ثورة أكتوبر.. أجبرت أعظم امبراطورية على الرحيل

مثلّ الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، انطلاق الشرارة الأولى للثورة في جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني، بقيادة الشهيد راجح بن غالب لبوزة، والتي دامت أربع سنوات، ونقطة تحول فارقة في حياة اليمنيين، حيث خارت خلالها قوى الاستعمار، بفعل ضربات الأحرار، ليولد وطن من رحم تلك الثورة.

فلم يكن هذا اليوم كسائر الأيام عند اليمنيين، فهو يوم خالد نام الناسُ فيه على عقيدةِ الاستعمار، وفاقوا على دين الحرية، ويوم تكسرت فيه قيود الظلام، بنضال وتضحيات الأبطال، وتدافع فيها الأحرار من كل صوب لتلبية ندائها، الداعي لنفض غبار الاستعمار والاستبداد الذي حجب عنهم شعاع الحرية لعقود.

كما مثلت ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م نقطة تحول فارقة في حياة الجنوبيين واليمنيين بشكل عام، حيث عملت على إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن جور الاستعمار إلى عدالة الجمهورية، ومن ظلام العبودية إلى وهج الحرية.

وخلال هذه الأربع السنوات خاض المناضلون مواجهات عسكرية مع القوات البريطانية في جميع جبهات القتال، زلزلت مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني حتى نال جنوب الوطن استقلاله من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، بعد احتلال دام 129 عاماً.

وتعدّ 14 أكتوبر واحدة من أعظم ثورات التحرر العربي، إذ فجرها شعب أعزل من السلاح، إلا من سلاح إيمانه بحقه في العيش بكرامة وعزة، واستطاع الثوار ورفاقهم الأحرار بعتادهم المحدود وأسلحتهم التقليدية، وإمكانياتهم المتواضعة إجبار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس على الرحيل، وأضحت محطة فاصلة في نضال شعوب المنطقة، معلنة نهاية حقبة من انتقاص السيادة للأرض العربية والارتهان للأحلاف الخارجية العابثة بمصائر ومقدرات بلادنا.

وبدأت فور عودة المناضل راجح لبوزة ورفاقه من الشمال، بعد أن أسهموا مساهمة فعالة في الدفاع عن ثورة سبتمبر، وخاضوا المعارك الشرسة ضد الملكيين في مختلف المناطق، وقدموا هناك عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وما إن وصل لبوزة ومن معه بأسلحتهم وبعدد من القنابل والألغام والذخائر وغيرها إلى ردفان حتى وجه إليهم الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (ميلن) رسالة يدعوهم فيها إلى سرعة تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات البريطانية في الحبيلين، إلا أن راجح لبوزة اجتمع بكل المناضلين من حوله، وأبلغهم بطلب الضابط البريطاني، وطلب منهم إبداء الرأي، فأجمع الثوار على عدم تلبية هذا الطلب، وتعاهدوا على مقاتلة المستعمر البريطاني.

ليبدأ بعد ذلك الثوار بقيادة لبوزة بإرسال رسالة الرفض، وقاموا بوضع طلقة رصاص بجانب الرسالة تعبيرًا عن مقاتلة القوات البريطانية، ووضع خطتهم العسكرية والاستعداد للثورة ومراقبة تحركات العدو بكل جدية وأياديهم على الزناد وهم تواقون للقاء العدو ولخوض معركة.

حيث بدأت المعركة في الفجر الأول ليوم 14 أكتوبر بعد أن توزع الثوار بشكل مجموعات، وقسمت المهام فيما بينهم، وأطلقت الشرارة الأولى للثورة من جبال ردفان، ثم تلتها بقية المناطق والمدن الجنوبية بشكل عام.

أما في عدن فقد بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي أوائل 1946م، وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم، ثم تعرض للاعتقال، وأسندت المسؤولية فيما بعد لعبد الفتاح إسماعيل الذي استمر يقودها حتى ما قبل الاستقلال بعدة أشهر.

وكانت العمليات التي شكلت البداية هي قصف مبنى المجلس التشريعي في كريتر، وضرب برج المطار وغيرها من الأعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة، وتزايدت تلك الأعمال حتى أن الجماهير في عدن اعتادت على سماع الانفجارات والاشتباكات الليلية بين الفدائيين والقوات البريطانية وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع، وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد النفاذ من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرة في الأحياء والأزقة الشعبية.

وكانت تلك العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن، وكانت ملامح الثورة قد بدأت تتبلور، وكانت عملية رمي القنبلة على الوفد البريطاني في المطار التي قام بها المرحوم عبدالله حسن خليفة وراح ضحيتها نائب المندوب السامي البريطاني آنذاك، وعدد من المرافقين في الوفد هي الشرارة الأولى لانطلاق الثورة في عدن.

وكان جلاء آخر جندي بريطاني من الجنوب في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1967م الذي يسمى بـ”عيد الجلاء أو عيد الاستقلال” ذكرى يحتفل به اليمنيون مع ثورة الـ14 من أكتوبر كونها ذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا جميعًا سطر فيها الشعب أروع الملاحم البطولية، وقدم في سبيل انتصارها خيرة رجاله ليعلنوا للعالم أجمع أن لا حياة تحت ظل احتلال مهما بلغت مغرياتها.

*مدير دائرة شؤون الأفراد بوزارة الدفاع

*نقلاً عن سبتمبرنت

مقالات الكاتب