ضجيج وضجيج مضاد!
كم تمنينا أن يتم الانطلاق من دعوة الأخ حافظ معياد محافظ البنك المركزي اليمني لإجراء إصلاحات مالية واقتصادية حقيقية، بدلاً من اتخاذها وسيلة للممحاكات والمماحكات المضادة.
كم تمنينا أن يتم التجاوب مع الدعوة على أساس عودة المال والحكومة والرئيس والشرعية والسلطة إلى عدن، وليس ربط العائدات المالية، والبنوك الفرعية ببنك عدن وحسب.
كم تمنينا ألا تتحول دعوة معياد إلى تصفية حسابات بين مكونات الشرعية بفعل أصوات محرضة يريحها منظر النيران المندلعة في الجسد اليمني العليل.
لا يختلف اثنان على أن الوضع الحالي هو وضع شاذ، إذ أن معظم المحافظات الإيرادية لا تربط عائداتها المالية بالبنك المركزي في عدن، وهذا باب من أبواب الفساد وانعدام الشفافية والرقابة.
الدعوة إلى ربط فروع البنك بالبنك المركزي في عدن دعوة صائبة لتوحيد التعاملات والنظام المالي والمصرفي في المناطق المحررة، على الأقل. وعليه، يجب دراسة كيفيات التنفيذ مع احتفاظ كل محافظة بحصتها من العائدات، وتحديد مصارفها بشكل واضح مع تطبيق معايير الرقابة والمحاسبة.
ومع ذلك، وبدلاً من العمل على معالجة الاختلالات الناجمة عن الأوضاع غير الطبيعية في البلاد، نجد أننا لا نزال نتعامل مع مشاكلنا بنظرة محكومة بأحقادنا وخلافاتنا الحزبية والمناطقية، مع أن الفرصة كانت، ولا تزال، سانحة للبدء في إصلاح الوضع المالي، وإعادة الإعمار.
إننا بهذا التعاطي مع المشكل نعطي للحوثيين أهم أسلحتهم التي يقاتلوننا بها، ونعطي للتحالف أسوأ الصور عن اليمنيين، ونعطي للأمم المتحدة انطباعاً أننا لا نستحق أن نتدبر أمر المناطق المحررة، وعندما تأتي مواقف الأمم المتحدة على غير ما هو متوقع، نصرخ في وجهها مستنكرين، مع أن الأصل أن نصرخ في وجوه أولئك الذين لا شأن لهم إلا العزف على الخلافات لتوسيع الهوة بين مكونات الشرعية، وأن نصرخ في وجه أولئك الفاشلين في الشرعية الذين خذلوها وخذلوا شعبهم ووطنهم، وتسابقوا على حطام سياسي أو مادي حقير.
أما عدن، فقد تمنينا أن تكون عاصمة لليمن.
أردناها أن تأخذ السلطة والثروة وأن تعيد توزيعهما بالعدل، لا أن تكتفي بمجرد نقل البنك المركزي إليها.
أردنا عدن أن تحكم مأرب وتعز والبيضاء والمناطق المحررة شمالاً بالإضافة إلى الجنوب كله.
أردنا أن تنطلق بسند منها معارك تحرير الشمال من طغمة الإمامة الجديدة، كما انطلق منها الثوار في منتصف القرن الماضي، وعبروا الحدود الشطرية لدحر ظلام العصور الوسطى المتدفق من عباءة آل حميد الدين.
من حق عدن-اليوم-أن تطالب بكل إيرادات المناطق المحررة شمالاً وجنوباً.
من حقها أن تطالب بأن تكون عاصمة حقيقية للبلاد.
من حق عدن أن تحتضن حكومة البلاد، وأن تكون مقراً لرئيس البلاد، وأن تتصدر المشهد اليمني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً.
لا ينقص عدن شيء.
مدينة مفتوحة على البحر، على المحيط، على اللانهاية اللازوردية.
لا يزال في الوقت متسع، لكي تأخذ عدن مكانها ومكانتها.
لا تزال عدن قادرة على أن تكون عاصمة رغم الظروف الحالية التي حولتها إلى قرية كبيرة، وحسب.
عدن مدينة لا ينقصها التاريخ ولا تعيبها الجغرافيا، وكل ما هو مطلوب هو أن نترك روح عدن الحقيقية تسري في عروق هذا الجسد اليمني الذي أنهكته الحروب والأحقاد.
خلاصة: تحرير صنعاء مرتبط بحرية عدن، واستمرار الانقلاب في مدينة سام يعني استمرار القلق والفوضى في مدينة الصهاريج الشهيرة.