محنة اليمنيين أعمق مما نراه

الجميع يتحدث عن اليمن، حيث صار أشهر العناوين في الإعلام العربي والدولي منذ أربعة أسابيع، مع بداية حرب "عاصفة الحزم"، لكن ما لا نراه ولا نسمعه كثيرا هو مأساة الشعب اليمني القديمة والمستمرة منذ أكثر من نصف قرن. هذا البلد الضارب في التاريخ يعيش أهله فقرًا وجوعًا ونقص تنمية لا تعرف مثلها معظم دول العالم، ويعاني أهله أزمة إنسانية صامتة لا تصلنا أخبارها.

 

وليست مشكلة اليمن إستقراره، فقد عاش معظم تاريخه باضطرابات محدودة مكانيًا وزمانيًا، حتى بعد ظهور تنظيم القاعدة وحرب الدرون الأميركية المستمرة منذ سنوات.

ورغم الحروب الوجيزة بين الحكومة والحوثيين. لكن معظم البلاد مغيب عن الحضارة، وسبق الفقر وصول علي صالح للحكم. واستمر اليمن لعقود دون تنمية، وهو الآن يقبع في قاع العالم، ويصنف من أكثر الدول التي تعاني مِن الفقر والجهل معًا. بدولارين يعيش نصف اليمنيين في الشهر. وهو من أكثر البلدان نقصًا في التعليم والتطبيب والخدمات.

هذا البؤس عمره نحو خمسة عقود، وهو قضية أعظم وأخطر من الأزمة الطارئة التي نراها اليوم. ولا بد من القول إنه يستحيل أن يتغير حظ اليمنيين باستمرار النظام القديم وسلالته، وقد تكون الحرب الحالية المخرج من النفق اليمني الطويل، إن اهتمت الدول المعنية، من خليجية وغربية، بمشروع إنقاذ اليمن وليس فقط إنقاذ الحكم.

وسبق للمجتمع الدولي، من حكومات وصناديق دولية، أن عقد مؤتمرات خاصة بمساعدة الشعب اليمني، قبل وبعد ثورته الربيعية، إلا أن نظام صالح كان يُفشل كل الجهود لتطوير البلاد عن جهل أو فساد أو نية سياسية.

صالح ترك الحكم واليمن من القرون الماضية، خارج الحضارة والمدنية، وكانت حكومته تدير فقط المدن الرئيسية وتترك بقية البلاد لحكم القبائل.

اليمن في الستينات مر مثل كثير من الدول العربية بمرحلة الإنتقال، سواء من حالة الاستعمار كما حدث لليمن في الجنوب، عام 1967، أو الإنتقال من السلطة القبلية المغرقة إلى الدولة الحديثة، كما هو حال اليمن في الشمال في عام 1962.

أيضا، ومثل ما مرت به الكثير من الدول العربية الجديدة من مخاض عسير، إنحرف الإستقلال والتغيير نحو ديكتاتورية عسكرية أو آيديولوجية متطرفة.

فيمن الشمال عاش مرحلة من الزمن في صراع على الحكم بين القوى المنتصرة نفسها، وتعاقب على الحكم فيه خمسة رؤساء في عقد ونصف العقد، ثم إنتهى أخيرًا بوصول شخص بسيط الثقافة والتجربة، عسكري متدني الرتبة، ليصبح رئيسًا، وهيمن عليه ثلث قرن.

أما يمن الجنوب، بعد خروج آخر بريطاني مطلع عام 1976، فقد وقع في براثن الشيوعيين، وهيمن على الحكم ماركسيون متطرفون، موالون لمعسكر الإتحاد السوفياتي.

وصار اليمنيون يعيشون في يمنين، بشقي البلاد الشمالي والجنوبي، ويُحكمون من نظامين فشلا في بناء دولة حديثة، وبعد ما سمي بالوحدة تحولت البلاد إلى دولة فقيرة واحدة.

ولم تظهر بادرة أمل في التغيير إلا في عام 2011 عندما وصلت رياح ما سمي بالربيع العربي إلى صنعاء.

أثار اليمنيون العالم، فقد كانوا أكثر المنتفضين العرب حضارية، وسارت الأحداث لعام ونصف العام بسلام حتى أجبروا صالح على الإستقالة، التي قدمها من قبيل المراوغة لشراء الوقت والبقاء في السلطة، لولا أنه أصيب في إنفجار واضطر للخروج قسرًا ثم التنازل بضغوط داخلية وخارجية.

الحديث الطاغي سياسي وليس اقتصاديًا، وهذا أمر طبيعي، لأن مشكلة اليمن في إدارة الحكم وموارده. والحكم السياسي هو سبب فقر اليمنيين وجهلهم وإحباطهم. وصالح مشكلة كبيرة لأنه نجح حتى في إفساد الإنتقال السياسي الذي هندسته الأمم المتحدة وبمتابعة دقيقة من دول كبرى، إضافة إلى رعاية كاملة من مجلس التعاون الخليجي، وكان يحمل وعودًا بتنمية اليمن.

إستمال صالح القوى الأمنية والعسكرية التي كان يرأسها، وأشاع فكرة التمرد، وتحالف مع أعدائه السابقين الحوثيين وأسهم في تمكينهم من الإستيلاء على مدينة عمران ولاحقًا العاصمة صنعاء، وأوصل البلاد إلى حالة حرب أهلية وإقليمية كبرى.

الذي نتمناه أن يهتم العالم بإنقاذ اليمن من محنته الإنسانية، بتقديم الإغاثة إلى كل أنحاء البلاد، ووضع مشروع إنقاذ اقتصادي كبير، يتجاوز مرحلة الحرب وأهدافها الآنية، فاليمن بلد نفط وغاز وزراعة ويحتاج إلى فرصته للخلاص.

 

الشرق الأوسط

مقالات الكاتب