بقبقة فارغة!!

مُنذ نعومة أظفارنا ونحن نتعايش مع أساليب المُبالغة والتهويل؛ الأمر الذي انعكس سلباً على طريقة تفكيرنا، حتى أصبحنا عاجزين أو شبه عاجزين عن مُواجهة الحقيقة بروح «الواقعية الموضوعية»، واليوم وفي ظل هذا الشتات الفظيع الذي نعيشه، أصبحت المُبالغة جزءاً لا يتجزأ من نمط حياتنا، تُفصح عن نفسها في تصرفاتنا، وفي تفاصيل كثيرة لو دققنا النظر فيها، لهالنا ما وصلت إليه من استحواذٍ وسيطرة. 

ليست المُبالغة مُجرد طريقة تفكير آنية، أو سلوك عابر؛ بل مرآة عاكسة لحالة الشعوب المُهتمة بـ «البقبقة الفارغة»، وبالكلام دون العمل، والتي تُعوض فشلها بخلق عالم افتراضي زائف، ولأن صورة الحقيقة عندهم مُشوهة من الأساس؛ يعتقد المُفرطون في المُبالغة أنَّهم دوماً على حق، وأنَّهم يُحسنون صنعا، يعطون الأشياء أكبر أو أصغر من حجمها، ويمنحون الناس أكثر أو أصغر من وزنهم، ولا وسطية في حياتهم المُلبدة بالزيف، والمسكونة بالتذمر والشكوى، والأسوأ أنَّهم يسعون إلى فرض نظرتهم القاصرة على الآخرين.
 
الإسهاب في تعظيم وتقديس سلالة بعينها، والجزم بأنَّها الأحق بالحكم والولاية، مُبالغة في الكهنوتية والعنصرية، والعمل على احتقار هذه السلالة، وتشويه كل ما يتصل بها قريبه والبعيد، مُبالغة في ردة الفعل الانتقامية، والعنصرية المُضادة، وتمني الموت لليهود والأمريكان، وقتل المُسلمين اليمنيين، مُبالغة في النفاق والإرهاب، وشكر من يدمر بلدنا، ويطعننا من الخلف، مُبالغة في العمالة والارتزاق، وإلقاء التهم التخوينية لكل من يخالفنا الرأي والمواقف جزافاً، مُبالغة في الكذب والافتراء.

ما سبق عناوين صادمة تلخص واقعنا الأسود، ولا مؤشرات حتى اللحظة لا انقشاعها، أو خفض وتيرتها، وقديماً قال أجدادنا: «ربنا باعد بين أسفارنا»، وحديثاً قال أخوة لنا: «شكراً لمن دمر بلدنا»، و«اعلنوها حرب عالمية»، ولأننا بالغنا طول الوقت في ظلم أنفسنا؛ استحقينا عقوبة «فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق».

في مقال له قديم - نُشر في مجلة «العربي» - وصف الدكتور زكريا إبراهيم المُبالغة بالداء المُتربع على رأس أدوائنا الاجتماعية، والأخلاقية، مُشيراً إلى أنَّ علاجها يكمن بتوخي الدقة، ونشر روح الموضوعية، ومحاولة القضاء على العقلية الانفعالية، داعياً إلى ضرورة العمل بطريقة تدريجية عل فضح شتى مظاهر التطرف الفكري، والأخلاقي، والسياسي، والاقتصادي، حتى نُسهم في كسر شوكة هذا الداء المُستفحل.

مقالات الكاتب