أخبار وأفكار

جلست في الرياض إلى عدد من المسؤولين اليمنيين مدنيين وعسكريين، تجاذبنا أطراف الحديث حول الوضع الحالي في اليمن.

أزمة الريال اليمني، تصاعد المعارك ضد مليشيات الحوثي، شكوى نقص العتاد العسكري، أزمة تأخر المرتبات، الفساد والمحسوبية داخل أجهزة الدولة، علاقة الشرعية والإمارات، الضغوط الدولية على التحالف والحكومة في ما يخص التسوية السلمية، وضع المؤتمر الشعبي العام بعد رحيل الرئيس السابق، وغيرها من المواضيع ذات العلاقة.

هناك اتفاق على أن الوضع الميداني لقوات الحكومة اليمنية تحسن بشكل كبير، وأن مليشيات الانقلاب في تراجع بعد أن تم تحرير بيحان وأجزاء من البيضاء، وأصبح معظم الجوف تحت سيطرة القوات الحكومية، وبعد دخول هذه القوات مديريات في الحديدة، ناهيك عن السيطرة على مواقع مهمة في نهم. هذا جانب من الصورة الإيجابية في الوضع.

لكن في المقابل علمت أن واشنطن تضغط على التحالف العربي وعلى الحكومة اليمنية لعدم إكمال تحرير ميناء الحديدة من قبضة المليشيات الحوثية.

وكنت-سابقاً- أقدر أن القول بأن الأمريكيين يفرضون خطوطاً حمراً على تحرير صنعاء أو الحديدة هو ضرب من الدعاية غير الصحيحة، لكن لقاءاتي في الرياض أكدت أن واشنطن تسعى جاهدة لمنع سيطرة القوات الحكومية على الحديدة.

الذين تحدثت إليهم ذكروا أن حجج واشنطن تدور حول الوضع الإنساني الذي يمكن أن تتسبب به عملية كبيرة كتحرير الحديدة، وأذكر- هنا- أن الروس قبل شهور رفعوا هذه الورقة عندما كانت القوات الحكومية مدعومة بغطاء جوي من التحالف تتحرك صوب المخا في طريقها إلى الحديدة.

هناك من يذهب إلى أن الولايات المتحدة لا ترغب في تقليم أظافر الحوثيين في اليمن، رغم شعارات الحوثيين التي يرددونها صباح مساء عن موت أمريكا وإسرائيل.

ترى واشنطن أن الحوثيين قوة مهمة يمكن أن تضطر حلفاءها في السعودية والخليج إلى الإبقاء على علاقة وطيدة تبتز بموجبها أمريكا هؤلاء الحلفاء، وتواصل عمليات بيع السلاح لهم بفعل توترات يثيرها الحوثيون تصب في الأخير لصالح الولايات المتحدة، ثم إن الحوثيين يمثلون جزءاً من المشروع الإيراني الذي تريده واشنطن قوياً، بالقدر الذي يضر العرب، وضعيفاً لا يتعدى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على وجه الخصوص.

وعلى أية حال فإن وزارة الخارجية اليمنية، وسفارة اليمن في واشنطن، يمكنهما أن تلعبا دوراً كبيراً في القيام بحملة دبلوماسية كبيرة لإقناع الأمريكيين بضرورة بسط القوات الحكومية سيطرتها على ميناء الحديدة، ومخاطر استمرار سيطرة المليشيات عليه، وتأثير ذلك على عمليات الإغاثة الإنسانية، وعمليات إدخال السلع التجارية إلى البلاد، ومكافحة تهريب السلاح إلى الحوثيين التي أثبتت تقارير أممية أنه لم ينقطع، وأن إيران زودت الحوثيين بالصواريخ البالستية التي انطلقت باتجاه الرياض على وجه الخصوص.

دارت أحاديث حول أزمة مرتبات الموظفين المدنيين، وحول تأخر مرتبات الجنود المرابطين في الجبهات، وجرى الحديث عن عمليات فساد كبيرة تدور حول وجود قوة عسكرية كبيرة وهمية على الورق، فيما القليل من المقاتلين موجودون في الجبهات، جرى الحديث عن أسماء وهمية تصرف عليها مليارات الريالات كمعاشات ومخصصات، تذهب في الحقيقة إلى جيوب من وضعوا هذه الأسماء الوهمية، وهذا جانب من جوانب الفساد التي ورثتها المؤسسة الشرعية من أيام النظام السابق، وزادت عليها بشكل كبير. 

جرى الحديث حول أعداد كبيرة من الموظفين يستلمون مخصصات مالية ومرتبات من أكثر من جهة مدنية وعسكرية، فيما المرابطون الحقيقيون في الجبهات ينتظرون أكثر من ثمانية أشهر ليصرف لهم راتب شهر أو شهرين.

تم الحديث حول وجود محسوبية واستغلال للوظيفة العامة، وتم ذكر عدد غير قليل من المسؤولين الذين قاموا بتوظيف أقاربهم في نطاق مسؤولياتهم أو بعيداً عنها ضمن سياسة «إخدمني أخدمك».

وكنت قد وصلتُ الرياض على وقع تمكن عدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين ضمن النظام السابق في اليمن من الفرار من قبضة الحوثيين في صنعاء إلى مأرب أو عدن، مع وصول البعض منهم إلى الرياض.

وفي هذا الخصوص، هناك جدل داخل مؤسسة الشرعية حول هذا الموضوع، حيث ينقسم معسكر الشرعية إلى قسم يؤيد استقبال المنشقين عن سلطة الانقلاب لإضعاف هذا المعسكر، ولأن الواجب الإنساني يحتم ذلك، وقسم يتحفظ على استقبال المنشقين ويدعو إلى الحذر من وجود عيون للحوثي بينهم، ويرى أن انشقاقهم المتأخر أشبه ما يكون بتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها، بالإضافة إلى وجود فريق منتفع يخشى على مصالحه من تلك الانشقاقات.

والحديث حول هؤلاء المنشقين يجر إلى الحديث عن المؤتمر الشعبي العام، على اعتبار أن معظم الذين أفلتوا من قبضة مليشيات الحوثي هم مسؤولون عسكريون ومدنيون ووجاهات اجتماعية مقربة من الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.

وبالطبع تعرض حزب المؤتمر (جناح صالح) لضربة قوية بمقتل الرئيس السابق، الأمر الذي جعله يبدو منقسماً بين مؤتمر الداخل ومؤتمر الخارج، وضمن مؤتمر الخارج هناك (مؤتمر الشرعية) ومؤتمر آخر لا يزال يعارضها، رغم محاولات الابتعاد عن الحوثيين، حيث اجتمع في أبوظبي خلال الأيام الماضية عدد من أعضاء اللجنة العامة الذين لا يزالون يرفضون الاتفاق مع مؤتمر الشرعية الذي يصر على ضرورة الاعتراف بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي كشرط لإعادة توحيد المؤتمر الذي عصفت به انتفاضة 2011، ثم ضعضعه انقلاب 2014، ثم جاءت الحرب فزادت من انقساماته الكثيرة. هناك بالطبع اهتمام دولي وإقليمي بضرورة توحيد المؤتمر، وهناك ميل لأن يلعب هذا الحزب دوراً كبيراً في مرحلة ما بعد الحوثي.

لكن السؤال هو كيف يمكن أن توحد صفوف المؤتمرين، وما هي طبيعة الأدوار التي ستقوم بها المكونات الأخرى، وما هو دور المقاومين الحقيقيين على الأرض، وما طبيعة العلاقات المستقبلية بين كل تلك الأطراف؟

حدثني قيادي في المؤتمر- فرع أبوظبي أن مؤتمر صالح يمكن أن يسير في تفاهمات محددة مع الرئيس هادي، تضمن اعتراف «مؤتمر صالح» في الخارج بشرعية هادي، على أن يترك هادي رئاسة المؤتمر لشخصية مؤتمرية أخرى، بحيث ينضم المؤتمر مع غيره من مكونات الشرعية لاصطفاف وطني كبير يهدف إلى إسقاط الانقلاب تحت مظلة الشرعية.

لكن هل سيقبل الرئيس هادي بالتنازل عن رئاسة المؤتمر، الذي يقول فريقه إن لوائح المؤتمر تقول إن رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر، وماذا سيكون عليه الحال إذا أصر «مؤتمر أبوظبي» على موقفه؟ هنا يمكن الحديث عن ضرورة وجود تفاهمات بين الرياض وأبوظبي لترتيب أوضاع المؤتمر، بحيث تتم الدعوة إلى انعقاد مؤتمر موسع في الرياض لكافة القوى المعارضة للانقلاب، للتهيئة لاصطفاف وطني شامل لإسقاط سلطة المليشيات.

ومهما يكن من إخفاقات لمؤسسة الشرعية هنا أو هناك إلا أن مقارنة ما تم إنجازه بدعم كبير من التحالف العربي مع ما كانت عليه الأوضاع في 2014، هذه المقارنة تشير إلى أن الكفة عسكرياً وسياسياً تميل لصالح الشرعية، شريطة أن يكون هناك قدر من التنسيق داخل تلك المؤسسة، وفي ما بينها وبين التحالف العربي.

وينبغي أن تكون النقاشات ضمن الحقول التالية:
طبيعة العلاقة وحدود المسؤولية بين مؤسسة الشرعية والتحالف العربي، مناقشة أسباب تأخر الحسم عسكرياً بشفافية وبروح المسؤولية.

مناقشة ملفات الإغاثة الإنسانية والتحديات التي تواجهها، وإيجاد منافذ بديلة لدخولها، على ضوء الجسر الإغاثي الجوي الذي أعلن عنه يوم الإثنين في الرياض، مع بحث إعادة تحريك عجلة الاقتصاد بتفعيل حركة الملاحة عبر الموانئ والمطارات، وتصدير النفط والغاز، وإعادة الإعمار، وتفعيل الأجهزة الرقابية ومكافحة الفساد والازدواج الوظيفي، والوظائف الوهمية.

وأخيراً: وجدت في الرياض إصراراً كبيراً على ألا يكون اليمن نسخة من النموذج اللبناني بوجود دولة داخل الدولة، ورفضاً لبقاء الحوثيين محتفظين بسلاحهم في اليمن وعلى حدود المملكة، مع الترحيب بهم ككيان سياسي بعد تنفيذ مضامين القرارات الدولية الخاصة باليمن، واتساقاً مع المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، كما أن هناك اتفاقاً على ضرورة أن تنطلق أية جهود مسلحة لمواجهة الحوثي تحت راية الجيش الوطني، لأننا لسنا في حاجة إلى المزيد من المليشيات الخارجة عن سيطرة الشرعية، حتى إن كانت تلك المليشيات تهدف إلى مواجهة الحوثيين.


* نقلاً عن صحيفة القدس العربي

مقالات الكاتب