعتمد البنك المركزي بصنعاء سعرين للصرف هناك حتى الآن؛ فعند سداده جزء من الديون أو الفوائد الآجلة، يسعر الدولار عند 2500 ريال، وقد تبعته في ذلك البنوك التجارية تجاه المودعين!.

أقول، كان على البنوك التجارية والإسلامية مغادرة صنعاء في ذلك اليوم الذي أصدر فيه الحوثيون قانونا تعسفيا يهدد وجودها وكيانها - قانون رقم" 4" لسنة 1444هـ - لمنع الممارسات الربوية! والذي جاء ردا على البنوك لوقف مطالبتها بودائعها أو ارباحها! وقد خرج نحو سبعة من أعضاء البرلمان الذي يعقد جلساته في صنعاء بصورة غير شرعية أصلا، خرجوا إلى ساحة البرلمان في نفس يوم الجلسة المشئومة وصرحوا بأن هذا القانون أسوأ عملية سرقة في تاريخ الدول..

هل يوجد أي حلول لتلك البنوك في حال بقيت مراكزها في صنعاء؟! هنا سأقتبس أيضا من د. يوسف سعيد أحمد ما نصه: "لا يوجد مدخل لمعالجة أزمة السيولة وتحسين وتعزيز رؤوس أموال البنوك وتمكينها من القيام بدورها الاقتصادي والمالي والتنموي سوى دعم البنك المركزي عدن لها بالسيولة لتسهيل حصول المودعين على أموالهم أو الجزء المعتبر منها وإعادة الثقة بالبنوك".

لكن ذلك الخيار مشروط بالسماح بتداول الطبعات الجديدة الصادرة عن مركزي عدن المعترف به دوليا، دون أية قيود.. وهو ما رفضه الحوثيون في سبتمبر ٢٠١٩م.. وشرط آخر يضيفه د. يوسف سعيد في منشور له بصفحته وهو "ضرورة إلغاء القانون رقم "4 " لعام 1444هـ الذي قيد عمل البنوك وحد من وظائفها ونزل وبالا عليها".

ووفقا لما سبق أعلاه، أتوقع أن تخضع البنوك لابتزاز الحوثي الذي صفر خزائنها من قبل، فتقرر نقل مراكزها الرئيسية إلى عدن، حيث ما تزال تحتفظ هناك ببعض الأصول والأرصدة، لكي تحظى بالمزايا التي سيقدمها لها مركزي عدن، وللخروج من ورطة اتهامها بالتعامل مع مليشيا إرهابية، وما يترتب على ذلك من تصنيفها ضمن قائمة سوداء يستدعي تطبيق عقوبات غسيل الأموال ودعم الإرهاب ضدها.

*نقلاً عن المصدر أونلاين

مقالات الكاتب